رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

المشهد الشعري لعام 2018.. قصيدة النثر لا تزال تتصدر المعركة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما بين ومضات وأسئلة لم يغب ألق الشعر عن المشهد الثقافي العالمي في عام 2018.. وإذ اعتبر دان شياسون في مجلة "ذي نيويوركر" ان للشعر الأمريكي ان يشعر بالامتنان حيال عام 2018 الذي يستعد للرحيل فها هي الصحافة الثقافية الغربية تحتفي في نهاية هذا العام بكتاب جديد صدر بعنوان:"قصيدة النثر"، ويحوي مختارات شعرية تنتمي لما يعرف "بقصيدة النثر" فيما عمد محرر الكتاب جيرمي نويل-تود لاختيار قصائد من أماكن متعددة حول العالم كما عمد لاختيار أسماء شعراء ينتمون لأجيال متعددة ويجمعون ما بين أسماء راسخة في قصيدة النثر التي تكتب بالانجليزية وشعراء جدد.


ولئن شهدت الثقافة العربية معارك مشهودة حول ما يسمى "بقصيدة النثر" فواقع الحال كما يوميء هذا الكتاب الجديد الذي يحوي بين دفتيه 200 قصيدة من قصائد النثر، فان الثقافة الغربية بدورها لم تخل من نظرات شك عميق في "احقية انتساب قصيدة النثر للابداع الشعري الغربي" وهو مايعيد للأذهان موقف احد ابرز الآباء الثقافيين في مصر والعالم العربي آلا وهو المفكر العملاق عباس محمود العقاد الذي رأى منذ سنوات بعيدة ان هذا النوع من الكتابة لامكان له في الشعر معتبرا ان النثر أولى به.
واللافت حقا في نهاية عام 2018 ان يستمر الجدل في الثقافة الغربية حول "قصيدة النثر" مع ان بعض من كتبوها هم من اصحاب الأسماء الكبيرة في عالم الأدب مثل الكاتب المسرحي والروائي والشاعر الايرلندي اوسكار وايلد الذي قضى عام 1900 والكاتب الروائي الروسي ايفان تورجنيف الذي قضى عام 1883 والشاعر الايرلندي شيموس هيني الحاصل على جائزة نوبل في الآداب والذي قضى عام 2013 والشاعر الإنجليزي جيوفري هيل الذي قضى عام 2016 والكاتب والشاعر البولندي تشيسلاف ميلوش الذي قضى عام 2004.

والشاعر المصري عبد المنعم رمضان الذي صدر له هذا العام ديوان جديد بعنوان "الهائم في البرية" بعد ست سنوات على صدور اخر دواوينه ذهب الى ان "الخصومة حول اشكال الشعر غرضها نفي الآخر".
وفيما يعتبر عبد المنعم رمضان وهو أحد من يكتبون "قصيدة النثر" ان "القوالب في ذاتها لاتصنع الشعر سواء كانت قصيدة النثر او قصيدة الوزن"، فقد رأى في مقابلة صحفية مع استمرار الجدل حول "قصيدة النثر في الشعرية العربية" ان "الشعر في مكان ما أكثر سرية من تلك التي نتخاصم حولها عبثا".
وسواء على مستوى قصيدة النثر أو غيرها فان الشعر العربي المعاصر بحاجة لنقاد وكتاب ينهضون بمهام اثراء الثقافة العربية بكتب جديدة في الشعر مثلما فعل جيرمي نويل-تود وهو محاضر بمدرسة الأدب والدراما والكتابة الإبداعية في جامعة "ايست انجليا" البريطانية.
وجاء كتابه الجديد ضمن "سلسلة بنجوين لقصائد النثر" ليشكل إضافة ثقافية مهمة بشأن "موقع قصيدة النثر التي مازالت تثير الجدل في الأدب الغربي" ويتضمن إشارات وكشوفات مثل اسهامات المبدع الأمريكي ادجار الان بو الذي قضى عام 1849 في قصيدة النثر.

وفيما يتحدث شعراء مثل الشاعر السوري علي احمد سعيد الشهير "بأدونيس" عن "بؤس الجانب النقدي المواكب للشعر العربي" كان الكاتب والروائي الكبير المصري يحي حقي الذي حلت امس "الأحد" الذكرى ال26 لرحيله عن الحياة الدنيا يقول:"انني ابحث في كل نثر عن لمسة من الشعر" لافتا الى انه "فتش عن هذه اللمسات الشعرية عند نجيب محفوظ" الذي تحل غدا "الثلاثاء" الذكرى ال 107 لمولده فيما أوضح انه وجد أروع مثال لها في "ثلاثية" النوبلي المصري عندما يناجي كمال عبد الجواد نفسه ليصف تلك الومضات "بالشعر الجميل المنثور".
وان كان جيرمي نويل-تود يصف قصيدة النثر المنسوبة أصلا للمبدع الفرنسي الكبير شارل بودلير ومواطنه رامبو بأنها "قصيدة بلا حدود" فلعل ذلك الوصف ينسحب على أي ابداع شعري جدير بالانتساب لعالم القصيد الحق.
وكان من اللافت خلو الكتاب الجديد لجيرمي نويل-تود من أي أسماء عربية في فضاء قصيدة النثر ربما باستثناء إشارات يعتد بها لأمجد ناصر وهو شاعر وكاتب اردني يقيم في لندن الأمر الذي قد يشير ضمنا لأشكاليات تتعلق بترجمة هذه القصائد من العربية للانجليزية وبالتالي غيابها عن مثل هذا الكتاب الذي يفترض انه يقدم نماذج لقصيدة النثر في شتى انحاء العالم.
ومقابل هذا الغياب الواضح لأسماء مصرية وعربية على وجه العموم عن كتاب "قصيدة النثر" الصادر بالانجليزية تبدى الاهتمام الأوروبي بتيار مميز للشعر المصري وهو التيار السريالي في الاقبال الواضح على معرض "السريالية في مصر: الفن والحرية" الذي ضم نحو 130 قطعة فنية وارشيفية ليقدم للجمهور عبر محطاته المتتابعة في خمس دول أوروبية حقبة مهمة في التاريخ الثقافي والاجتماعي المصري بقدر مايعبر عن "الطابع الكوني او الكوزموبوليتاني للثقافة المصرية". 
وهذا المعرض الذي عرض ابداعات لشعراء السريالية المصرية اختتم جولته الخامسة والأخيرة في الثاني عشر من شهر أغسطس الماضي بستكهولم مر قبل ذلك "بمركز بومبيدو" في باريس ثم انتقل لمتحف مدريد الوطني للفنون على مقربة من اللوحة الأشهر لبابلو بيكاسو "الجورنيكا" بينما كانت مدينة دوسلدورف الألمانية محطته الثالثة ولندن محطته الرابعة.
والسريالية توصف من جانب بعض المثقفين والدارسين بأنها "مذهب فكري وفلسفي وفني شكل مرحلة ثقافية مفصلية كانت لها تجليات عديدة من بينها تغيير حركة الفن عالميا" فيما يعتبرها البعض الآخر بمثابة "تيار ثقافي يواجه متاعب الحياة بالسخرية" ولايغفل فريق اخر "الطابع المتمرد لهذا التيار ورفضه الانصياع لسطوة التقاليد والتيارات الثقافية والاتجاهات الفنية السابقة" غير ان هناك اجماعا على اصالة اهتمام السريالية "بالمشاعر والأحلام والعودة لمنابع الذات الانسانية".
وثمة اتفاق عام على ان الجماعة السريالية المصرية هي اهم جماعة بين كل الجماعات السريالية خارج الغرب كونها الأوفر نشاطا والأكثر اسهاما وحضورا في ابداعات الحركة السريالية العالمية ولم تكن "مستوردة للأفكار والأخيلة والابداعات".
ومن هنا يحظى السرياليون المصريون بأهمية كبيرة لدى اي مؤرخ للحركة السريالية العالمية التي ضمت أسماء مثل الشعراء الفرنسيين اندريه بريتون ولويس اراجون وبول ايلوار والفنان الأمريكي مان راي نظرا لقوة حضورهم الثقافي الابداعي في هذه الحركة.

وفي طليعة شعراء السريالية المصرية المبدع المصري جورج حنين الذي قضى عام 1973 ووصف بأنه أهم "منظر للسريالية في مصر" فيما كان يكتب الشعر بالفرنسية واسس "جماعة الفن والحرية" كما اصدر البيان المؤسس للسريالية المصرية وهو بيان ناهض بقوة افكار وتصورات الزعيم النازي الألماني ادولف هتلر التي افضت بعد نحو عام لاندلاع الحرب العالمية الثانية بقدر مايظهر عداء السرياليين المصريين للتطرف.
وفيما رأى دان شياسون في مجلة "ذي نيويوركر" أن شجرة الشعر الأمريكي أينعت وأزهرت بالكثير من الابداعات خلال عام 2018 لم يكن لهذا العام ان يحمل عصاه على كاهله ويرحل قبل نبأ سعيد في عالم الشعر وهو فوز شاعرة الأورجواي الكبيرة ايدا فيتالي والتي تبلغ من العمر 95 عاما بجائزة "سرفانتس" الأسبانية لتتسلمها رسميا في مطلع عام 2019 وهي صاحبة المقولة الدالة:"ان مجرد الاستفسار عن الشعر هو برهان حضوره".
وإذا كانت ايدا فيتالي صاحبة الدواوين والمجموعات الشعرية التي تعد من روائع الشعر المنظوم بالأسبانية مثل:"نور هذه الذاكرة"تجيب على أسئلة الشعر بطريقة السهل الممتنع فهذه الأسئلة الكونية حاضرة في كل مكان ومطروحة للنقاش الحر في منتديات شعرية مثل "منتدى الشعر المصري" الذي نهض هذا العام بتنظيم الكثير من الندوات لشعراء ينتمون لأجيال متعددة واشكال متعددة من فن القصيد بما في ذلك "شعر العامية"مثل ديوان "احزان الأبيض" لشاعر العامية عمر مكرم الذي نوقش امس "الأحد".
ولم تخل الدوريات والاصدارات الثقافية العربية هذا العام من ومضات تؤشر للعلاقة الوثيقة بين الشعر والمجتمع وان للشاعر ان يقدم "رؤية فنية جمالية للواقع وبث الوعي الفكري والجمالي باعتباره جزءا لايتجزأ من الواقع المتحول". 
واذا كان الأمل يداعب اذهان بعض الشعراء ومحبي القصيد في لقاء موعود بين الشعر ورجل الشارع ففي بلد كمصر يمكن لهيئة قصور الثقافة فضلا عن الشبكة الثقافية بالاذاعة على وجه الخصوص القيام بدور مهم لتحقيق هذا الأمل وتسليط الأضواء على المواهب في الأجيال الجديدة للشعراء
وإذ يحلو للبعض من حين لآخر الحديث عن الأجيال الشعرية وترديد عبارات فحواها ان هذا الجيل او ذاك "آخر جيل للشعر"كان الشاعر الكبير فاروق جويدة قد أعاد للأذهان في سياق اشارته لمايسمى "بصراع الأجيال" ان هناك من رأى انه لا أحد بعد أمير الشعراء أحمد شوقي رغم أن شعراء كبار ظهروا بعد شوقي. معتبرا أنه "لا ينبغي ان نقارن مبدعا بمبدع اخر لأن لكل مبدع عالمه الخاص وظروفه التي ظهر فيها والعوامل التي أثرت فيه". 

ولئن مرت الذكرى الـ 110 لمولد الكاتب والشاعر المصري الكبير كامل الشناوي مؤخرا بومضات قليلة في منابر صحفية وثقافية شكلت نوعا من الإضاءة للأجيال الجديدة حول ابداعات في الشعر للشناوي، فان أمير الشعراء احمد شوقي حظى هذا العام باحتفالية ثقافية تزامنت مع ذكرى مرور قرن ونصف القرن على مولده.
وتلك الاحتفالية اكدت مجددا المكانة التي استحقها احمد شوقي عن جدارة عبر المسيرة التاريخية المديدة لديوان الشعر العربي و"الاتفاق العام بين كل الشعراء على انه امير الشعراء العرب في العصر الحديث وهو الذي عبر بالشعر من حال الى حال ومازال حاضرا في تكوين أي مبدع للشعر ".
ووصف الناقد والأكاديمي الدكتور احمد درويش امير الشعراء وصاحب التكوين الثقافي الثري أحمد شوقي بأنه "اعظم شعراء العربية في القرن العشرين بلا جدال" فيما وضعه ضمن قائمة اعظم الشعراء على مدار التاريخ جنبا الى جنب مع "المتنبي وأبو العلاء المعري وأبو تمام".
وامير الشعراء الذي ولد في السادس عشر من أكتوبر عام 1868وقضى في الرابع عشر من أكتوبر عام 1932 كان حاضرا باسئلة الشعر وكيفية استجابة الشاعر لاحتياجات المتلقي والارتقاء بالذوق العام في هذه الاحتفالية التي أقيمت بمناسبة ذكرى مولده في مسرح مركز الابداع بساحة الأوبرا المصرية.

وأحمد شوقي في منظور الشاعر الكبير احمد عبدالمعطي حجازي احد الآباء الثقافيين المصريين مثل محمد عبده وقاسم امين ولطفي السيد والدكتور محمد حسين هيكل والدكتور طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وليس لنا ان ننساهم "حتى لاننسى وجودنا المتمثل في مصر وفي الثقافة المصرية". 
ولئن اعتبر ان المؤسسات الثقافية لم تحتفل بما يكفي بشوقي هذا العام في عيد ميلاده الخمسين بعد المائة فقد انتهز الشاعر الكبير احمد عبد المعطي حجازي مناسبة الاحتفال بذكرى مولد امير الشعراء ليؤكد أهمية "مراجعة معرفتنا بأحمد شوقي وبشعره استنادا لما تركه من اعمال وللحقائق الموضوعية ومابينها من روابط ظاهرة او مستترة".
وأضاف حجازي صاحب الكتابات المتعمقة عن "مصر الشاعرة":"نحن نقرأ اشعار شوقي في مصر فنجد صدقا حارا وجمالا يشي به ويدل عليه" لافتا "لوفرة نصيبه من الثقافتين العربية والفرنسية" وهو "في الفصحى شاعر لايشق له غبار لكنه لايتردد أيضا في النظم بالعامية".
وان ذهب احمد عبد المعطي حجازي الى انه حين يقرأ مانظمه شوقي يخيل اليه "انه يعيش معنا في هذه الأيام" ففى مصر كما فى غيرها من دول العالم-عادة ماتشهد الملتقيات والاحتفالات الشعرية اسئلة ونقاشات حول قضايا مثل حقيقة موت الشاعر وخلوده وحضوره فى ضمير امته ومشاركته فى منعطفاتها وتحولاتها الكبرى ناهيك عن "قدرة الشعر على تغيير العالم".

وللشاعرة الأمريكية الأصل مارجريت راندال طرح اثار من قبل جدلا فى الثقافة الغربية كان عنوانه:"هل يستطيع الشعر ان يغير العالم ويغيرنا ؟" فيما اكدت على اهمية الشعر للحياة الانسانية وتجذره فى القيمة الوجودية للإنسان معتبرة ان الشاعر قد يكتشف عندما ينضج ان المعركة ليست قدرة الشعر على تغيير العالم بقدر ماهى تأكيد دور الشاعر ذاته وجعله مهما للحياة
وفى كتابها:"يوتوبيا المدينة المثقفة"-ذهبت الناقدة خالدة سعيد الى ان الصراع الذى دار حول القصيدة العربية بين الذين اعتبروها عنوانا للهوية وسلاحا فى معركة التحرر الوطنى وبين الذين رأوا فيها تعبيرا فرديا عن وجود الانسان فى العالم يعكس فى احد ابعاده الشعور بأهمية الشعر فى الحياة العربية ودوره فى صياغة معنى جديد لهذه الحياة.

وفى أمة انجبت شعراء كالمتنبى وابو العلاء المعرى وابو نواس واحمد شوقى واحمد عبد المعطى حجازى وامل دنقل وعبد الوهاب البياتى ونزار قبانى ومحمود حسن اسماعيل وبدر شاكر السياب ومحمود درويش ومحمد الفيتوري وممدوح عدوان وسميح القاسم وعشرات ان لم يكن مئات الأسماء الأخرى لقامات فى عالم القصيدة العربية عبر تاريخها المديد، ثمة حاجة الآن لتحالف الشعر مع التفاصيل اليومية للحياة ورجل الشارع العربي دون ان يكون ذلك على حساب الجماليات التى تبقى الشعر شعرا والالق القا!.