السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

منير أديب يكتب: «الإخوان» على خطى «داعش»

الإخوان وداعش
الإخوان وداعش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

-«داعش» يد «الإخوان» الباطشة التي عرفت طريقها للعنف دفاعًا عن مشروع «الجماعة» وعلاقتهم الاستراتيجية
-«داعش» دافعت عن «الإخوان» عبر عشرات التسجيلات المرئية، كما كانت «الإخوان» المصدّر الرئيسي للمقاتلين في شمال سيناء
-«حسم» و«لواء الثورة» ثمار التعاون والتنسيق بين «الإخوان» و«داعش» والتنسيق العسكرى يتم وفق مصالح مشتركة

العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية «داعش» لا يحتاج لأى استدلالات ظنّية أو مقاربات قد يحسبها البعض ليست قريبة الصلة، فتنظيم «الإخوان» كان وما زال المصدّر الرئيسى للمقاتلين فى كل التنظيمات الدينية المتطرفة، والمعين الذى لا ينضب لتنظيم «داعش» على وجه الخصوص. علاقة «الإخوان» بالعنف لم تكن وليدة اللحظة، وليست مرتبطة بظرف سياسى لا فى الماضى ولا فى الحاضر، لكنها مرتبطة بمستوى الأفكار التى أنتجها المؤسس الأول حسن البنا قبل تسعين عامًا من النشأة، وتمت ترجمتها عبر جيل من التكفيريين والجهاديين، الذين ملأوا الدنيا عبر بوابة «الجماعة»، بعضهم يمارس الإرهاب داخل مصر، بينما يمارس البعض الآخر إرهابه خارج الحدود فى صور وأشكال مختلفة.
حركة الإخوان المسلمين كانت وما زالت الجسر المؤدى للعنف على المستوى النظرى والممارسة، فما تتحفظ «الجماعة» عن ممارسته من سلوكيات عنيفة تمارسه بالتنسيق مع جماعات عنف أخرى، فهى بمثابة الحاضنة الأساسية لكل جماعات العنف، خاصة أنها الأقدم فى النشأة، نجحت فى إقناع بعض العواصم العربية والأوروبية بغير حقيقتها من خلال رعايتها للإرهاب بالطريقة غير المباشرة.

الإخوان والعنف
علاقة جماعة الإخوان المسلمين بالعنف بدأت منذ اللحظات الأولى لنشأة «التنظيم» على يد مؤسسه الأول حسن البنا فى عام ١٩٢٨، فالجماعة لم تكن فى أى من مراحلها جماعة «دعوية» كما يعتقد البعض، وإن كانت الدعوة تمثل حيزًا لا يُستهان به داخل التنظيم، ولعل ذلك سر بقائها وتجذرها فى الشارع، فالتنظيم له عينان إحداهما مرتبط بتنفيذ الأفكار من خلال العنف الذى يُشكل بنيتها، والعين الأخرى بتنفيس هذه الأفكار عبر التجنيد الذى لا ينقطع، حتى أصبح للجماعة رصيد لا يُستهان به من الأتباع والمريدين فى ظل غيبة الدولة ومؤسساتها.
«الإخوان» لم تنجرف لاستخدام العنف، وإنما أنتجته عبر رسائل مؤسسها حسن البنا وعبر أنشطة وفعاليات «الجماعة»، فأنت لا تستغرب أنك أمام تنظيم «عسكري» عبر أوامر السمع والطاعة، التى تُشكل البنية الأساسية للعقل الإخوانى.
التدريبات الرياضية العنيفة والتدريب على استخدام الأسلحة كما حدث فى نهاية الثلاثينيات من القرن الماضى مع نشأة النظام الخاص للجماعة، وهو ما اعتبره البعض مقوّمًا أساسيًا لرابط العنف داخل حركة الإخوان المسلمين، التى عمدت لتدريس أفكاره داخل هياكلها التربوية وعبر برامجها التى تستخدمها فى البناء المعرفى والتنظيمى للأتباع.

حافظت «الجماعة» على عسكرة التنظيم عبر نظامى «الجوالة» و«الكتيبة»، فكل أعضاء «الجماعة» بلا استثناء يمارسون ألعابًا رياضية عنيّفة تُشجع على ممارسة العنف، فغير محظور ممارسة هذه الألعاب ولكن يمكن استخدامها فى ممارسة العنف أو يُصبح «العضو» على الأقل مهيئًا ومستعدًا لاستخدام هذا العنف فى اللحظة التى تُقررها «الجماعة».
لا يُطلق مصطلح «الكتيبة» إلا عبر المؤسسات العسكرية فقط، فقد حاولت جماعة الإخوان أن تشارك الحياة العسكرية بتربية أتباعها على هذه الأفكار فى تجمع شهرى «يوم بليلة كاملة» عبر التدريب على التقشف من خلال هذا التجمع، مع ممارسة الرياضة والحديث عن الجهاد والقتال، بعدها يكون «العضو» قد تلقى قدرًا لا يُستهان به منه من التربية الذهنية والروحية تسمح للتنظيم باستدعائه فى أى وقت، وهو نفس ما حدث بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، عندما تحولت مجموعات كبيرة من «الإخوان» للعنف عبر تشكيلات مسلحة كان أبرزها «سواعد مصر و«حسم» و«لواء الثورة».
جماعة الإخوان المسلمين مارست العنف بشكل عملى منذ بداية نشأة النظام الخاص فى نهاية الثلاثينيات من القرن الماضى، فقتلت رئيس وزراء مصر الأسبق، محمود فهمى النقراشى، ووزير داخليتها فى ٢٨ ديسمبر عام ١٩٤٨، وقتلت مثقفين وسياسيين وقضاة حتى الأبرياء من عامة النّاس ضحايا العمليات المسلحة.
من عمليات «الجماعة» المسلحة تفجير محكمة الاستئناف فى يناير من العام ١٩٤٩، واغتيال القاضى الخازندار قبل ذلك بعام فى ١٩٤٨، وهنا نؤكد أن أفكار العنف تجد مسارها للتطبيق بعد قليل من الوقت حتى ولو حاول «التنظيم» خديعة النّاس وإيهامهم بخلاف الواقع، فطالما كانت الأفكار محرضة على العنف فلا بد أن تظهر نتائجها وسريعًا فى ممارسة العنف نفسه.

من العمليات التى لا يمكن للجماعة أن تخفيها وتُعبر عن حقيقة الغدر حتى داخل «التنظيم» قتل السيد فايز، الذى عينه حسن الهضيبى، مسئولًا عن النظام الخاص فأفشى أسرار النظام لمرشدها فى ذلك الوقت فقرر عبدالرحمن السندى، مسئول التنظيم تنفيذ عملياته ردًا على إفشاء الأسرار الخاصة للعمل العسكرى حتى وإن كانت للمرشد نفسه، واعترف بذلك لمجموعة من قادة الإخوان وقتها وحكوا ذلك منهم الشيخ محمد الغزالى وسيد سابق ومحمود الصباغ.
«الجماعة» مارست العنف، وكانت مصدرًا رئيسيًا لبقية الجماعات والتنظيمات التى خرجت من نفس شرنقتها، ودافعت الجماعة عن سلوكها، فمن خلال الرصد وجدنا أن كثيرًا من المجموعات التى تمارس العنف مع تنظيم «ولاية سيناء» كانوا من الإخوان المسلمين، فقد تحول التنظيم هناك فى هذه البقعة إلى ممارسة العنف بشكل علنى، وانضم أعضاؤه لتنظيم «داعش»، وهو ما يدلل على الفكرة التى طرحناها.
وضعت جماعة الإخوان الدستور الذى سارت عليه كل جماعات العنف والتطرف فيما بعد، تجد هذا الدستور بين رسائل «حسن البنا» التى يُقدسها البعض وما بين أفكار «سيد قطب» التى كفر فيها المجتمع وطالب باعتزاله، فبحكم أنّ الجماعة هى الأقدم فى النشأة أثرت فيما بعدها، بل شاركت فى نشأة التنظيمات التى جاءت بعدها أصلًا، أسست للعنف على مستوى الأفكار والممارسة معًا.

الجوالة إحدى وسائل الإخوان للعنف
يحكى أحمد عادل كمال، أحد قيادات النظام الخاص فى يومياته «النقط فوق الحروف.. الإخوان المسلمون والنظام الخاص» أنّ فرق الجوالة التى مازالت قائمة حتى هذه اللحظة ويعتبرها «الإخوان» إحدى وسائل الدعوة، ولكنهم لا يُعممون فكرة الانضمام إليها، فيتم اختيار أشخاص دون الآخرين للاشتراك فيها، فهى حديثة خلفية للعنف أو التدريب عليه فى «الجماعة».
يقول عادل كمال: «فما زلت أذكر تلك الطوابير الاستعراضية الضخمة التى كان يتراوح عدد المشتركين فيها بين الستة آلاف والعشرة آلاف جوال.. كنا ننتهز الفرص لإجراء هذه الاستعراضات فى الشوارع، لم تكن تلك المناسبات مقصودة لذاتها دائمًا، وإنما كانت ذريعة، وكان بيت القصيد إظهار قوة الجماعة ومظهرها العسكرى، ولفت النظر إلى أن الجوالة بالذات هى القوى العسكرية للجماعة، وفى هذا صرف للنظر عن التشكيل الجديد الذى أعد سرًا وفى كتمان تام بعيدًا عن مظهريات الجماعة، وهو النظام الخاص». 
وما يؤكد علاقة فرق الجوالة بالعنف، أنها كانت تهتم أيضًا، حسب رواية صاحب «النقط» ببعض الاحتفالات، وتشارك فى بعض الأنشطة والتى تُعطى انطباعًا بطبيعة تشكيلها والغرض منه كأن تتجمع هذه الفرق فى شكل استعراضى فى غزوة بدر، ومدلول ذلك أن الله نصر المسلمين فى هذه المعركة على الكفار فكانت المعركة يوم عز للإسلام وذل لأعدائه من الكفار.
بداية اختيار مناسبة الاحتفال لفرق الجوالة أمر مهم للآلاف المؤلفة من فرق الجوالة التى كانت تخرج فى الشوارع تستعرض قوتها العددية، وكذلك تقوم بتأدية بعض الحركات الرياضية فى الشارع أمام العامة والخاصة ومؤسسات الدولة أو المملكة وقتئذ.
جماعة الإخوان كانت تُمارس العنف عبر أبواب متعددة ومختلفة ولكنها كانت تُغذى هذا الباب عبر فرق الجوالة التى أنشأتها خصيصًا لهذا الهدف، فهى دليل على استخدام التنظيم للعنف ولكن ليس طريق «الجماعة» الوحيد لممارسة هذا العنف.

جمال عبدالناصر والإخوان والعنف
حاول الرئيس الراحل جمال عبدالناصر إثناء الإخوان المسلمين عن ممارسة العنف ووضعهم ضمن الاصطفاف الوطنى بعد ثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢، إلا أن «الجماعة» ناصبت العداء للدولة الوليدة من رحم الثورة آنذاك وللنظام السياسى وقتها، وبدأت تمارس عنفًا تجاه الأشخاص والهيئات لإثارة الفوضى.
دعا الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى نوفمبر عام ١٩٥٣ مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين لتناول العشاء فى منزله وطلب منهم حل النظام الخاص، وأنه لا مبرر لوجوده فى ظل وجود دولة ولها مؤسسات أمنية تأخذ خطوات إصلاحية بعد ثورة لم يمضِ عليها سوى شهور قليلة.
قال الرئيس جمال عبدالناصر: إن وجود النظام الخاص للإخوان أو ذراعه العسكرية دليل سوء نية من «الإخوان» تجاه الثورة، وقال إنه يتفهم وجوده أيام الملك وقبل الثورة فى محاولة لإسقاط الملكية، أما الآن فلم يعد هناك سبب مقنع لاستمرار وجوده سوى معنى واحد هو أن «الإخوان» ينوون السوء بحكومة الثورة.
الحوار الذى دار بين الرئيس جمال عبدالناصر ومرشد الإخوان حسن الهضيبى فى وجود مكتب الإرشاد يؤكد معنى أهم من فكرة مجرد سوء النية بالثورة كما ظهر حديثًا فى موقف الجماعة من التغيير سواء فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، أو ثورة ٢٥ يناير عام ٢٠١١ ذاتها، إن «العنف» هو إحدى وسائل جماعة الإخوان المسلمين فى التغيير وأنها وسيلة فعالة وقديمة ولا يمكن للجماعة أن تستغنى عنها، فالجماعة تمارس العنف وفق مقولات مؤسسة للعنف تُصدرها للآخرين وتنفذها على أرض الواقع.
محاولة جمال عبدالناصر لا تختلف عن كل المحاولات السابقة واللاحقة التى تعاملت مع «الجماعة» على أنها فصيل سياسى أو «جماعة دعوية» وغض الطرف عن دورها فى هدم الدولة وموقفها من العنف، وهو ما يُعطى مؤشرًا لشكل العلاقة مع «الجماعة» من قبل أى نظام سياسى حتى لا تتكرر الأخطاء مرة ثانية.

«داعش» يد «الإخوان» الباطشة 
العلاقة بين جماعة الإخوان و«داعش» يمكن قراءتها من عدة زوايا فى مقدمتها خطف ٧ من الجنود المصريين فى مايو من عام ٢٠١٣ على يد «التنظيم» فى سيناء، ورغم ذلك دافعت «الجماعة» عنهم ودخلت فى تفاوض مع هؤلاء المتطرفين بما يدلل على العلاقة الحميمية بينهما، وأن «داعش» هى الأيدى الباطشة للإخوان.
كما دافعت جماعة الإخوان المسلمين عن تنظيم «داعش» فقد دافع «تنظيم داعش» عن الجماعة عبر عشرات التسجيلات المرئية التى قالت فيها: إنها تقوم بتنفيذ عملياتها المسلحة انتصارًا لما حدث للإخوان فى رابعة العدوية والنهضة، والمعارك التى دارت رحاها بين الأجهزة الأمنية وهؤلاء المعتصمين، فكلا التنظيمين يد واحدة ضد الدولة.

من المواقف التى تؤكد العلاقة الثنائية بين كلا التنظيمين قيام محمد مرسى بإيقاف العملية نسر فى أغسطس ٢٠١٢، والتى شنتها القوات المسلحة ضد تنظيم «داعش سيناء»، وهنا حاولت جماعة الإخوان المسلمين أن توفر غطاء لهذا التنظيم المتطرف.
تنظيم «داعش» دافع باستماته عن حركة الإخوان المسلمين بعد ثورة ٣٠ يونيو من خلال نشر الفوضى والتفجير، ولعل محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم فى سبتمبر من عام ٢٠١٣ يكشف جزءًا من العلاقة بين العقل ويده الباطشة، نكتشف ذلك بشكل كبير عندما نستمع لكلمة الرائد المفصول من القوات المسلحة وليد بدر، عضو التنظيم المتطرف: الذى قال قبل تنفيذ العملية إنه فعل ذلك دفاعًا عن «الإخوان» وما حدث لهم.

العلاقة بين «الإخوان» و«داعش» لا يمكن قراءتها إلا فى السياق الطبيعى وحاجة كل تنظيم للآخر ورهانه على دور الآخر فى الدفاع عنه، قد يبدو للبعض وجود اختلافات أيديولوجية لكن الحقيقة وجود تناغم فكرى ومصلحى وتنظيمى ورؤية يسعى كل تنظيم فى الوصول إليها حتى أصبحا وجهين ولكن لعملة واحدة. تظل جذوة الإرهاب مشتعلة ونار التطرف تملأ الأجواء إذا لم يتم تدارك الأخطاء السابقة فى فهم شكل وطبيعة التنظيمات المتطرفة ليس هذا فحسب وإنما فهم التشابكات البينية بينهما، فرغم الاختلاف توجد أصول واحدة تجمعهم وأدوار لكل منهما يساعد كل تنظيم التنظيم الآخر، ويُناسب المرحلة والظرف السياسى لكل واحد على حدة.
فقد يكون من ثمار التعاون خروج ميليشيات مسلحة صغيرة مثل «حسم» و«لواء الثورة» أو تكثيف العمليات المشتركة، وقد يكون توفير الغطاء والدفاع عن مبررات التنظيم الذى يتصدر المواجهة هو الخيار المطلوب فى هذا التوقيت، ولكن تبقى أهمية التنسيق المتبادل والمؤكد بين «الإخوان» و«داعش» الأول يمثل الفكر والداعم الأساسى فى التجنيد، والثانى يمثل القوة الباطشة لهذا الفكر.