الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

في صحبة «بيدبا».. الصياد والحمامة والجرذ

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال الفيلسوف بيدبا: زعموا أنه كان بأرض سكاوندجين عند مدينة داهر، مكان كثير الصيد يرتاده الصيادون، وكان فى ذلك المكان شجرة كثيرة الأغصان ملتفة الورق فيها وكر غراب، فبينما هو ذات يوم ساقط فى وكره، إذ بصر بصياد قبيح المنظر سيئ الخلق على عاتقه شبكة، وفى يده عصا مقبلا نحو الشجرة، فذعر منه الغراب؛ وقال: لقد ساق هذا الرجل إلى هذا المكان: إما حينى وإما حين غيري، فلأثبتن مكانى حتى أنظر ماذا يصنع. 
ثم إن الصياد نصب شبكته، ونثر عليها الحب، وكمن قريبًا منها، فلم يلبث إلا قليلا، حتى مرت به حمامة يقال لها المطوقة، وكانت سيدة الحمام ومعها حمام كثير؛ فعميت هى وصواحباتها عن الشرك، فوقعن على الحب يلتقطنه فعلقن فى الشبكة كلهن؛ وأقبل الصياد فرحا مسرورا، فجعلت كل حمامة تضطرب فى حبائلها وتلتمس الخلاص لنفسها. 
قالت المطوقة: لا تتخاذلن فى المعالجة ولا تكن نفس إحداكن أهم إليها من نفس صاحبتها؛ ولكن لنتعاون جميعا فنقلع الشبكة فينجو بعضنا ببعض فقلعن الشبكة جميعهن بتعاونهن، وعلون فى الجو؛ ولم يقطع الصياد رجاءه منهن وظن أنهن لا يجاوزن إلا قريبًا ويقعن.
فقال الغراب: لأتبعهن وأنظر ما يكون منهن فالتفتت المطوقة فرأت الصياد يتبعهن.
فقالت للحمام: هذا الصياد مجد فى طلبكن فإن نحن أخذنا فى الفضاء لم يخف عليه أمرنا ولم يزل يتبعنا وإن نحن توجهنا إلى العمران خفى عليه أمرنا، وانصرف. وبمكان كذا جرذ هو لى أخ؛ فلو انتهينا إليه قطع عنا هذا الشرك ففعلن ذلك ويئس الصياد منهن وانصرف، وتبعهن الغراب. 
فلما انتهت الحمامة المطوقة إلى الجرذ، أمرت الحمام أن يسقطن، فوقعن؛ وكان للجرذ مائة جحر للمخاوف فنادته المطوقة باسمه، وكان اسمه «زيرك»، فأجابها الجرذ من جحره: من أنت؟ قالت: أنا خليلتك المطوقة. فأقبل إليها الجرذ يسعى، ثم إن الجرذ أخذ فى قرض العقد الذى فيه المطوقة، فقالت له المطوقة: ابدأ بقطع عقد سائر الحمام، وبعد ذلك أقبل على عقدي؛ وأعادت ذلك عليه مرارًا، وهو لا يلتفت إلى قولها، فلما أكثرت عليه القول وكررت، قال لها: لقد كررت القول على كأنك ليس لك فى نفسك حاجة، ولا لك عليها شفقة، ولا ترعين لها حقًا. قالت: إنى أخاف، إن أنت بدأت بقطع عقدى أن تمل وتكسل عن قطع ما بقي؛ وعرفت أنك إن بدأت بهن قبلي، وكنت أنا الأخيرة لن ترضى وإن أدركك الفتور أن أبقى فى الشرك. وتبين القصة أنه ليس من الخير والشر شيء إلا هو مقدر على من تصيبه المقادير، فقد لا يمتنع من القدر من هو أقوى منى وأعظم أمرًا؛ وقد تنكسف الشمس والقمر إذا قضى ذلك عليهما.