الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

«التجمع للإصلاح».. ذراع الإخوان الخفية في اليمن.. و«الإرهابية» بدأت زرع عناصرها بداية الخمسينيات.. و«الزنداني» و«المخلافي» عملا على نشر فكر الجماعة بعد عودتهما من مصر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لسنوات طويلة ماضية ظهر أن هناك ارتباطًا تاريخيًا وثيقًا ما بين حزب التجمع اليمنى للإصلاح، وجماعة الإخوان؛ حيث تتشابك الجذور التاريخية بينهما، بصورة تجعل من الحزب الابن الشرعى للجماعة فى اليمن.
تعود بداية جماعة الإخوان نظاميًّا فى اليمن إلى خمسينيات القرن الميلادى الماضي، وذلك من خلال سفر «الفضيل الورتلاني» «أحد أنصار الجماعة»، إلى اليمن؛ بغرض إقامة شركة تجارية، وإلى جانب مهمته التجارية، حث «الورتلاني» الإمام يحيى «حاكم اليمن حينذاك» للقيام بإصلاحات عاجلة فى الجوانب السياسية والإدارة والاقتصاد تخدم الوجود الإخوانى فى اليمن، وقدم للإمام تقارير مكتوبة عن ما يلزم القيام به؛ وذلك بسبب العلاقات الجيدة ما بين الوفود اليمنية فى مصر وحسن البنا.



بعدها تبلورت الجماعة بصورة أكبر داخل اليمن من خلال التنسيق الفعلى المباشر بين قيادة حركة الإخوان فى مصر وبعض الطلبة اليمنيين الدارسين، وبالتحديد فى عام ١٩٦٣.
ورغم ذلك لم يحظَ الوجود الإخوانى فى اليمن بشرعية قانونية ودستورية؛ فقد نص الدستور الدائم للجمهورية اليمنية والصادر عام ١٩٧٠، على تجريم ظهور الأحزاب والتجمعات السياسية للعلن، وقد أضفى هذا عامل السرية على عمل جماعة الإخوان والمنتسبين إليها داخل اليمن.
إلا أن هذا الوضع قد تغير مع إعلان الوحدة اليمنية فى مايو من عام ١٩٩٠؛ حيث استطاع فرع جماعة الإخوان فى اليمن أن يُعلن عن نفسه تحت مُسمى «التجمع اليمنى للإصلاح» فى سبتمبر من العام نفسه.
وقد استفادت الجماعة من صدور الدستور اليمنى الجديد، آنذاك، فى عام ١٩٩٠، والذى نص فى المادة ٥٨ على أن «للمواطنين فى عموم الجمهورية - بما لا يتعارض مع نصوص الدستور - الحق فى تنظيم أنفسهم سياسيًّا ومهنيًّا ونقابيًّا، والحق فى تكوين المنظمات العلمية والثقافية والاجتماعية والاتحادات الوطنية بما يخدم أهداف الدستور»، وهى مادة فضفاضة لا تحظر قيام أحزاب ذات مرجعية دينية فى اليمن، وللمزيد من التضليل القانونى والدستورى أطلق على فرع الإخوان فى اليمن اسم «تجمع» بما يوحى بأن هناك أحزابًا عدة كونته وليس حزبًا قائمًا بذاته.


ولم تخف النشأة الائتلافية للتجمع اليمنى للإصلاح التوجه الإخوانى له؛ حيث يوجد العديد من أوجه التشابه بين جماعة الإخوان فى مصر والتجمع فى اليمن، بما يوحى بأن الأخير هو الفرع اليمنى للجماعة، وهو ما يتضح فى النقاط التالية:
هناك آليات وعوامل تجمع ما بين جماعة الإخوان فى مصر، وما بين فرعها فى اليمن المُمثل فى حزب التجمع اليمنى للإصلاح لاحقًا، وأول تلك العوامل أن الحزب فى بذرته الأولى قبل ١٩٩٠ قد نشأ بواسطة مبعوثى الجماعة فى اليمن مثل عبدالمجيد الزندانى وعبدالله الأحمر وغيرهما.
كما أن الطلاب اليمنيين بالقاهرة، قد تواصلوا مع جماعة الإخوان، خلال دراستهم فى مصر، واستطاع أفراد الجماعة التأثير عليهم وضمهم إلى التنظيم، وعندما عاد هؤلاء إلى اليمن عملوا على نشر فكر الجماعة داخل دولتهم، وعلى رأسهم عبدالمجيد الزنداني، وعبده محمد المخلافى.
كما أن هناك عاملًا آخر للتشابه، يكمن فى أدبيات حزب الإصلاح منذ نشأته، «فقد نص الحزب فى برنامجه السياسى منذ نشأته على الديمقراطية الشورية»، وهى الفكرة نفسها التى عبّر عنها حسن البنّا فى مقاله «الدستور والقرآن»؛ حيث قال: «نحن لا نعترض على الحكم الشورى النيابى من حيث هو، فإن الإسلام قد وضع الأساس للشورى وللتناصح، ولحرية الرأى ولسلطة الأمة ولتبعة الحكام، وهى أركان الدساتير العصرية».


وعلى الرغم من الارتباط التاريخى والثقافى والفكرى والسياسى الواضح ما بين حزب التجمع اليمنى للإصلاح وجماعة الإخوان فى مصر، فإن هذا لم يمنع الحزب من الإعلان فى أكثر من مناسبة عن فك الارتباط ما بينه وبين الجماعة الأم.
كان من ضمنها مناسبات عدة حديثة، خاصة تزامنًا مع الأحداث المهمة التى تشهدها المنطقة عمومًا، واليمن خصوصًا، وقد لعب الحزب عبر بيانات وتصريحات فك الارتباط على أساليب لُغَوية وسياسية متنوعة بما يخدم مصالحه وأهدافه.
وهنا تظهر على السطح تساؤلات عدة حول مدى جدية تلك الخطوة؟ وهل يمكن التعامل معها على أنها حقيقة دامغة تظهر التوجه الفعلى للحزب؟ أو أنها مجرد مراوغة ومناورة سياسية من الحزب؛ للحصول على مكاسب وقتية؟ هذا ما سنحاول توضيحه فى السطور التالية.
اتهم الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، فى أكتوبر من عام ٢٠١٣، فى كلمة تليفزيونية له، حزب التجمع اليمنى للإصلاح، بأنه على علاقة بجرائم استهداف ضباط الأمن والجيش اليمنى مستخدمًا تنظيم القاعدة فى ذلك، معتبرًا الحزب بـ«أنه ليس سوى جناح للإخوان».
وقد جاء رد حزب الإصلاح سريعًا، فى بيان رسمي، قال فيه: «إن الحزب يؤكد احترامه لتجربة الإخوان التاريخية العريقة والناضجة المنطلقة من الوسطية كمنهاج دعوة وحياة»، ويمكن تفسير هذا الموقف وفقًا للتوقيت الزمنى له؛ حيث نشبت تلك الأزمة بعد شهور قليلة من ثورة الـ٣٠ من يونيو فى مصر، لذا أعلن الحزب فك ارتباطه بجماعة الإخوان فى مصر بصورة غير واضحة؛ حيث تلاعب الحزب لغويًّا فى بيانه حتى يخرج من هذا المأزق، فمن جهة أثنى على الجماعة بوصفها «تجربة تاريخية عريقة وناضجة»، ومن جهة أخرى حاول تبرئة ساحته من خلال وصف نفسه بـ«حزب سياسى يمني»، فى إشارة إلى عدم تبعيته إلى جماعة الإخوان المصرية.


وفى واقعة أخرى تعود إلى شهر سبتمبر من عام ٢٠١٦، أعلن حزب التجمع اليمنى للإصلاح فى بيان رسمي؛ بمناسبة الذكرى الـ٢٦ لتأسيسه، عن عدم وجود ارتباط رسمى يجمعه بالإخوان فى مصر، وقد كرس الحزب بيانه فى هذه المناسبة، بصورة شبه كاملة؛ لتوضيح تلك النقطة.
وأصدر «الإصلاح» هذا البيان بعد هجوم خليجى شبه رسمى ضدهم؛ حيث هاجمت العديد من الصحف الخليجية والشخصيات العامة والسياسية حزب التجمع اليمنى للإصلاح؛ بسبب تخاذله فى الحرب ضد الحوثيين والتناقض ما بين مواقفه السياسية المُعلنة وتحركاته الفعلية على أرض الواقع. إضافة إلى علاقته الممتدة والمستمرة بجماعة الإخوان فى مصر، وقد تم تصنيفها بالجماعة الإرهابية فى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات فى عام ٢٠١٤.
وبالنظر إلى البيان السابق وما سبقه من أحداث، نجد أن حزب التجمع اليمنى للإصلاح قد كرر الموقف السابق نفسه، من خلال اللعب بالكلمات والصياغة اللغوية داخل البيان، فعلى الرغم من تبرأ الحزب من علاقته وارتباطه بجماعة الإخوان فى مصر، والحوثيين فى اليمن؛ فإنه ذكر وفى فقرة أخرى داخل البيان السابق، بأنه «حزب سياسى منفتح على الأفكار والمكونات، وفى الوقت نفسه لا يسمح لأى أطراف سياسية غير يمنية بالتدخل فى شأنه اليمنى أو فى رؤاه كحزب سياسي، والتى تربطه بالكثير منها علاقات صداقة واحترام»، فى إشارة إلى جماعة الإخوان.
وأعلن حزب التجمع اليمنى للإصلاح عن فك ارتباطه بجماعة الإخوان فى أكثر من مناسبة خلال عام ٢٠١٧، وقد خرجت قيادات الحزب لإيضاح وشرح ذلك للجمهور العربى عمومًا واليمنى خصوصًا.
إلا أن الحزب، ونظرًا لضيق أفقه وعدم صدق مواقفه، قد فقد هذه الفرصة المهمة؛ بسبب خيانته المتكررة للتحالف على أرض الواقع فى الأراضى اليمنية التى يجرى بها المواجهات مع الحوثيين، إضافة إلى علاقته المستمرة مع الميليشيا المدعومة من إيران، وجماعة الإخوان فى مصر.
بالنظر إلى الآليات التى يتبعها حزب التجمع اليمنى للإصلاح عند تعامله مع الأزمات الخاصة بعلاقته بجماعة الإخوان فى مصر، نجد أن الحزب يتبع سياسة واحدة واضحة، يتم التعبير عنها، سواء من خلال البيانات الرسمية، أو من خلال التصريحات الصادرة عن المسئولين داخل الحزب بمختلف درجاتهم ووظائفهم.
حيث ينفى الحزب، فى جميع تصريحاته، وجود علاقة إدارية أو تنظيمية ما بينه وبين جماعة الإخوان فى مصر، ويؤكد دائمًا على استقلالية رؤاه السياسية والحزبية، وعدم تأثره بأى من الأحزاب والجماعات الخارجية، مع التأكيد على «يمنية الحزب».
وعلى الرغم من ذلك، وفى جميع تصريحاته أيضًا، لا ينفى المسئولون فى حزب التجمع اليمنى للإصلاح وجود علاقة تأثير ثقافى وفكرى من قبل جماعة الإخوان فى مصر على الحزب وأفراده، منذ التأسيس.
وهذا اعتراف ضمنى بتبعية الحزب للجماعة؛ وذلك لأن التأثير الثقافى والفكرى فى العقول، أكثر رسوخًا وقدرة على تحريك الأفراد من التبعية الإدارية والتنظيمية.