الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"جيران الأموات".. عم محمد: "بكرم الميت عشان ربنا يكرمني"

القبور
القبور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الموت نهاية كل حي، وسر من أكبر أسرار الحياة، فعلى الرغم من كثرة البحث والتحري داخل هذا العالم، لكن يبقى الغموض والريبة أبرز ما تم التوصل إليه، فبين شواهد القبور الشاحبة والغبار الذي يغطي طرقاتها، وبين رميم الأجساد وما تبقى من الأكفان حكايات وأسرار تبقى في علم الغيب.
«البوابة» ترصد حياة ثلاثة أشخاص فروا من ظلم الأحياء إلى صحبة الأموات، يحمل كل منهم لديه حكاية خاصة.
يجاور منزلها المكون من حجرة واحدة بمنتصف مقابر «عرب راشد» ضريح سيدي محمد الواحي، تربط مفتاح الضريح بحبل حول عنقها جالسة أمام منزلها، منتظرة زواره من السيدات لتفتح لهن الباب ويجلسن لتلاوة آيات من القرآن الكريم، تقول أم محمد معبرة عن مدى سعادتها لمجاورة الموتى: «وجودهم بجانبي بيطمني من بعد موت زوجي، هو من أتى بي إلى هنا منذ يوم زفافنا وحتى بعد موته هم من يحمونني من بعده»، لم تكن أم محمد زاهدة، بل حرصت على تعليم بناتها حتى حصلهن على شهادة الدبلوم، وتقول: «علمتهن وزوجت الثلاثة، ومع ذلك تقدمن لزيارتى مع أولادهن كل أسبوع، فقمت بتربية أحفادى أيضا على ألا يخشون من المقابر ويلعبون أمامها».
وحول الإيمان بالأضرحة ومسئوليتها نحو ضريح «الواحي» فتقول: «مؤمنة بأولياء ربنا وأحبهم ومن يحبهم يحبونه، بالإضافة إلى بركاتهم التي تحل علىّ؛ فقررت الحكومة أن تهدم الضريح ومنزلي المجاور له، وبالفعل قاموا بهدم معظم المكان، وعندما بدأوا بهدم بيتي لم يتمكنوا، وألقى العمال عدتهم وفروا هاربين». 
ويقول عم «محمد» الذي يعمل «تُربى» بمقابر عرب راشد: «كنت أعمل فَران، وكنت لا أجيد التعامل مع الناس، لم يكن أمامي سوى مغادرة العمل، ولم أجد خيارا سوى العمل كتربي أو المكوث في المنزل كالحريم، فقمن بناتي بتشجيعي، وبالفعل عملت بها لثلاثين عاما، ولم أخش من المهنة قط، وإلى الآن أرفض الحصول على أي مقابل من الأسر معدومة الحال، ربما لأني مثلهم وأعلم جيدا بحالهم».
«نجار المقابر»: «الميتين مساكين مبيغلطوش في حد».
ويقول مصطفى: «أنا من نسل سيدي «علي عبدالواحد»، وأقدم إلى هنا يوميا لأجلس برفقته، وطلب مني رجل مساعدته في إعداد باب خشبي لمقبرة، وبالفعل ساعدته، ومن يومها وأنا أعمل كنجار لأبواب المقابر؛ فأجلس كل يوم أمام الضريح وأنتظر أي طلب، فالهدوء يسود المكان، كما أن الموتى مهذبون، لا يسبون ولا يرون أحدا، والمكوث بصحبتهم رحمة». 
وأضاف: «أنا أحبهم وأؤمن أنهم مصطفون، ولهم كرامات مثل التي يملكها عمي رحمه الله، كان يشفي العاقر حتى تنجب، ويساعد في شفاء المرضى بالأحجبة دون مقابل، وبقيت كرَاماته حتى بعد وفاته، فكنا قد قررنا دفنه في عزبة الإصلاح الزراعي، ولكن نعشه كان لديه رأى آخر، وأخذ يجرى حتى توقف أمام مكان جلوسه وقراءته للقرآن، وبالفعل بنينا ضريحه بنفس المكان، ويأتيه الناس من كل مكان إلى الآن».