الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثورة حكام قبل المحكومين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سيظل 25 يناير بالنسبة لى عيدا للشرطة فقط، فقد قضيت عمرى أحتفل به كل عام، حيث كان أبى- رحمه الله- ضابط شرطة، وكانت أمى تحرص على الاحتفال وتقديم الهدايا له كل عام.. وكانت تحكى لنا منذ طفولتنا عن بسالة ضباط الشرطة أمام الاحتلال الإنجليزى فى ذلك اليوم عام 1952، وكيف رفضوا تسليم أسلحتهم وإخلاء مواقعهم فى الإسماعيلية، وتصدوا بكل قوة لقوات الاحتلال وقاوموهم، حتى سقط منهم 50 شهيدا وأصيب 18 بطلا، فتم اختيار هذا اليوم ليذكرنا دائما بتضحيات الشرطة على مر الزمن.. ولذلك حاول المخططون لهدم الدولة محو هذا التاريخ البطولى، وتحويله إلى نكسة للشرطة المصرية.. فاختاروا هذا اليوم عام 2011 لاستهداف الشرطة ورجالها، واقتحام الأقسام وحرقها، وإلقاء الضباط والجنود من فوق الأسطح، والتمثيل بجثثهم، أو بهم أحياء!!.. ليتحول من يوم عزة وكرامة إلى يوم ذل ومهانة، من يوم يقف فيه المصريون على قلب رجل واحد أمام الاستعمار، إلى يوم يقتل فيه الأخ أخاه من أجل أجندات الاستعمار!!.. وللأسف حتى الآن نجد من يترحمون على ذكرى ما يطلقون عليها ثورة يناير!!.. بالطبع هناك من صدقوا الوهم وآمنوا بالأهداف النبيلة المعلنة (عيش وحرية وعدالة اجتماعية)!!.. ولكن لا أعلم كيف لم توقظهم الدماء التى سالت والأرواح التى أزهقت حتى الآن؟!.. ورغم أننى أحترم كل وجهات النظر، وأعلم أن كل منا يحكم على الأشياء من منظوره، ومن واقع خبراته وتجاربه وما لديه من معلومات.. إلا أننى أرفض تسمية هذا اليوم بالثورة، بل ويستفزنى هذا الوصف، وخاصة ممن أضيروا فى ذلك اليوم!!.. ولكن كفانا اختلافا وانقساما، فنحن نحتاج أن نكون يدا واحدة حتى نستطيع البناء.. ورغم أننى أصبحت أتحسس من كلمة ثورة فى كل زمان ومكان، إلا أننى تمنيت أن نثور جميعا، بعد أن قرأت كلمات العالم والمفكر المبدع الأستاذ الدكتور أسامة شوقى- أستاذ النساء والتوليد فى جامعة القاهرة وأحد أهم علماء المناظير- والذى تحدث بكلمات بسيطة وعميقة عن توصيفه وفهمه لكلمة ثورة، فقال: «بعض الأصدقاء يعُيب على لعدم خوضى فى أحاديث السياسة.. والبعض الآخر يعجبه ويقرظ تجاهلى وابتعادى عنها.. اليوم وتحديدا فى ذكرى أحداث مؤثرة وحاسمة فى تاريخ أمتنا، قررت أن أدلو بدلوى وأعبر عما بداخلى فى هذا الشأن.. تتحدثون ويتحدثون لغوا كثيرا عن... الثورة.. ثورة هو اسم مشتق من الفعل ثار..يثور.. ثائر.. ولست أدرى إذا كان اسم الثور أيضا يعكس المعنى بعنف ثار ثورة؟!.. الثورة بلا شك هى عمل جماعى يدفعه إحساس متوحد لمجموعة من البشر تعانى من حال أو أحوال لا ترضى عنها.. فيندفعون فى فعل جماعى منظم.. توحد الإحساس وغليان المشاعر يتحرك تدريجيا ويفور مثل إناء اللبن على النار.. يسخن تدريجيا ويعلو.. عندما يصل لقوه الفوران وينسكب، تنطفئ النار ويخمد الفوران.. راجعوا تاريخ معظم الثورات ستلاحظون هذه الظاهرة كما أحكيها.. أرجوكم إسمعوني..أرجوكم افهموني.. الثورة الحقيقية ليست فى الشوارع والأزقة والطرقات.. الثورة الحقيقية هى فى المعاهد العلمية فى المدارس.. نعم المدارس والجامعات..الثورة الحقيقية ليست فقط فى الميادين والطرقات.. الثورة الحقيقية فى دور العلم والثقافة والمكتبات.. ثورة ضد التراجع والتخلف الفكرى والإنساني.. ثورة عارمة وعنيفة ضد الكسل والخنوع والفكر البالى الهادم...ثورة فى أساليب الفكر والتخطيط والمستقبل.. ثورة حارقه لتدنى الأخلاق والتصرفات المعيبة.. ثورة على اللامبالاة والإهمال والاستسهال..الثورة التى يقودها فكر هى التى ستنهض بالمجتمع وتُحدث التغيير حتما.. أما ثورات الشوارع فنهايتها أيضا فى الشوارع.. ثورة الناجحين المفكرين العقلاء ستشعل نورا وضياءً..أما ثورة العنف الخالية من الفكر ستشعل نارا ودمارا.. الثورة الفرنسية كانت تقودها قوتان.. القوة الدافعة للجموع وهى عقول مفكرين وأدباء وكتاب وقوة أخرى ممثلة فى شعب محبط جائع يعانى الظلم.. كلا القوتين شكلتا توازنا للوصول لهدف إصلاح المجتمع.. دعونى أشرح لكم ثورات أخرى إيجابية وصالحة وناجحة.. ثورة ماليزيا ضد التخلف والفقر.. ثورة سنغافورة للتقدم والتطور.. الثورة الصناعية فى الغرب.. كل هذه أيضا ثورات.. الثائر الإيجابى فكرا وعملا أفضل وأقوى من الثائر العنيف.. هيا يا مصر.. هيا يا مصريون.. ثوروا على الكسل والوهن.. ثوروا على الجهل والتخلف.. ثوروا على ضحل الفكر والوهم وقيود التردى العقلى والفكري..ثوروا على سيئ الأخلاق ودميم الطباع.. كلامى هذا لا يعنى أبدا السكوت عن حق ضائع أو الصمت أمام حكم جائر.. لا يعنى استسلاما لنظام حكم غير عادل وظالم.. فلنضرب مثلا للعالم بثورتنا الفكرية الإنسانية.. لتعود مصر كما كانت دوما.. سنحتاج وقتا طويلا وعسيرا بلا شك.. لكن يجب أن نبدأ.. أعلم يقينا أن كلماتى لن تعجب الكثير ولن تأتى على هوى العديد..سيجدون آلاف الردود والتبريرات لنقض وتفنيد كلماتى وتمجيد الهتاف وحشد زحام الطرقات.. سيعبر الكثير عن عدم جدوى كلامي.. البعض سيهتف تمجيدا لحكم عسكرى وآخرون سيرفعون الأصوات لحكم مدنى وربما آخرون للحكم الملكي.. كل سيتكلم على هواه وما يبغيه.. لو سألتمونى أيهم أفضل؟.. أرد قائلا.. إنجلترا حكم ملكى ناجح جدا.. السويد وفنلندا حكم مدنى رائع.. كوبا حكم عسكرى حقق تقدما غير مسبوق لبلده.. يا سادة، إنه ليس نظام الحكم فقط ولكن الأشخاص الحاكمين والأشخاص المحكومين.. وسيبقى درس الزمن خالدا وشاهدا على أنه لن يُصلح الله ما بقوم حتى يُصلحوا ما بأنفسهم.. أنفسهم هم».