الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

القمص أنجيلوس جرجس يكتب..الأيقونات روح نابضة

أنجيلوس جرجس
أنجيلوس جرجس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأيقونات في الكنيسة لها عمل روحي وطقسي هام إذ هي توضح عقيدة التجسد والوجود الرمزي الذي يحمل حقيقة عقيدية لاتصال الكنيسة الأرضية بالسماء.
والأيقونة ممتدة من عقيدة القدماء المصريين الذين كانوا يرسمون على جدران المغاير والمعابد الصور وعلى توابيت الموتى. 
وكان هذا تجسيدا لفكرة الخلود ولتكون الألوان والحفر على الأخشاب والأحجار عوض الفقدان المادي
للشخص المتوفي الذي سيعود بروحه إلى جسده مرة أخرى ويعاود الحياة. ونجد في وجوه الفيوم في القرن الثاني هذه الفكرة، وهي ملامح رسمت على توابيت موتى منهم أقباط وشهداء. وكانت ملامح الأيقونات تجمع الفن اليوناني مع المصري القديم.
وإن كانت الفكرة في الكنيسة مختلفة فالأيقونة هي صورة رمزية للقديس أو الشهيد أو مشهد من الكتاب المقدس يخبرنا بحقيقة وجودهم وأن أرواحهم حية وقائمة وتشاركنا صلواتنا، ولذلك توقد الشموع أمام الأيقونة علامة على فعل الروح القدس الذي يمثل نار الشمعة الذي جعل القديس يصير يشع نورًا، والشمعة تمثل شفاعة القديس أمام الله.
وفي كنائس مصر من القرن الثاني وحتى القرن الرابع كانت الزخارف منتشرة كفكرة رمزية، مثل السمكة
التي تمثل المسيحية، وعنقود العنب وورقة الشجر والصليب بأشكاله وبيض النعام.
ثم انتشرت الأيقونات بداية من القرن الرابع أو الخامس وصارت كثيرة في القرن السادس وهذه أغنى فترة
للفن القبطي في كل أنحاء مصر إذ أصبح التعبير عن المسيحية بحرية. 
وفي عصر الشهداء كان للقديس مارميناصديق اسمه أثناسيوس وكان فنانا فرسم له أيقونة بعد استشهاده.
ويخبرنا القديس إغريغوريوس النيصي ( 330 ــ 395 م ) "لقد شاهدت بنفسي صورة آلام السيد المسيح ولم أستطع أن أتحول عن الصورة دون أن أذرف الدموع بغزارة لأن المصور الفنان قد أبرز القصة أمام العين بدرجة رائعة". ويخبرنا أيضًاعن أيقونات تصورالشهيد ثيؤدوسيوس ووضعت على جدران بعض الكنائس.
ويقول ثيؤدورين ( 393 ـ 458 م ) 
"أن صور القديس سمعان العمودي انتشرت في روما في المنازل والمحال وكانت سبب بركة للكثيرين". وفي متحف ميلانو لوحة للشهيد العظيم مارمينا ترجع إلى القرن السابع.
ثم من القرن السابع للعاشر انحصرت الأيقونات، بل وتحطمت أغلب أيقونات الكنائس في حركة اجتاحت
العالم كله تسمى حرب الأيقونات. وفيها تم تحطيم أيقونات غالبية الكنائس ومن ضمنها كنيستنا القبطية.
وكان هذه الحرب في الغرب على مرحلتين ( 726 ــ 787 م ) في أيام الإمبراطور ليو الثالث الذي هاجم وجود الأيقونات بالكنائس وأمر جنوده أن يدخلوا الكنائس ويحرقوا الأيقونات ويحطموها وانتهت في حكم الإمبراطورة إيريني 787) م ) ثم عادت مرة أخرى عام 813 م أيام الإمبراطور ثيؤفيل وانتهت عام 842 م بأمر من الإمبراطورة ثيؤدورة.
وقد انتهز الأمويين ما قد حدث في الغرب وأمروا بتحطيم كل أيقونات الكنائس التي في نطاق حكمهم، وكان منها كنيستنا القبطية فأمروا بكسر الصلبان وتحطيم الأيقونات داخل الكنائس. وفي عصر العباسيين أيام الخليفة العباسي المتوكل 847 م وكان يكره المسيحيين جدًا فطرد الأقباط من الدواوين الحكومية، ومنع الأقباط من ارتداء ملابس تشبه المسلمين وفرض اللون الأزرق عليه رقعة صفراء للرجال، والنساء يرتدين برقع عسلي وكان هذا رداء النساء المنحرفات. 
وأن يركب الأقباط الحمير وليس الخيول ومنع صنع الأباركة وأمر بكسر الصلبان وعدم قرع
الأجراس وتحطيم الأيقونات.
واضطر البابا قزما الثاني أن يترك الإسكندرية ويعيش في قرية صغيرة، وفي تلك الأحداث خرجت دماء من أيقونة السيد المسيح في دير أنبا مقار، وفاضت كل أيقونات أديرة وادي النطرون بالدموع فقد ذرفت عيون كل أيقونات القديسين دموعا.ً لتعرف أنها ليست مجرد خطوط وألوان ولكنها روح تنبض إذ بالتجسد قد تروحنت المادة.
ولكن لم تنقطع الأيقونة من الأديرة فيذكر لنا التاريخ أنه في القرن العاشر كان أحد الفنانين الذين يرسمون الأيقونات بالأديرة هو الراهب " مقاره" الذي صار البابا مكاريوس الثاني ( 1102 ــ 1128 م) البطريرك التاسع والستين وهو الذي رسم قبة كنيسة أنبا مقار.
والأنبا ميخائيل مطران دمياط ( 1179 ــ 1181 م ) كان فنانًا رسم حدود تسعين أيقونة. وقد كانت أغلب الأيقونات بالأديرة نظرًا للاضطهاد العام بكنائس المدن.
ومن القرن الرابع عشر حتى القرن السادس عشر حدثت ندرة كبيرة للأيقونات بجانب هجرة الفنانين إلى
الأستانة نتيجة الاحتلال العثماني. ومن القرن التاسع عشر بدأت نهضة أوروبية كبيرة في الفنون انعكست أيضًا على مصر، حتى أنهم أقاموا مدرسة للأيقونات في القدس تخرج منها عدد كبير من الفنانين.
ومع عصر الانفتاح على الغرب وقت "محمد علي" انتشر فن الرسم وبالتالي الأيقونات ونجد من هؤلاء
الفنانين إبراهيم الناسخ ويوحنا الأرمني وأنسطاسي الرومي الذين تعلموا في مدرسة القدس للأيقونات فامتلأت كنائسنا من جديد بالأيقونات.
ثم في القرن العشرين بدأ الفنان" إيزاك فانوس" نهضة جديدة للرجوع إلى الفن القبطي الذي تميزت به كنائسنا في القرون الأولى، ليعرف العالم كله من جديد عن عمق الأيقونة القبطية التي تتميز بأنها تعبر عن الروح والمعنى أكثر من جمال الصورة. وهذا ما يميز أيقوناتنا أنها روح نابضة وليست مجرد ألوان ومادة.