الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإيمان والإلحاد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتميز الإنسان بغريزة فطرية تدفعه للبحث عن الحقائق ومحاولة اكتشاف ما خفى عنه من المسائل والقضايا والأمور التى تكون محل تساؤل عنده . وتعد هذه الغريزة - التى يسميها البعض (حب الاستطلاع) - من الخصائص النفسية التى تظهر فى الإنسان منذ مراحل طفولته المبكرة .
ولا شك أن أصل نشأة العالم والإنسان أحد أهم المسائل التى لابد أن تشغل تفكير كل إنسان عاقل.
ولكل إنسان عقيدته الخاصة التى تفسر له هذه القضية، وهذه العقيدة قد يستمدها الإنسان من التأملات، أو الأديان المختلفة، أو بعض الأساطير، أو غير ذلك.
وإذا كانت بعض الديانات أو الأساطير قد حاولت أن تجد إجابة عن ذلك - وإن كانت ساذجة لا تقنع العقل - فإن الفكر المادى الذى يقوم عليه الإلحاد لم يقدم أى تفسير - مقنع أو غير مقنع - لوجود هذا العالم، بل غاية ما يمكن أن يقدمه هو دراسة ما يقع تحت سلطان العلم التجريبى، أما ما لا يقع فى نطاق المحسوسات فلا دخل للعلم التجريبى ولا للفكر المادى به. ومن ثم فلا إجابة عما يختص بما وراء الطبيعة.
فالكون فى عقيدة الملحد فاقد للبداية وفاقد للنهاية وفاقد للغاية، والحياة عنده أشبه بكتاب سقط منه فصول من بدايته، وفصول من آخره، فصار مبهما لا تفسير له ولا فائدة مرجوة منه.
وبتعبير آخر فإن الكون عند الملحد مادة أزلية قديمة، كونت لنفسها نظاما دون أن يكون لها غاية محددة، والإنسان جزء من هذا العالم المادى وحسب. فلا تفسير عند الملحد لبداية هذا العالم أو نهايته أو ظيفة الإنسان فيه.
ولا شك أن عدم وجود إجابة لهذه الأسئلة الوجودية الكبرى التى تشغل عقل الإنسان يسبب للإنسان خللا كبير على المستوى الفكرى والنفسى، ويترتب على ذلك خلل آخر فى موقفه من الحياة ومن الآخرين بل ومن نفسه.
فالإنسان الذى لا يعرف سببا لوجوده فى الحياة ولا هدفا منها لا يستطيع أن يفسر كثيرا مما يقابله فيها من صعوبات ومشكلات وتحديات وعلى ذلك لا يستطيع أن يتحمل ما يواجهه من أزمات، إذ تصبح الحياة فى نظره عبثا لا طائل منها، ويصير وجوده فى العالم لا قيمة له، وينتهى به الأمر بعد ذلك إلى محاولة الانغماس فى الملذات المادية ليحقق لنفسه السعادة فى هذه الحياة العابثة، أو قد ينتهى به الحال إلى الانتحار، ليتخلص من أزمة وجوده فى حياة لا هدف منها ولا غاية.
أما الإيمان فهو الذى يعطى الإنسان الطمأنينة فى حياته عن طريق إقناع عقله، فيذكر له أن هذا العالم إنما هو صنعة خالق عظيم حكيم، وأن الإنسان لم يخلق فيه عبثا دون فائدة، وإنما خلق من أجل أن يسعد فى الدنيا والآخرة، وأن حياة الإنسان تنتهى إلى خالقها مرة ثانية ليحاسبه عما فعل فى حياته، فمن الله المبدأ، وإليه المعاد (إنا لله وإنا إليه راجعون) وغاية الإنسان ووظيفته فى الحياة على ذلك واضحة، وهى إعمار هذا الكون والتحلى بالمثل والقيم التى دعا إليها الأنبياء والمرسلون، من أجل تحقيق السعادة فى الدنيا والآخرة كما قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ) [هود : 7].
وهكذا يتكفل الإيمان بتفسير نشأة الوجود تفسيرا يقوم على مقدمات منطقية يقبلها العقل – كمبدأ السببية وإبطال الدور والتسلسل - تفضى فى النهاية إلى وجوب التسليم بأن هذا العالم مخلوق، وأن خالقه واجب الوجود متصف بكل صفات الكمال، منزه عن صفات النقصان، وأن هذا الخالق لابد أن يكون مخالفا لكل حادث، وأن تدبير شئون هذا العالم لهذا الخالق القدير.
فهذا الوجود ليس إلها كما يقول أصحاب وحدة الوجود، وليس قديما كما يقول الفلاسفة، ولم يخلق نفسه كما هو لازم كلام الماديين ، وإنما هذا الوجود مخلوق حادث خلقه خالق حكيم قدير لا يشبه أحدا من خلقه، (وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك).
وبهذا تطمئن نفس الإنسان ويقتنع عقله إزاء ما يقدمه الإيمان بالله من الإجابة عن هذا السؤال الذى حارت فيه البشرية قديما وحديثا.