الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ساندرا نشأت تأخذنا إلى أهالينا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تلهّفت معرفة سرّ هذه المخرجة الموهوبة: ساندرا نشأت، حين قدمت لنا، وبعفوية فاتنة ولمّاحة، فيلمها التسجيلي "خليك فاكر"، حول موقف أهالينا من مشروع الدستور، فهل إرادتي لهذه المعرفة في محلها؟ وإذا كانت كذلك، أين إذن يقع هذا السر؟ في تصميمها على رفض تزوير إرادة الجماعة المصرية؟ رغبتها في التمرد على نظام كارثي زاد في سخطنا؟ أم هي تترجم توْق هذه الجماعة إلى الخبز والحرية والكرامة والعدل؟
خلال اثنتى عشرة دقيقة التي استغرقها هذا الفيلم، استطاعت هذه الفنانة أن تتواصل مع بلدياتنا، أن تعبّر عن مواجيدهم وأشواقهم وأحلامهم المتواضعة، وهم تلك السبيكة الحيّة، ممن لا يمتلكون سوى طهارة القلب، وعزْم الاختيار، ووقْدة الشوق إلى وطن آمن وعادل وعزيز.
وبهذا المقتضى، طرحت ساندرا نشأت سؤالا عن الوطن وسؤالا عليه، حين أعادت خلق الكوْن المصري الراهن، في مشاهد تخترق التعبير والعلاقات اليومية، وتدمر ثرثرتها وسلطان دلالاتها المقطوعة عن دالّها، معلنة نداء التبشير.
ذلك أن الوطن إذا لم يتم تقييمه إبداعيا، فإذا الطرح لن يكون سوى رهين الحرفية والنقل والوقائعية، وهو ما نبّه إليه فيلسوف جماليات المكان جاستون باشلار، حين ذكر أن المكان الممْسوك بواسطة الخيال، لن يظل مكانا محايداً، خاضعا لقياسات وتقييم مسّاحى الأرض، لقد عيش فيه.
ومن أجل ذلك، سافرت ساندرا إلى الصعيد الجواني، وبحري وسيناء ومطروح، 
وتوزعتها هناك الطرق والدروب والمسالك، يطلّ من شقوقها ذلك المصري الطيب، بخشونة فقره الكريم، وحريته الشائكة، وزهاوة طلّته رغم أي شيء.
اختارت، عن عمد، الابتعاد عن الخبير الاستراتيجي، والناشط السياسي، والمتحدث الإعلامي، والمسئول الحزبي، ممن تزدحم بهم الصحف وشاشات التليفزيون وجلسات المساومة، وتوجهت إلى ربة المنزل العائد من السوق، والفلاح المنحني على أرضه، والعامل أمام أفران النار، والواقفين على محطات الأتوبيس، والجالسين على المقاهي، لا فرق لديها بين مسيحى ومسلم، صعيدي وبحراوي، أو قروي وحضري.
من هنا، لعله يتعين النظر إلى هذه التحفة الفنية، كمحاولة لتجاوز عتبة المبذول والمعاد، انطلاقا من تضْفيرها لهذه التحفة بتسجيلات ليوسف وهبي ونجيب محفوظ وهدى سلطان ومحمد منير ومحمد طه، مع تعليقات نفّاذة وردت على لسان أهالينا البسطاء، تشير إلى وقوفها على تخوم منطقة تنافذ ثريّة، تجمع بين طياتها بنية شمّالة: التاريخ والرمز والحدث المؤسس، لتصوغ نسيجها، وتجهْر بهويتها.
ففى لجاجة الزيف الشاخص، ما أكثر الأعمال التي حدثتنا عن أهالينا، فزادتنا رهقا، أعمال لم تسْطع فيها نبْرة الوجدان، فخرجت يفضحها رخص اللون، ويلفقها افتعال الحماس، ويلفّها التوجه الجاهز عن وهم الأصالة.
أسائل ساندرا نشأت، بلا سابق معرفة ولا لقاء: تراه الحلم لمّا يتفلّت من اساره ويقترب من الأرض الوسيعة؟ عشق قانون الجاذبية كما الفقراء؟
طمىْ النيل تحمله بين مسام روحها؟ أم أنها محبّة الأوطان قاسية؟.