الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الصيادلة.. ولدغة الثعبان!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ماذا جرى لمهنة الصيادلة. ماذا جرى لهذه الفئة التى ترسخ فى عقيدة المجتمع أن الصيدلى هو النجدة الإنسانية لكل إنسان وأن لهم المقدرة المهارية فى سرعة التلبية ربما يكونوا أسرع من الإسعاف أو أقرب من طبيبك الخاص فهو مركز الخدمة المتقدم على مدى 24 ساعة ويبذل كل عناية بدقة وابتسامة ويشع فى النفس الإيمان وتبديد الظنون ويبعث فى نفسه الأمل فى أن ينتفض ويتحرك ويمشى على قدمه، وهو طبيب الفقراء والأثرياء وإمام الحاجة الملحة فى أى وقت وأمام توحش المرض فى الأوقات الحرجة ولا يجد الإنسان سوى الصيدلي.
ولا يوجد فى أى بيت متواضع الإمكانيات إلا ركن اسمه الصيدلية، ولا توجد أسرة إلا والصيدلى مهمًا فى أعضائها صديقًا أو مستشارًا ولا يوجد شارع أو طبقة فى المجتمع إلا تقدر بكل العرفان ما قدمه أجيال الرواد من الصيادلة من تقديم الدواء مجانًا للفقراء بل إنهم تنازلوا عن حقوق الملكية فى المستحضرات الطبية فى الأمراض المعدية، وتميز أداؤهم فى تفاعلهم مع الناس بالتعامل الناعم الرقيق دون تفرقة بين أى إنسان طالما لجأ إلى الصيدلية فهى تمثل غرفة العناية المركزة فى الحالات المبكرة.
قامت صناعة الأدوية فى مصر على أيدى نخبة من العلماء وسجلوا أدوية بأسمائهم وكانت المنافسة فى تخفيض الأسعار لكى يكون العلاج أرخص من رغيف الخبز، وهذه المدرسة التى ما زالت تخرج أجيالا من المهنه استطاعت أن تحتل مكانتها المهنية واستقرت فى ضمير المجتمع، فالصيادلة ربما تكون لها أهمية الأولى من المطاعم لأنه لا توجد أغلى من الصحة.
هذه المدرسة التى أصبحت تتوج بشعاراتها الناس فهم يمثلون الوجه الآخر لملائكة الرحمة فهم أيضًا ملائكة الخير ولا يوجد صيدلى إلا وساهم فى تقديم العطاء للمجتمع الذى ينتفع بجهده فالصيدلى فى موقعه هو موضع الرجاء بل يصل إلى درجة المعجزة، ولسنا فى حل أن أذكر أسماء عديدة لأنه فى كل لحظة تتجدد مراحل العطاء.
ونقابة الصيادلة التى كانت تتسم بالعلاقات الناعمة ومن بينهم من كانوا روادًا للخير مثل ثروت حجر صاحب العلامات فى تاريخ العمل الاجتماعى فى مصر وتسلم المسئولية الدكتور حسن عباس، ومن رموز المهنة زميل العمر الدكتور سمير فهمى رئيس جمعية الشبان المسيحية بالأسكندرية والنقابى المتمرس محمود كالاوى والدكتور عبده سلام وزير الصحة الأسبق الذى وضع البنية الأساسية للنهضة الدوائية قبل أن يصبح وزيرًا ثم رئيسًا لهيئة التأمين الصحى فهذه الرموز رائدة التعامل فلا توجد مرجعية للصيدلى فيما يقدم إلا ضميره ووجدانه، وتشهد صحف «أخبار اليوم» عددًا من التحقيقات حول المشاكل التى تواجه المهنة وشرفت بلقاء حضره القيادات المهنية ونشرتها وكل كلمة فيها تنطق بالاتين الذى كان يعانى منها أبناء هذه المهنة ولا أريد أن أكرر ما نشر فهو أمر موثق فى سجلات النقابة ولولا الوقفة الشجاعة لأهل القلم ومهنة الرأى لما حدثت (حلحلة) للموقف الذى تجمد فى المهنة وصلت إلى درجة الإضراب وتطورت مقدمات المهنة وحدثت انفراجة، وقد قرأت تقريرًا صادرًا عن الجهاز المركزى للمحاسبات فى التسعينيات ذكر أن أرباح شركات الأدوية (أرباحًا ربوية) أى تفوق المعدل المعروف فى تقييم فائض القيمة، وصاحب سياسة الخصخصة انسياب توالد الشركات الخاصة ونحن نشجع هذا وضحت تسهيلات ضخمة فتحت لهم أبوابًا متعددة للنظام والإستثمار والحصول على حق التصنيع والملكية الفكرية ووجهوا فائض الأرباح لمشروعات أخرى منها تأسيس مدارس خاصة ووصل لتأسيس شركات، فإن موضوع التوكيلات العالمية وفروعها وفتح أمر الاستيراد على مصراعيه ومنح الأدوية الأولوية فى تدبير احتياجاتها من المستلزمات السلعية سواء استيراد أو تمويل وتهيئة المناخ الآمن لحركة الشركات ولا نريد الحديث عن نظام السلاسل فى التوزيع وإسناد هذه العملية لغير الصيادلة أو أفراد من الباطن.
اعتمدت الدولة برنامجها القومى سواء جهدها بسد الفجوة بين التصدير والاستيراد وتعاطفت رغم تأكيدات الدراسات الاقتصادية المتجردة مع مطالب المهنة فى تحريك هامش الربح وأصبحت المهنة الآن تتحرك بمفهوم وهو الاسترشاد بذريعة الأسعار الدولارية وهو أمر مبالغ فيه وأصبحت القيم الاحتكارية تسود المجتمع الاقتصادى بعد استبعاد العامل المهم، وهو النظرة الاجتماعية باعتبار أنها ليست مجرد مهنة لكنها رسالة.
وتحولت سلعة الدواء بفضل هذا الحصار على صاحب الحاجة المسكين إلى سلعة حاكمة بكل المعايير وأصبح المواطن يتعامل من موقع الإذعان ويطبق عليه ما يصفه الفقهاء بأنهم يقرضون عليه شروط الأسد، وأمام تراكم الثروة انتقل حُماة الإنسانية إلى أعدائها وانسحبت روح الخير بين بعض الصيادلة أنفسهم وتحولت النقابة من التجمع الهادئ إلى الفك المفترس لكى يلتهم المجتمع بلا رحمة، وأول مهنه أرادوا الانتقام منها دون مراعاة لأبسط القواعد المهنية وهى الصحافة، وأين فى بيت الصيادلة وأثناء تأديتهم لعملهم وداخل حرم النقابة وتحت إشراف نقيبهم الذى ادعى المرض.
هل أعلن نقيب الصيادلة بهذا التصرف أنه انتزع بطولة على أصحاب القلم، هل ارتد نقيب الصيادلة عن القسم المهنى وتصور أنه (أبوقراط) سوى اعترافه بمن يحنث بالقسم ممن يتخلى عن قيم القسم ومفردات التزامه.
نعم نحن نعلم أن نقابة الصيادلة هى نقابة حديثة العهد بالعمل النقابى إذا تم قياسها بنقابة الصحفيين الرائدة فى العمل النقابى، ولابد أن يعلم الجميع أن الصحفى لم يكون (ملطشة).
وإذا كان شعار نقابة الصيادلة هو الثعبان أو حية تسعى فهل أصبح شعارهم الجديد لدغة الثعبان تبث السموم فى كل مكان وزمان؟
أما الكأس المرسوم فى شعار النقابة فهو يرمز إلى كأس المرار الذى يتجرعه كل إنسان.