الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

عبدالحميد مدكور في حواره لـ"البوابة نيوز": ثورة 19 أمجاد صنعها الآباء.. شحنت الحماس الوطني.. دليل قاطع لوحدة أبناء الشعب.. والمجمع اللغوي أول من نظم احتفالاتها

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الذين يعرفونه عن قرب يدركون مدى قلقه الشديد من الحالة المتردية التي وصلت إليها الحضارة العربية والإسلامية في عصرنا الحديث، وتخوفه الشديد من ابتعاد الأجيال الصاعدة عن موروثها الثقافي والتاريخي العريق، انشغل خلال كتاباته ودراساته باتجاهات الفكر الإسلامي فناقش مقدماته وقضاياه، ودرس التصوف كصورة لمنهج متكامل عند أبي طالب المكي صاحب "قوت القلوب" و"مدارج السالكين"، وتعرض لكتابات الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي فكتب عن الولاية في فكره، وقدم للعديد من الأعمال الفكرية الرائعة والضخمة أبرزها الطبعة العربية لموسوعة "تاريخ الفكر في العالم الإسلامي" للمؤلف الإسباني كروث إيرنانديث، وليس هذا بمستغرب من أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، والأمين العام لمجمع اللغة العربية "مجمع الخالدين"، إنه الدكتور عبد الحميد مدكور.

على هامش احتفالية المجمع اللغوي، بمئوية ثورة 1919، حيث نظم ندوة تحت عنوان "ثورة 19 وصف وتقييم" تحدث فيها كل من: أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور أحمد زكريا الشلق، والمفكر المستشار طارق البشري، التقت "البوابة" الدكتور عبد الحميد مدكور ليتحدث عن الثورة وتاريخها ومميزاتها، ودور المجمع في الاحتفال بأحداث الحركة الوطنية المصرية، التي شكلت وغيرت التاريخ السياسي على مدى أعوام لاحقة من تاريخ اندلاعها.. وإلى نص الحوار:



• في البداية.. كيف تبدو ثورة 1919 في تصورك، وكيف تقيم نتائجها؟
- هذه ثورة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها، الأمجاد التي صنعها الآباء قديمًا لها دور كبير في حياتنا المعاصرة، نحن قبل الثورة كنا نعامل على أننا ولاية تابعة للخلافة العثمانية، لكننا خلال الثورة أثبتنا رغبتنا في الاستقلال التام والحقيقي عن كل من تركيا وبريطانيا، طالبنا فعلا بالحرية والدستور، أردنا أن نجعل مصر كغيرها من البلاد الكبرى
فالدستور مسألة شديدة الأهمية، يضع مصر في مكانها الصحيح واللائق، عملت عليه الثورة ووضعت أساسه، فهي تمثل تاريخا عزيزا من ناحية، وتمثل مطالب طموحه من ناحية أخرى، مثل المطالبة بالدستور والمطالبة بالاستقلال، وهذه عناصر مهمة جدا،يجب أن تظل حاضرة في ثقافة كل شاب مصري يتخرج من الثانوي والجامعة.
• هل ترى ثمة تقصير شديد في المناهج التعليمية تجاه تعزيز المعرفة بأحداث الثورة؟
- لا يُعقل أن يخرج تلميذ الثانوية وطالب الجامعة وعقله فارغ من أي قيم تتعلق بتاريخ هذه البلد، وهذا تقصير شديد في المناهج فعلا، ولا أقصد ثورة 19 فقط بل يجب أن يمتد الأمر ليشمل كل أمجادنا التاريخية العريقة، فكيف يُبنى مجتمع من غير أن يعرف أفراده هذا التاريخ المجيد التي مرت به الأمة المصرية وعبرت فيه عن نفسها وهذا وجه من وجوه أهميته.
في فرنسا شاهدت تجربة رائعة، كانت المدارس تلخص التاريخ بما فيه من الأحداث الكبرى لطلبة الصفوف الأولية، ثم يأخذ قدرا أكبر يسير بالتدريج مع الطلبة حتى الدراسة الجامعية، فلا يعقل أن يغيب عن ذاكرتنا مثل هذه الأحداث المهمة.
إنني أرى الذين يدرسون في المدارس الأجنبية يعرفون من تاريخ تلك البلاد التي يدرسون بلغاتها أكثر مما يعرفونه عن تاريخ لمصر.

• بخصوص المدارس الأجنبية.. كان لكم رأي في طريقة تعليمها وتأثيرها على البناء المجتمعي؟
- نعم، إن التعليم في المدارس الأجنبية يصنع فجوات في المجتمع المصري، ويخلق شقًا كبيرا بين أبنائه، حتى صرنا نميز الأغنياء باللغات والمدارس الأجنبية، والفقراء باللغة العربية والمدارس الحكومية، فتصبح العربية للفقراء، واللغات الأوربية لأولاد الاغنياء مما يصنع شرخا كبيرا، ويخرج عقولا لا تستطيع التعامل بجدية مع ثقافتها العربية والإسلامية.
• ما هي خصوصية ثورة 19 التي تميزها عن غيرها من الثورات التي شهدتها مصر في تاريخها الحديث؟
- أعتقد أن أهم ما تنفرد بها ثورة 19 أنها شعبية خالصة، قام بها الشعب في وجه الولاة والسلاطين وفي وجه المستعمر البريطاني، وقد عبر الشعب عن ذلك بحيوية كبيرة لا مثيل لها، وإحياء ذلك يفيد الناس، فهو بمثابة "شحن بطارية" من جديد لحماسهم الوطني.
قام الشعب بثورته نتيجة أحداث بسيطة متتابعة، بدأت مع منع وفد مصري من الذهاب لباريس لعرض مطالبه على مؤتمر دولي لحريات الشعوب، فأراد الشعب المصري أن يشارك في هذا المؤتمر ولكن بريطانيا التي تحتل مصر منعت الوفد من الخروج، وقتها أعلن الرئيس الأمريكي ويلسون عن وثيقة حق تقرير المصير، والناس في قلبوها شوق إلى الكرامة والحرية والاستقلال والعزة. 
نحن لسنا أقل من أي بلد آخر، نحن بلد التاريخ والمجد العريق، لا يناظرنا في هذا إلا بلاد قليلة جدا، من أول الفراعنة ونحن سادة العالم علمًا وحضارة، كنا في القرن التاسع عشر وصلنا إلى أواسط إفريقيا، وقعت الصومال وأجزاء من الحبشة والسودان تحت إدارتنا المصرية، فكيف لا تحرص الناس على الاستقلال. 

• ألا يجب أن نستدعي وقوف الشعب المصري يدا واحدة ضد المستعمر، لنقف الآن ضد الإرهاب والتطرف؟
- مصر في تاريخها الطويل لا تعرف الانقسام الطائفي أو الجهوي، ولم تتوزع قبائل، كان الإحساس بالوحدة الوطنية قائمًا وناضجًا، ونحن في مصر نجد في البناية الواحدة شقة لمسلم وأخرى لمسيحي ولا غضاضة في ذلك، وعندما يقع اختلاف يتدخل أيهم لحل تلك المشكلات ببساطة، ولا غرابة في مثل هذا الأمر، نحن لا نريد أن نستسلم لمن يريدون أن يحولونا إلى أعداء، ونقتسم فيما بيننا عن طريق خلق عداوات بين الناس، وتقسيم الأمة بين مسلم ومسيحي، يجب أن يكون الامر فيه إحياء للمعنى الأخوي، لأن كل المواطنين يسكنون في بيت واحد وهو الوطن.
أنا على المستوى الشخصي أعيش هذه الوحدة الوطنية الرائعة، أهل زوجتي يسكنون في بيت فيه شقة مسلم وشقة مسيحي وعندما يحدث خلاف كانت حماتي تحكم في تلك الخلافات وهي ست مسلمة، وكنت أرى الأخت المسيحية تجلس إليها وتحكي لها عن مشكلتها، وحضر راعي الكنيسة الذي يسكن قبالة أهل زوجتي عقد زواجي، فكل ذلك له معان تبني ولا تهدم، توحد ولا تفرق، وتجعل الناس يحسون هذه الأخوة الوطنية التي رسخت لها ثورة 19.
يعجبني دور الأزهر في إنشاء "بيت العائلة" الذي يحتوي تلك الخلافات، ويضم في أعضاءه مسلمون ومسيحيون مختلفون من رجال الكنيسة المصرية وكل الطوائف، وهو إحياء لمعنى الأخوة الوطنية.
• حدثني عن دور المجمع اللغوي في إبراز الأحداث الوطنية وقضايا الثقافة العربية؟
- نحن نفخر بأننا أول جهة في مصر تحتفل بثورة 19 حتى قبل حزب الوفد نفسه، نحن احتفلنا بمئوية ثورة 19، وسبقنا الدولة متمثلة في مجالسها الثقافية لأننا نعتز بتاريخنا، ونأمل أن يعرف الناس هذا التاريخ، ويحسوا بالفخر لأنهم أبناء هذه الأمة العظيمة، التي أنتجت فكرها بداية من العصر الفرعوني وصولا للعصر الإسلامي.
أنا أستاء من إغفال شبابنا لهذا التاريخ، وأثمن دور مجمع اللغة العربية في تبني قضايانا التاريخية العربية والإسلامية، أنت أمام شاب يحفظ نتائج المباريات التي وقعت في فرنسا وإنجلترا وإسبانيا بينما يعجز عن حفظ تاريخ بلاده، تصور هذا التاريخ الذي شغل مفكري الغرب يبقى بعيدا عن عقول وأفهام الأجيال الناشئة.

• بمناسبة التاريخ.. أنت ساهمت في إعداد وتقديم موسوعة "تاريخ الفكر في العالم الإسلامي" فكيف كانت تلك التجربة الثرية؟
- هذا كتاب مهم وعظيم، يعطينا فكرة عن العلماء الغربيين، وكيف يهتمون بتاريخنا، وكيف يصبرون على وقائعه التاريخية الكثيرة الممتدة لأكثر من ألف وأربعمئة عام؛ لأنهم بدءوا التاريخ مما قبل الاسلام حتى عصرنا الحديث.
الكتاب صدر عن المركز القومي للترجمة في ثلاثة مجلدات، اثنان كبيران والثالث في حجم مناسب ومتقارب، قدم من خلاله المؤلف "كروث إيرنانديث" بانوراما حول التاريخ القديم والوسيط والحديث للإسلام، حيث اهتم بالفكر والمدارس الفلسفية التي أوجدتها الحياة الإسلامية، كتبت مقدمة أثنيت فيه على صاحبه، لكني خالفته في بعض المسائل، واستدرجت عليه في بعض المسائل، فالمؤلف له جهد مشكور في كتابة هذا التاريخ المتعدد الجوانب، الطويل المدى. 
خالفته في بعض المسائل كأن يقول ليس لفلان إلا هذا الكتاب، فأرد بأن لفلان مؤلفات نشرت في الشرق، ولم يطلع عليها المؤلف، ويقول هذا النص يفسر بهذه الطريقة، نرد بأنه يفسر بعدة طرق، لأنه قال في مكان آخر كلاما جديدا مُكملا يعطي تفسيرات مخالفة، وكان تاريخه الحديث صغيرا وأقل مما هو موجود على الساحة الثقافية الإسلامية، وقد كتبت مقدمتين واحدة للجزء الاول، والثانية للجزء الثاني، قرابة الـ40 صفحة تعليقًا على الكتاب، وتقديرا للمؤلف، واشتباكًا معه في الخلاف على بعض المسائل.