الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

النساء.. سلاح فتاك بيد إرهابيي "بوكو حرام

بوكو حرام
بوكو حرام
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اعتمدت استراتيجيات التنظيمات الإرهابية، فى الفترة الأخيرة، على المرأة بشكل كبير، للتمويه، من جهة، وتعويض النقص الشديد فى مقاتليها الرجال، من جهة أخرى، إلا أن جماعة «بوكوحرام» النيجيرية، المحسوبة على تنظيم «داعش»، تفوقت على نظيراتها، واحتلت المرتبة الأولى، وبامتياز، سواء فيما يتعلق باختطاف الفتيات والنساء، أو بالاعتماد عليهن فى عملياتها الانتحارية.
ويبدو أن البيئة المواتية فى نيجيريا، أتاحت الفرصة لتلك الجماعة المتشددة، للتمادى فى عمليات اختطاف وقتل واغتصاب النساء، خاصة فى ظل عجز الحكومة هناك عن إنقاذهن من براثن الإرهابيين فى الوقت المناسب، واضطرارها فى النهاية، للتفاوض لإطلاق سراحهن، إذ أعلن وزير الإعلام النيجيري، لى محمد، فى ٢١ مارس الماضي، أن حكومته تتفاوض مع «بوكوحرام» حول وقف محتمل لإطلاق النار، والإفراج عن عشر تلميذات محتجزات لديها، بعد قيامها بخطفهن أواخر فبراير الماضي.
وحسب تقارير حقوقية، فإن «بوكوحرام» ازدادت توحشا فى الآونة الأخيرة، وكثفت من عمليات استغلال النساء والفتيات بشكل مخيف، إذ إنها خطفت ما يقرب من ١٠٠٠ منهن، منذ بداية العام الحالي، وحوالى ٤٠٠٠ آخريان، على مدار السنوات الثلاث الأخيرة.
ولم تقف الكارثة عند ما سبق، بل إن عددا من الفتيات، اللاتى نجحن فى الفرار إلى مخيمات اللجوء، قبل وقوعهن فى قبضة «بوكوحرام»، تعرضن للاغتصاب أيضا، على يد قوات حكومية، ما يؤكد أن هناك خللا عميقا فى المجتمع النيجيرى يغذى الانتهاكات بحق المرأة.
وبالنظر إلى أن داعش تعرض لخسائر كثيرة فى الفترة الأخيرة، وخسر معاقله فى سوريا والعراق، فإنه وجد ضالته فى فرعه بنيجيريا، المتمثل فى «بوكوحرام»، الذى أثبت، من وجهة نظره، نجاحا بهجماته الانتحارية المتكررة، التى أوقعت آلاف القتلى، وامتدت أيضا خارج الحدود.

وزاد من أسهم «بوكوحرام»، أنها وضعت استراتيجية محكمة فيما يتعلق بتوظيف النساء، إذ تقوم بخطف النساء والطالبات، وإجبارهن على الزواج من مقاتليها، أو اغتصابهن، وبعد ذلك عمل غسيل مخ لهن، وتعزيز شهوة الانتقام عندهن، بعد مقتل أزواجهن، وتقسيم المهام بينهن، إذ يقوم بعضهن بتنفيذ العمليات الانتحارية فى صفوف المدنيين والقوات الحكومية، فيما تقوم أخريات بتربية أجيال جديدة من الأطفال الإرهابيين، بينما يتم مبادلة بعضهن، بمعتقلى الجماعة فى السجون.
ويبدو أن الأسوأ لم يقع بعد، إذ تعتبر النساء والأطفال، الهدف الأقل تكلفة وأكثر نجاحا فى تكتيكات «بوكوحرام»، وغيرها من التنظيمات الإرهابية، لأنهن خارج دائرة الاشتباه الأمني، ويسهل تجنيدهن، وإخفاء القنابل تحت ملابسهن، أو داخل حقائبهن، فضلا عن أن استخدام الإناث فى نسف أنفسهن يساعد الجماعة فى ادخار المقاتلين الذكور للهجمات المسلحة الكبرى. 

استغلال الأحداث الطائفية 
وذكرت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية فى ٢٣ أكتوبر ٢٠١٧، أن «بوكوحرام» تستخدم سيدات انتحاريات أكثر من أية جماعة إرهابية أخرى فى التاريخ، ومن بين ٤٣٤ عملية تفجير تبنّتها الجماعة فى الفترة الممتدة بين أبريل ٢٠١١ ويونيو ٢٠١٧، ثمة ٢٤٤ عملية نفذتها إناث.
وأضافت «الإيكونوميست»، أنه ليس من قبيل الصدفة أن يتزايد استخدام «بوكوحرام» للإناث فى عمليات انتحارية، بعد اختطاف الحركة ٢٧٦ فتاة من مدرستهن فى شمال شرقى نيجيريا فى أبريل ٢٠١٤.
وتخدم التركيبة الاجتماعية والدينية والثقافية فى نيجيريا أيضا أجندة «بوكوحرام» فى الاعتماد بكثرة على النساء، إذ إنها تروج أحيانا أنها تخطف مسيحيات للانتقام للمسلمين ضحايا العنف الطائفى فى البلاد. لا سيما أن نيجيريا تعد أكبر دول القارة الأفريقية اكتظاظًا بالسكان، حيث يبلغ تعداد سكانها، أكثر من ١٥٠ مليونا، ويضم أكثر من ٢٠٠ جماعة عرقية.
ورغم أن السكان هناك منقسمون بالتساوى تقريبا بين المسلمين فى الشمال والمسيحيين فى الجنوب، إلا أنه تعيش أقليات دينية مسيحية ومسلمة بأعداد كبيرة فى أغلب المدن فى الشمال والجنوب، وهو الأمر الذى استغله بعض الساسة والجماعات المتشددة، لإشعال أعمال عنف طائفى بين الفينة والأخرى، فما إن بدأت ١٢ ولاية شمالية تطبيق الشريعة الإسلامية فى عام ٢٠٠٠، إلا وتصاعدت حدة العنف الطائفى فى ظل مطالبة الأقليات المسلمة فى الجنوب بخطوة مماثلة، ورفض الأقليات المسيحية فى الشمال للأمر بشدة.

إحصائيات مفزعة
وانعكست المواقف المتضاربة السابقة فى عدة أحداث طائفية دموية، كان أبرزها فى فبراير ٢٠٠٩ عندما وقعت صدامات دموية فى ولاية بوشى فى الشمال بين مسلمين ومسيحيين أوقعت ١٤ قتيلا، وقبلها، وتحديدا فى أكتوبر ٢٠٠٨، قتل ٧٠٠ شخص فى مدينة جوس وسط البلاد، فى أعمال عنف مماثلة، وفى نوفمبر ٢٠١٨، لقى ١١ شخصا على الأقل مصرعهم، فى أعمال عنف طائفى بين رعاة مسلمين ومزارعين مسيحيين فى ولاية «بلاتو» وسط غربى نيجيريا، فيما أفادت بعض الإحصاءات أن هذه الحوادث أسفرت عن مقتل حوالى ٣٠٠٠ مدنى بين يناير وأغسطس ٢٠١٤، وتشريد أكثر من ٦٥٠ ألفًا من السكان داخل نيجيريا، فضلا عن أكثر من ٨٠ ألف لاجئ فى الدول المجاورة. 
ولم تفوت «بوكوحرام» فرصة حوادث العنف الطائفي، لتجنيد المزيد من العناصر المتطرفة، كما استغلت التقارير الصحفية والحقوقية حول تعرض بعض الفتيات والنساء فى مخيمات اللجوء فى شمال شرقى نيجيريا، للاغتصاب على أيدى جنود حكوميين، لاستقطاب أفراد من عائلاتهن لصفوفها. 
وفى ١١ ديسمبر ٢٠١٧، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن أن الاغتصاب، أحد أكثر الممارسات رعبا فى الحرب فى مواجهة جماعة «بوكوحرام»، التى اجتاحت شمال شرقى نيجيريا، وامتدت عملياتها إلى خارج الحدود. 
ونسبت الصحيفة لمصادر بالأمم المتحدة، قولها: «إن أكثر من ٧،٠٠٠ امرأة وفتاة نيجيرية تعرضن للممارسات الجنسية العنيفة والاغتصاب على يد عصابات «بوكوحرام»، ولم يكف مقاتلو التنظيم الإرهابى عن اختطاف واغتصاب الفتيات الصغيرات والمراهقات والنساء، بل تبادلوهن تحت مسمى (العرائس).
وتابعت المصادر ذاتها «إن جنود الأمن النيجيريين أيضا أقدموا على اغتصاب ضحايا الحرب، وافتراس النساء، الذين كلفوا بحمايتهن»، وأشارت إلى تلقى الأمم المتحدة عشرات البلاغات عن حالات اغتصاب وعنف واستغلال جنسى ارتكبت فى مخيمات بولاية بورنو فى شمال شرقى نيجيريا عام ٢٠١٦ سبعة.
انتحاريات. كان الجيش النيجيرى قام بإخلاء مناطق كبيرة من الريف، ليتمكن من الوصول إلى معاقل «بوكوحرام»، مما أجبر مئات الآلاف من النيجيريين للانتقال إلى مخيمات بشمال شرقى نيجيريا، فيما دعا الرئيس النيجيرى محمد بوهارى إلى إجراء تحقيق فى الاعتداءات الجنسية بهذه المخيمات.
وبالنظر إلى عدم القصاص السريع لضحايا الاغتصاب على أيدى الجنود الحكوميين، فإن «بوكوحرام» لم تجد فيما يبدو صعوبة فى تجنيد بعضهن، أو غيرهن، وذكرت شبكة «سى إن إن» الإخبارية الأمريكية فى ١٠ أغسطس ٢٠١٧، أن عدد النساء الانتحاريات فى صفوف «بوكوحرام» ازداد بشكل كبير مخيف، ونقلت عن جيسون وارنر، الأستاذ المشارك فى مركز مكافحة الإرهاب فى الولايات المتحدة «ويست بوينت»، قوله: «ارتفع بشكل حاد عدد الانتحاريات من النساء اللواتى تستخدمهن «بوكوحرام»، منذ قيامها باختطاف ٢٧٦ طالبة من مدرسة فتيات فى قرية «تشيبوك» فى شمال شرقى نيجيريا فى ١٤ أبريل ٢٠١٤، وإعلان زعيم الجماعة حينها أبوبكر شيكاو فى شريط مصور أنهم سيعاملون هؤلاء الفتيات على أنهن سبايا، وسيتم بيعهن وتزويجهن بالقوة.».
وأضاف وارنر، أن «هذه هى المرة الأولى فى تاريخ الجماعات الإرهابية، التى تستخدم فيها منظمة انتحاريات من النساء أكثر من الرجال» و«بوكوحرام» تأتى فى طليعة من استخدم الأطفال الانتحاريين أيضا ونشرت «سى إن إن» أيضا دراسة لمركز مكافحة الإرهاب فى الولايات المتحدة، قال فيها: «لدينا مجموعة من الأدلة تشير إلى أنه من ١١ أبريل ٢٠١١ إلى ٣٠ يونيو ٢٠١٧، أرسلت جماعة «بوكوحرام»، ٤٣٤ انتحاريا ليفجروا أنفسهم فى ٢٤٧ هدفا مختلفا، فى ٢٣٨ توقيتا متباينا، وكان ٥٦ فى المائة، على الأقل، من هؤلاء الانتحاريين من النساء و٨١ فردا منهم، كانوا ممن ينطبق عليهم وصف الأطفال أو المراهقين».
ولعل ما حدث فى واقعة اختطاف ٢٧٦ طالبة من مدرسة فتيات فى قرية «تشيبوك»، وما تبعها من تطورات، يرجح أن الأسوأ لم يقع بعد، ففى أغسطس ٢٠١٦، نشرت «بوكوحرام» شريط فيديو زعمت فيه أن التلميذات المحتجزات كرهائن لديها لا يزلن على قيد الحياة، لكن الفتيات المختطفات لم تظهرن جميعهن فى هذا الشريط، وادعت الجماعة حينها، أن الفتيات الأخريات قتلن فى غارات جوية، وأفرج لاحقا عن أكثر من ٢٠ من التلميذات المختطفات فى أكتوبر ٢٠١٦، بوساطة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومع ذلك، بقى مصير ١٩٥ فتاة من المختطفات، مجهولا، واعتبرن فى عداد المفقودات رسميا، فيما يتردد أن «بوكوحرام» جندتهن لتنفيذ عمليات انتحارية فى توقيتات معينة. 
وفى، ٢٠١٥، نفذت أربع نساء هجمات انتحارية متزامنة فى مدينة مداجالى بولاية أداماوا فى شمال شرقى البلاد، بعد استعادة قوات الأمن السيطرة عليها من «بوكوحرام»، ونجحت اثنتان منهن فى اجتياز نقطة تفتيش أمنية، لأنهما كانا يحملان أطفالا رضعا. 
وفى ٢٣ أكتوبر ٢٠١٧، لقى ١٣ شخصا على الأقل مصرعهم، وأصيب عشرات آخرين فى ثلاث هجمات انتحارية نفذتها نساء فى مدينة مايدوغورى عاصمة ولاية بورنو بشمال شرقى نيجيريا البلاد، واستهدف التفجير الأول مطعما صغيرا، بينما استهدف الثانى مدخل مخيم للاجئين، أما الانتحارية الثالثة، فلم يعمل حزامها بشكل كامل.
وفى أواخر فبراير ٢٠١٨، خطفت الجماعة مجددا ١١١ تلميذة فى بلدة دابشى الواقعة بولاية يوبى فى شمال شرقى نيجيريا، وأطلقت سراح ١٠١ منهن فى ٢١ مارس الماضي، وقال وزير الإعلام النيجيرى لاى محمد، إن الإفراج عنهن جاء نتيجة «جهود قنوات خلفية» بمساعدة «بعض أصدقاء البلاد»، وأن المفاوضات جارية مع الجماعة لإطلاق سراح المختطفات الأخريات، فيما أعلن الرئيس النيجيرى محمد بخارى أن الحكومة «اختارت التفاوض»، وليس اللجوء إلى القوة العسكرية لضمان عودة فتيات دابشى بسلام.

صراع مرير 
لم يكن أمام السلطات النيجيرية خيار سوى التفاوض، خاصة أن «بوكوحرام» ازدادت شراسة، ولن تتوانى عن فعل أى شيء، للفت انتباه الإعلام الدولى من جهة، وبث الرعب والذعر فى قلوب الشعب النيجيري، من جهة أخرى.
ولعل إلقاء نظرة على حصيلة الصراع بين هذه الجماعة المتشددة والسلطات النيجيرية، يزيد من قتامة الصورة هناك، فهى تأسست فى يناير ٢٠٠٢، على يد شخص يدعى محمد يوسف، والذى تأثر حينها بحركة طالبان أفغانستان.
ودعا يوسف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، والتخلى عن التعليم الغربي، ويتكون اسم «بوكوحرام» من كلمتين، الأولى «بوكو»، وتعنى باللغة الهوساوية المحلية «التعليم الغربي»، و«حرام»، وهى كلمة عربية، أى أن «بوكوحرام» تعنى «منع التعليم الغربي».
وفى ١٦ أغسطس ٢٠٠٩، أعلنت الجماعة رسميا الالتحاق بتنظيم القاعدة، متعهدة بشن سلسلة من التفجيرات فى شمالى البلاد وجنوبها، ما يجعل نيجيريا مستعصية على الحكم، حسب زعمها.
وفي مارس ٢٠١٥، تخلت "بوكو حرام" عن الالتحاق بالقاعدة، وأعلنت مبايعة تنظيم داعش، وغيرت اسمها إلى ولاية غرب إفريقيا.
وحسب السلطات النيجيرية، فإن الجماعة، شهدت انشقاقات العام الماضى، إثر إعلان "داعش" عن تفضيله "أبومصعب البرناوي"، وتعيينه أميرا للجماعة، بدلا من زعيمها السابق أبوبكر شيكاو، الذى تولى منصبه، بعد مقتل زعيمها التاريخى محمد يوسف، على يد قوات الأمن فى العام ٢٠٠٩.
وتسبب تمرد "بوكو حرام"، المستمر منذ ٢٠٠٩، في شمال شرقى نيجيريا، فى سقوط ٢٠ ألف قتيل على الأقل، بالإضافة إلى تشريد حوالي 6و2 مليون شخص، كما شنت الجماعة هجمات فى دول تشاد والنيجر والكاميرون المجاورة.