الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أصوات البائعين.. ترانيم مقدسة تبعث الحياة في القاهرة القديمة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى حضرة قاهرة المعز، يبدو الزمن مختلفا، وتبدى المدينة ما تيسر من زينتها، أصوات البائعين تبدو كالترانيم المقدسة تبعث الحياة فى القاهرة القديمة، شارع المعز تيمنا باسم الحاكم الفاطمى الشهير مؤسس القاهرة وصانع أبهائها وهو المعز لدين الله الفاطمي، تأخذك الروعة عندما تلتفت بوجهك، تتملكك الرهبة والخشوع، من جمال المشهد وجلال المكان.

وهناك العديد من الحرف التراثية التى أبهرت العالم بجمالها ورونقها ويتأثر بها العالم من روعتها، فمن بين هذه الحرف «الحفر على النحاس، والنفخ بالزجاج، والنقش على الأخشاب، والخيامية، وصناعة الفخار، وغيرها من الأعمال، هكذا ما عرضته قناة الغد الإماراتية من خلال فيلم وثائقى بعنوان «فى حضرة المدينة.. حرف تراثية مصرية» والذي تناولت باستفاضة الحديث عن هذه الحرف، فهى مهن تعتمد على الموهبة والحفاظ عليها من الاندثار.

ففى البداية، يقول محمود محمد، فنان الحفر على النحاس، والذى يحاول الصمود أمام تحول الزمن واختلاف الناس، أعمل منذ عام ١٩٤١ فى خان الخليلى الذى أخذ من عمرى ٧٢ عاما، عندما تعلمت هذه الحرفة دون أن يعلمنى أحد، وتعتمد هذه الحرفة على الصبر، ويشير إلى أنه عام ١٩٦٧ كبار عمالقة الحرفيين فى خان الخليلى قامت ببيع «الطعمية» و«الكشري»، واستخدم النحاس بالنقش مطعما بالسلك الفضة كل ذلك يدويا دون أى ماكينات حفر، يوما عن يوم ترتفع أسعار الخامات وتؤثر على عملية البيع والشراء، مؤكدا أن هذه الحرفة تعد أبرز الحرف التراثية بخان الخليلي، مضيفا أن كف اليد هو المتحكم الأول والأخير فى هذه الحرفة من خلال استخدام القلم والجاكوش، أعددت أجيالا كثيرة بفن الحفر على النحاس، مؤكدا أن الأجيال القائمة الآن لا تتحمل جمال الصبر وهذه الحرفة تعتمد على الصبر

بينما يقول حسن هدهد، فنان النفخ بالزجاج، الملقب بآخر ملوك الزجاج، أعمل بهذه المهنة لما يقرب من ٥٠ عاما، توارثت هذه المهنة عن آبائى وأجدادي، ومهنة الزجاج البلدى والمنفوخ اكتشفت فى تل العمارنة فى عصر إخناتون، وبدأت العصور تتوالى حتى عصر الفاطميين، وتختلط هذه المهنة فى العديد من الأعمال منها النحاس، والزجاج المعشق، والرصاص، وأى مسجد أثرى بمصر لا يخلو من الرجوع إلى فن الشبابيك أو المشكاوات المعلقة بسقف المسجد، بالإضافة إلى صحن المسجد، فلا بد وأن يكون مصنوعا من الزجاج المنفوخ، كما يصنع فرن الزجاج من الطوب الحرارى وبنظام معين، فلابد أن يحتوى على الدقة المحكمة، مؤكدا أن هذه المهنة لا تعتمد على الاسطمبات، وقبل أن يكون الزجاج المنفخ مهنة فهو فن متقن، ويتكون من أدوات ماسورة نفخ، والبولين، والماشة، ولكن فى أوروبا يعتمدون على الماكينات لسهولة الصنع، مؤكدا أن هذه المهنة فى مصر تعتمد على الأعمال اليدوية فى كافة أشكال الزجاج، وأهم ما يميز هذا العمل اليدوى التحكم فى الأوكسيد والزجاج منصهر ويتمازج مع الزجاج حتى لا يتسبب فى أى مرض لمستخدميه، معربا عن سعادته بهذه المهنة التراثية العظيمة قائلا: «لو رجع بى الزمن ألف مرة هشتغل نفس الشغلانة، لأنها عن أبويا وجدى وأفخر بيها كثيرا، فأنا آخر ملوك الزجاج»، فلو اندثرت هذه المهنة لا تجد من يصنع هذا الزجاج بكل أشكاله.

ويقول سعيد سالم، فنان النقش على الخشب، وأحد بقايا محترفى فن الأرابيسك، متخصصين فى فن الأرابيسك عن آبائنا، ومتخصصين فى الفن الإسلامي، وهو عبارة عن نماذج للتزيين معقدة: إن زخارفه متداخلة ومتقاطعة وتمثل أشكالا هندسية وزهورا وثمارا، وهذا الفن يميز الفن الإسلامي والذي ظهر في تزيين السيراميك وفي العمارة الإسلامية، وقد انتشر فى أوروبا ولاقى رواجا فى القرنين الخامس والسادس عشر، فهو فن مصري قبطي، ويتميز العمل المصرى بالصناعة اليدوية، فكل فنان يعمل بالحرف اليدوية فهو محارب ومبدع بهدف الإيصال لهدف معين وهو الحفاظ على هذا التراث، معربا عن أسفه بأن هذه المهن قاربت على الاندثار، من النادر أن تجد شخصا يريد تعلم هذه المهنة، حالما أن كل بيت فى مصر يحتوى على هذا الفن، مؤكدا أن القاهرة هى مركز الإبداع لكل الفنون، وبها كل الحرف التراثية والصناع المهرة، لكونها العاصمة، والقاهرة الفاطمية كانت الدرب الأحمر والجمالية، تلم المنطقتين انحصرت بها هذه الحرف اليدوية بمصر فلا بد أن يكون متذوقي هذا الفن لاقتنائه.

بينما يقول أشرف هاشم، إن فن الخيامية هو صناعة الأقمشة الملونة التى تستخدم فى عمل السرادقات، وهو فن مصرى أصيل وفرعونى المنشأ، لكنه ازدهر فى العصر الإسلامى وخاصة الفاطمي، كما ارتبط بكسوة الكعبة المزينة بخيوط الذهب والفضة، وهى مهنة لتجميع قصاقيص القماش وتجميعها منسقة الألوان، بحيث فى النهاية تعطى شكلا زخرفيا معينا، وبدأت هذه المهنة مع وجود الدولة الفاطمية بمصر وهى دولة محبة للفن، وتعتمد هذه المهنة على أدوات بسيطة جدا وهى الإبرة، والكستبان، والمقص، فهى مهنة بطبيعتها تعتمد على الموهبة وإبهار أى إنسان بألوانها فى أشكالها الإسلامية أو الفرعونية أو الخط العربي.

ويقول العربى محمد، صانع الفخار ومحول التراب إلى تحف فنية رائعة: إن مهنة صناع الفخار حساسة وبها موهبة من عند الله سبحانه وتعالى، وقدرتها على تشكيل هذا الطين المصرى إلى أشكال عدة مثل الطواجن، والفازة، كوب، فنجان، فهذه المهنة موجودة منذ زمن الفراعنة، وهى تشبه مهنة الطبيب الجراح، لكونها فنا لا يوصف.

فلك أن تودع القاهرة القديمة فذلك يعنى أنك تترك بعضا من نفسك هناك، ويتمنى جزء منك أن يقف الزمن به، حيث ما زالت الأشياء هناك فى قاهرة المعز لها بريقها ورونقها فلا شيء يشبه القاهرة.