الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"الميادين العامة" بؤر لأطفال الشوارع في مصر.. مسئول سابق باليونيسيف: الظاهرة تضاءلت بصورة كبيرة.. ائتلاف حقوق الطفل: لا يستقرون في محافظة بعينها

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تقبع "آية" تلك الطفلة التي لم تتعد الثالثة عشرة من عمرها داخل ميدان التحرير خلال فترة ما بعد عصر اليوم حيث تستقر أمام المنصة، مؤدية العديد من الحركات البهلوانية في محاولة منها لجذب الانتباه ومن ثم الحديث مع المواطنين لجذب استعطافهم في براءة لا تخلو من روح الطفولة التي تمثلها تلك الطفلة عند العلم المرفرف في قلب الميدان.

لا يقف الأمر عند آية أو على ميدان التحرير، بل إن الظاهرة منتشرة بين الكثير من الأطفال من ذوات جنسها، تجدهم جميعا يؤدون دورهم في محاولة الحصول على بقشيش من أي إنسان يتجول في الميادين المختلفة، حيث يحضر هؤلاء الأطفال بصورة منتظمة على مدار اليوم والذي عادة ما يكون ما بين فترة العصاري والغروب وهي الفترة التي تتسم بنمو الحركة وزيادة عدد المارة، حيث يتاح لهؤلاء الحصول على لقمة عيشهم من وراء محاولتهم لطلب المساعدة من المواطنين والزوار

لا تنفصل حكاية الطفلة آية عن غيرها من الأطفال كخالد وسيد، اللذين أجبرتهم الظروف على أن يمتهنون التسول في الشارع وتحديدا عند كوبري المشاة الرابط بميدان حدائق القبة والذي يصل إلى مترو الأنفاق.

التسول هنا مختلف ولكن لم تختلف الأهداف وهي محاولة جذب التعاطف من المارة، فالطفلان يحملان بأيديهم "مقشة" ويقومون بكنس الكوبري من القمامة وتجميع كل الأتربة على السلالم ثم يقفون منتظرين أي حسنة قد يحصلون عليها.

أزمة أطفال الشوارع لا تقتصر عند تلك النواحي فحسب بل تجدها في ميدان رمسيس الذي يتخذونه مأوى لهم، حيث هناك الكثير منهم يبيتون في مربع الحديقة وبمحيط مسجد الفتح.

حينما تنزل إلى ميدان رمسيس تجد حولك الكثير من الأطفال الذين يتجولون في أنحاء الميدان منتظرين نظرة عطف من أحد المارة الذين بمحيط الميدان ويعتمد أغلبهم على فترة المساء من أجل طلب المساعدات بينما ينامون خلال فترة النهار، الأمر الذي يجعل من الميدان وكر لهؤلاء الأطفال، لاسيما مع وجود أعداد كبيرة من المواطنين داخله واقترابه من محطة قطار مصر.

وبسؤال أحد الأطفال القابعين بميدان رمسيس يؤكد أنه يعيش على الأموال التي يحصل عليها من تسوله في الميدان وهو ما شجعه عليه أهله للحصول على عائد مادي لاسيما أنهم أسرة فقيرة في الباطنية، مؤكدًا أن ارتفاع تكاليف المعيشة عليه وعلى أهله جعلته عرضه للتنقل هنا وهناك لكي يحاول مساعدة أسرته.

والواقع أن مشكلة الأطفال المشردين كبيرة لاسيما مع استغلالهم في الكثير من الأعمال المنافية للآداب ولمبادئ المجتمع بل ويتم تحويلهم إلى وسيلة في أيدي ذوي النشاطات الإجرامية فنجد خلال الفترة الماضية تم ضبط "توربيني" اغتصب نحو 61 طفلًا ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك رصد خلال الفترة الماضية لاستغلال الأطفال في أعمال عنف وسرقة وهو ما تم ضبطه بالدقي منذ أسابيع حيث نجحت الإدارة العامة لمباحث رعاية الأحداث فى ضبط تشكيل عصابى تخصص نشاطه الإجرامى فى استغلال أطفال الشوارع فى أعمال التسول وسرقة المبالغ النقدية المتحصلة من تلك الأنشطة.

المشردون خارج الملاجئ أو هؤلاء الهاربين من ذويهم زاد الاهتمام بهم وبمنع وجودهم بالشوارع، وهناك حاليا لجان مسئولة عن حل تلك المشكلة بصورة موسعة لاسيما بعد تخصيص صندوق تحيا مصر أموالًا لاختفاء تلك الظاهرة، حيث البرنامج القومى لحماية الأطفال بلا مأوى قرر تطوير 6 مؤسسات للرعاية الاجتماعية بمحافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية والشرقية والمنيا من حيث البنية التحتية والتجهيزات بتكلفة 85 مليون جنيه من إجمالي استثمارات 164 مليون جنيه هكذا قال الدكتور رياض أبو زيد، استشاري العمل الميداني عن أطفال الشوارع، ومسئول اليونيسيف سابقا.

وأضاف: المشكلة الوحيدة هنا هو هناك غياب لحصر الأطفال وتصنيفهم حسب طبيعة أوضاعهم وهو ما يعد المعوق الرئيسي في حل أزمة مشاكل هؤلاء الأطفال، حيث لا بد من أن يتم تصنيفهم ومن ثم وضع خطط وتنفيذها والعمل على عودتهم إلى منازلهم.

وأضاف أن هناك العديد من الأصناف للأطفال منهم الفئات المعرضة للخطر ومنهم من طردهم أهلهم ومنهم من هو بلا مأوى، لافتا إلى أن أخطر تلك الفئات هم الأطفال بلا مأوى حيث يوجد لديهم ثقافة عامة سلبية تجاه المجتمع وأفكاره فهو لا يثق في المجتمع الذي يعيش فيه وهو تربى على الحرية ولهذا فيرفض أن يكون هناك من يحكمه.

وبيّن أن هذا النوع أقدر على تسيير أموره وحماية نفسه، بينما هناك أصناف أخرى من الأطفال تأتي من المحافظات لكي تجلس في الميادين العامة وكانت تلك الظاهرة منتشرة خلال فترة ما قبل الثورة إلا إن الجهود المبذولة من قبل مؤسسات المجتمع المدني ومن الحكومة عملت على الحد منها إلى حد ما وإن كان هذا لا يمنع من استمرار تواجد هؤلاء الأطفال بالشوارع.

وأشاد أبو زيد، بالجهود المبذولة من قبل المجلس القومي للأمومة والطفولة وخط نجدة الطفل الذي يعمل بصورة دائمة ومباشرة، وهو ما ساهم في تقليل الظاهرة إلى حد ما، لافتا إلى أنه من المهم العمل على معاملة هؤلاء الأطفال بصورة تعيدهم إلى حظيرة المجتمع الذي نعيش فيه ليكونوا أفرادًا صالحين.

قال هاني هلال، رئيس ائتلاف حقوق الطفل، إن 80% من الأطفال الذين يقطنون في الشوارع لديهم أسر خاصة بهم وهربوا منها إلى الشوارع إلا إنهم حيث يفضل هؤلاء الأطفال المكوث في الشوارع، وباقي تلك النسبة فيكون إما بلا عائلة أو يكون هارب من داخل دار الحماية والإيواء، لافتا إلى أنه من الصعب إحصاء ظاهرة الأطفال بلا مأوى داخل مصر كون أن الأطفال دائمي الحركة فهم لا يستقرون داخل محافظة أو منطقة بعينها فقد يكون الطفل داخل محافظة معينة صباحا وداخل محافظة أخرى خلال فترة المساء، الأمر الذي يصعب من مسألة إحصاء أعدادهم بصورة حقيقية.

وأضاف أنه لا يوجد فجوات تشريعية داخل مصر فيما يتصل بالتعامل مع هؤلاء الأطفال بل إن قانون الطفل بتعديله خلال عام 2015 يضمن كافة الحقوق التي قد يحتاج إليها الطفل ولكن المشكلة هنا تكمن في تطبيق وتفعيل الإجراءات والقوانين الخاصة بتلك المسألة، خاصة أن هناك إساءة حول فهم والتعامل مع الأطفال بلا مأوى، حيث يتم إيداعهم داخل السجن أو اتهامهم بتهم ثابتة على الرغم من كونهم ضحايا البيئة التي يعيشون فيها.

وأضاف أن هؤلاء الأطفال عرضة للتحرش الجنسي واستغلالهم في الجريمة كالتسول والسرقة وغيرها من الأعمال المنافية للآداب العامة بل وقد يتم استخدامهم في عمليات تخريبية ضد البلاد أيضا كونهم قصر ومن السهل اللعب على عقولهم.

وأضاف أنه كممثل عن احدى جمعيات المجتمع المدني وبالإضافة إلى الجهاز القومي للأمومة والطفولة يقوم بمحاولة تقديم يد العون لهؤلاء الأطفال ومعرفة أسباب خروجهم من المنزل والتي عادة ما تكون بسبب مشكلات أسرية أو اقتصادية أو اجتماعية عصفت بالأسرة كارتفاع تكاليف الحياة أو الطلاق وعدم مراعاة الأبناء أو هروب الطفل بسبب تعرضه للعنف أو غيرها من المشكلات التي قد تقع له، مضيفًا أنه يتم بحث الأمر مع العائلات من أجل حل تلك المشكلات وعلاوة على هذا يتم إيداع الأطفال الآخرين داخل مؤسسات الإيواء.

وأضاف أحمد مصيلحي، رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال بنقابة المحامين، أن الأطفال الهاربين أغلبهم يأتون من الريف وصعيد مصر إلى المحافظات المليونية كالجيزة والقاهرة، حيث يأتون هربا من غياب وتدني الخدمات الموجودة هناك داخل تلك المناطق التي لا يوجد بها تعليم بصورة تجعلهم يرغبون بالاستمرار في الحياة بذات المنطقة.

ولفت مصيلحي، إلى أن الأطفال الذين لا يوجد لهم أهل هم الأكثر عرضة للكثير من المخاطر، مشيرا إلى أن مراكز الدور الاجتماعية عليها أن تحتوي هؤلاء الأطفال وأن تعمل الجهات والمنظمات المهتمة بالطفولة بتوفير الإرشاد التربوي والاجتماعي من خلال خبراء متخصصين في الشأن الاجتماعي وليس من خلال مربين دون رؤية، حيث إن وسائل التربية السلبية داخل الملاجئ تلعب دورًا كبيرًا، مؤكدا على ضرورة تفعيل دور القومي للطفولة والأمومة بصورة كبيرة.