الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الدستور يا أسيادنا !

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أخطر ما يتعرض له مشروع الدستور الجديد، الذي سيجري الاستفتاء عليه، يومي 14و15 المقبلين، ليس عملية الاغتيال غير الأخلاقي، الممنهجة، التي تشنها جماعة "الإخوان" الإرهابية وحلفاؤها وأنصارها من أهل القبيلة والعشيرة، والتي تخترع من أجل تشويهه، أوصافا كاذبة، وتصطنع محتويات ملفقة، من نوع أنه دستور ضد الدين، أنشأه العلمانيون والكفرة للطعن على الإسلام، ومواده تناقض الشريعة، وتقصي الأزهر، وتضمن زواج المثليين!.. إلخ.
وهي كما تبدو مزاعم موجهة بالأساس إلى المضللين من أفراد الجماعة، الذين يُقادون كالقطيع الأعمى، المُحَرّم عليه التفكير والتدبير، بموجب قانون "السمع والطاعة"، أو إلى أميي عوام الناس، الذين يزيدون على ثلث عدد المصريين، ذلك أن كل فرد يستطيع القراءة، ويملك القدرة على الاستخدام الرشيد لملكة التفكير، التي وهبها لنا الخالق، يملك القدرة على اكتشاف طبيعة هذه الافتراءات الواضحة، والتلفيقات المفضوحة، فينأى بنفسه عن تصديقها، أو الخضوع لإملاءات الجماعة الفاسدة التي روجتها!.
غير أن هذا على أهميته، ليس الأخطر، وإنما الأخطر أن قطاعات من الشباب الوطني، حتى لا نقول الثائر، بعد أن ابتُذلت هذه الكلمة، قد اتخذت ذات الموقف المضاد للدستور الجديد، وإن كان لأسباب أخرى، بعد أن تم اجتذابها بشعارات برّاقة، وخادعة، منها أن هذا "ليس دستور الثورة"، وأنه يؤسس لـ"دولة العسكر"، وغيرهما من العناوين الشبيهة!، وقد شاركت في مؤتمر لشرح تفاصيل وأبعاد الدستور الجديد، مع أستاذين جليلين، أصر نحو عشرة من الشباب، في نهايته، ووسط جلبة مقصودة، أن يمزقوا صفحات من مشروع هذا الدستور، وسط هتافاتهم التي يُفهم منها أنهم يُنادون ببطلان هذا الدستور. لماذا؟!. لأنه دستور العسكر والانقلابيين!!.
لا يعي أصحاب هذا الموقف أنهم لا يخدمون سوى الجماعة الإرهابية وأعداء الوطن، حين يلوون عنق الحقائق، لكي تخدم تصوراتهم القاصرة، وحين يخلطون ملاحظاتهم، وبعضها مقبول، بشعارات تقفز على الواقع، وتقع في مصيدة "الإخوان" وتصب المياه في طواحينها!.
وعلى سبيل المثال، فليس صحيحا بحال أن الدستور الحالي منح المؤسسة العسكرية أكثر مما ضمنه دستور الإخوان، دستور عام 2012، بل الأصح أن هذا الدستور حدد، وبالقطع، المجالات التي يُحال فيها المدنيون للمحاكم العسكرية، وقصرها على مواضع بعينها، بعد أن كانت مطلقة في الدستور السابق!.
ولقد ساعد في منح هذه المزاعم زخمًا ملحوظًا، وسط بعض قطاعات الشباب الذي لا ينتمي لجماعة "الإخوان" الإرهابية، بعض الأخطاء التكتيكية التي وقعت فيها الحكومة، وهي تواجه المواقف التالية لفض الاعتصامين في "رابعة" و"النهضة"، وفي مقدمتها الطريقة التي صدر بها "قانون تنظيم حق التظاهر" منذ فترة.
فقد صدر هذا القانون، وهو ضروري، دون تمهيد مجتمعي، وبغير أن يوضع في الاعتبار وجهات نظر القوى والأحزاب السياسية، أوالجماعات الحقوقية، فكان إن لاقى اعتراض الكثيرين، وتلقفت الجماعة الإرهابية هذا الظرف، ونجحت في اجتذاب جانب من الشباب لا ينتمي لها ولا لأنصارها، راحت تغذي لديهم المخاوف المشروعة من عودة سياسات "الدولة البوليسية"، وممارسات "القبضة الحديدية"، دون أي تجاوب من الحكم يُبدد هذه المخاوف، ويعيد هذا الشباب إلى الصف المواجه للإرهاب ومخاطره!.
يشير ما تقدم إلى أن هناك جهدا كبيرا مطلوبا خلال الأيام المقبلة حتى موعد الاستفتاء. إذ لا يجب الارتكان إلى أن نتيجته مضمونة سلفا، مهما كانت ثقتنا كاملة في أن جانبًا كبيرًا من أبناء شعبنا سيذهب طوعًا إلى صناديق الاستفتاء، ولكي يصوّت بالإيجاب على الدستور!.
فالواجب أن نشرح للشباب، وللمواطنين، أن الدستور هو وثيقة مجتمعية توافقية، تتضمن- العادة - القواسم المشتركة بين أغلبية أبناء الشعب، ولا تُعبّر وحسب، عن إرادة فصيل واحد، أو قسم مُعيّن منهم، على نحو ما حدث في دستور دولة "الأهل" و"العشيرة" المرفوض والساقط!.
كذلك من الضروري أن نبيّن لهم أن بنود أي دستور هي مرآة عاكسة لواقع التوازنات الحقيقية في المجتمع، والقوى النسبية لفئاته وطبقاته، وأحوال أقسامه التنظيمية والمجتمعية، وأن أي نقص يرتأونه في مواد هذا الدستور، إنما يعود في المقام الأول لاختلال توازن القوى في الواقع بين طبقات المجتمع وفئاته، وأن تحقيق أي تطور في العملية الدستورية، رهن بتعديل هذا التوازن، بالعمل السياسي البنّاء، الصبور، وسط الجماهير، لتنظيم صفوفها، ورفع مستوى وعيها، وبحيث نكون قادرين- بالأساليب القانونية- على إدخال مانراه مناسبا من تعديلات وتطويرات على الدستور في المستقبل.
فالدستور ليس وثيقة مقدسة لا تمس، بل هي اجتهاد بشري يناسب ظرف المكان والزمان، ومن الممكن تعديل بنوده مع تغير هذين العاملين، أو أحدهما، وبما يتلاءم مع الوضع الجديد.
وفضلاً عما تقدم، فإن هذا الدستور، بالفعل، هو الأفضل فى كل الدساتير المصرية السابقة، بما احتواه من ضمانات لحقوق المصريين وحرياتهم، وبما أكده من التزام الدولة بتأمين حياتهم ومستقبل أجيالهم، وبوضع أسس مجتمع العدل والمساواة والمواطنة والكرامة.
والأهم من ذلك كله، هو أن الاستفتاء على الدستور الجديد، هو في حقيقة الأمر، استفتاء على يوم 30 يونيو، وعلى ما يمثله في التاريخ المصري المعاصر، من قيمة ومعنى!.
إنه استفتاء على الزوال الكامل لشرعية جماعة "الإخوان الإرهابية"، وعلى استعادة شرعية الشعب التي جسّمها الخروج العظيم لعشرات الملايين من أبناء الوطن في 25 يناير2011ـ 30 يونيو 2013.
*****
ملحوظة في السياق: قرأت على حائط بمدينة العبور هذا الشعار الدال: يسقط دستور الرقّاصين!.
منتهى الإسفاف من جماعة تدّعى زورًا الانتماء للدين الحنيف!.