الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجزائر.. إلى أين؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ فترة ليست بالقصيرة كنت أتحدث مع صديق لى ينتمى لإحدى دول المغرب الغربى معربًا له عن مخاوفى تجاه وضع الجزائر الشقيق، وكيف أن الشواهد كلها تميل إلى محاولة جره إلى دائرة الفوضى التى طالت العديد من الدول العربية فى السنوات التسع الأخيرة، وكيف لا وهو البلد الكبير فى المساحة والتعداد السكانى والقوة العسكرية، والأهم من هذا كله موارده البترولية وهى بالطبع كلها مسببات تجعله فى بؤرة اهتمام أنصار الفوضى والطامعين فى موارد دول الشرق الأوسط، إلا أنه يومها طمأننى مؤكدا لى أن السلطة الحاكمة فى الجزائر أقوى من أن تسقط فى دائرة الفوضى لأسباب متعددة ليس هناك مجال لسردها الآن. وللأسف لم تمر أسابيع على هذا الحوار إلا وبدأت الأمور تشتعل فى الجزائر الشقيق واستطاع محترفو الفوضى استغلال أول حدث مهم فى تلك الفترة لإشعال الأمور، ألا وهى الانتخابات الرئاسية.
فقد أجج ترشح الرئيس المنتهية ولايته، عبدالعزيز بوتفليقة، لولاية خامسة، غضبًا فى الشارع الجزائرى بالنظر إلى تردى وضعه الصحي، وسط تساؤلات بشأن ما إذا كان المحتجون سيقبلون بالأمر الواقع؟ أم أنهم سيواصلون التظاهر إلى حين الاستجابة لمطالبهم السياسية؟
وبحسب ما جاء فى صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، فإن الجيش الجزائرى سيجد صعوبة فى التدخل مجددًا فى الحياة السياسية، حتى يكبح جماح الشباب، الذين يرفضون ترشح بوتفليقة (٨٢ عاما)، وينادون بإجراء انتخابات شفافة تفضى إلى تغيير حقيقي. ويذكر أن الجيش الجزائرى لعب دورًا مهمًا فى الحياة السياسية عام ١٩٩١، بعد إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية، التى فاز بها عناصر جبهة الإنقاذ ودخول البلاد فى أزمة دامية أودت بحياة ٢٠٠ ألف شخص.
لكن خطر الإسلاميين فى البلاد لم يُعد قائمًا حيث إن السلطات الجزائرية نجحت فى احتوائهم بعد تجربة مريرة توصف فى الجزائر بالعشرية السوداء.
وشكلت «العشرية السوداء ١٩٩١-٢٠٠٢» هاجسًا فى الجزائر بعد الاحتجاجات التى اجتاحت الدول العربية بعد ديسمبر ٢٠١٠، إذ أبدى كثيرون فى البلاد خشيتهم من أن يؤدى الخروج لأجل مطالب سياسية إلى العودة مجددًا لدوامة الفوضى، لاسيما أن التجارب التى تمكنت من إسقاط أنظمة مثل ليبيا لم تنجح فى إقامة ديمقراطيات ملهمة. إضافة إلى أن الشباب الذين خرجوا هذه الأيام إلى الشارع حتى يطالبوا بعدم ترشيح بوتفليقة لا يكترثون كثيرا بالعشرية السوداء لأنهم ينتمون إلى جيل جديد لا يتذكر المآسي، التى دخلت فيها البلاد بعد أول انتخابات تعددية.
وجدير بالذكر أن نصف سكان الجزائر فى الوقت الحالى تقل أعمارهم عن ٢٨ عامًا، وهو ما يعنى أن ٥٠ بالمئة من الجزائريين لا يعرفون من رؤساء البلاد سوى بوتفليقة، الذى يحكم البلاد منذ ١٩٩٩. وعلى الرغم من عدم تركيز المحتجين على إسقاط النظام فى الجزائر، إذ طالبوا أساسا بعدم ترشح بوتفليقة، لكنهم أوضحوا أيضا أنهم لا يريدون أن يحل «رئيس دمية» مكان بوتفليقة، وفق ما نقلت الصحيفة بعدما رجح متابعون أن يجرى اختيار وجوه معروفة لخلافة بوتفليقة مثل أحمد أو يحيى أو أخيه سعيد بوتفليقة ورجل الأعمال على حداد.
ويعول الكثير من الجزائريين على المؤسسة العسكرية الجزائرية التى أصبح أمامها اختيارات تاريخية صعبة الآن: إما أن تحمى الشرعية القائمة أو تتدخل لصالح تعديل المسار بالانحياز إلى الجماهير أو تقف موقف الحياد؟
ويمر الجيش الجزائرى بأدق وأخطر اختبار وجودى له منذ حرب التحرير الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسى.
هذا الاختبار له علاقة مباشرة بأزمة الحكم فى البلاد الآن التى تتمحور حول السؤال الكبير الخاص بشخص الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، وهو الرئيس التاسع للجزائر الذى يحكم منذ عام ١٩٩٩.
السؤال هو: يترشح مرة أخرى أم يعتذر؟ يبقى رمز النظام القديم الذى يحمل شرعية جبهة التحرير الجزائرية المدعومة بالمؤسسة العسكرية أم تبدأ البلاد فصلًا جديدًا يكون فيه الحكم بتجربة الاختيار من قِبل قوى مدنية؟
تأسس الجيش الجزائرى عام ١٩٥٤، أى منذ ٦٥ عامًا، تحت اسم: الجيش الوطنى الشعبى الجزائرى، ويبلغ تعداده ٥٢٠ ألف جندى وضابط، وهو الثانى عربيًا من ناحية العدد، وتبلغ موازنته السنوية ١٣ مليار دولار أمريكى، ما يمثل ٤٪ من الناتج القومى للبلاد.
ويضم هذا الجيش داخل صفوفه عدة قوى مؤثرة وأساسية لها تأثير مباشر فى المعادلة السياسية، مثل: «دائرة الاستعلام والأمن»، والقوات الخاصة «قوات التدخل الخاصة»، والحرس الجمهورى، وكل القوات تحت الإشراف المباشر لهيئة الأركان العامة، برئاسة أحمد قايد صالح، قائد الأركان نائب وزير الدفاع.
وبرز دور المؤسسة العسكرية داخليًا أثناء الحرب الدموية بين الدولة والإرهاب التكفيرى لسنوات طويلة، وكان للجيش فيها الكلمة الفاصلة، والمعركة السياسية الحالية فيها وجهتا نظر، الأولى تقول: الجيش يلتزم بالشرعية، والأخرى تطالبه بالحياد التام فى هذه المعركة.
والجدل السياسى الدائر الآن فى الجزائر يتمركز حول «ترشح أو عدم ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة» بطرح السؤال الكبير: هل يستمر الجيش فى دعم مرشحه المفضل بوتفليقة رغم دقة وصعوبة حالته الصحية وانعكاس ذلك على الشارع الجزائرى أم طرح مرشح جديد موالٍ من نفس «النهج السياسى» لـ«بوتفليقة» والجيش؟ وأنصار الرئيس يقولون: دعوا الصندوق الانتخابى يقول كلمته ولا تصادروا على المستقبل. ويأتى السؤال الأصعب: هل يتحمل الجيش الوقوف فعليًا وسياسيًا على الحياد فى معركة انتخابات يمكن أن تؤدى إلى ظهور رئيس ونظام خارج «دائرة القبول السياسى» للمؤسسة العسكرية؟
هناك مادة دستورية فضفاضة تعطى للجيش نوعًا من التدخل المباشر فى الواقع السياسى للبلاد، وهى المادة رقم ٢٨ من الدستور الجزائرى، التى تقول: تتمثل المهمة الدائمة للجيش الوطنى الشعبى فى المحافظة على الاستقلال الوطنى والدفاع عن السيادة الوطنية، كما يضطلع بالدفاع عن وحدة البلاد وسلامة ترابها.
الجيش مع الرئيس أم مع الشارع أم مع رئيس جديد يقبله الجيش والشارع معًا؟
هذا ما ستسفر عنه الأيام المقبلة.