الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الديمقراطية بين الممارسات والشعارات "3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا غرو فى أن أى خلل فى تلك العلاقة بين الحاكم والرعية يُرد إلى الطرفين، فتقديس الحاكم والتملق له أو تضليله أو تعجيزه أو التمرد عليه بغير حق من قبل الرعية يؤدى إلى استبداده وتجبره وانفراده بالرأى أو كذبه وخداع الرعية وخيانة الأمانة، وكذا آفة التواكل والتقاعس عن المشاركة الجادة فى مجريات الأمور سوف تؤدى حتما إلى نفس المصير، كما أن إهمال الحاكم تعليم الرعية وتثقيفهم وتوعيتهم ورعايتهم اجتماعيًا وصحيًا سوف يخلق من أفراد المجتمع جماعات فاسدة ومتطرفة فى ميولها إلى العنف أو الاستسلام ومواطنين غير منتمين مغتربين ويائسين أو أنانيين جشعين لا ولاء لهم لقيمة أو دين أو وطن أو مجتمع أو سلطة حاكمة. 
وبذلك كله تصبح الديمقراطية فى هذه المجتمعات مجرد شعارات أو أكاذيب يتلفظ بها المنتفعون لتخدير الشعب، فتستحيل الديمقراطية إلى دين فاسد أو إن شئت قل أفيون للشعوب، وذلك بفعل زاوية الدولارات والأموال التى تنفق على الناخبين وتجار الأصوات والمزورين والمتاجرين بالكلمات والوعود المعسولة قبيل الترشيحات والصناديق التى تُملأ بأصوات الجهلاء الطامعين أو الآملين فى تحقيق ما وُعدوا به من قبل الساسة، ثم تستحيل الديمقراطية على يد الحكام إلى يد باطشة بالشعب فتهدر كرامتهم وتسفه أحلامهم وتضيع حقوقهم، جزاء عادلا لاختيارهم الخاطئ. 
ومثل هذه المجتمعات لا مصير لها إلا الدمار - أى الزاوية الرابعة من المربع الذى تحدثنا عنه أو توهمناه - وعليه فالدرس الأول الذى يجب فعله هو اقتلاع ذلك الوهم من العقل الجمعى وإقناع الجمهور بأن أى حاكم أو مسئول ما هو إلا موظف عند الشعب ليخدمهم ويحقق كل بنود الاتفاق المبرم فى الدستور ونصت عليه القوانين، ومن ثم يصبح الدستور هو السلطان الحقيقى أى كلمة الشعب التى يحق له تعديلها أو العدول عنها وتغييرها.
وحرى بى التنبيه على أن إهمال محاسبة الحاكم ونقد أفعاله وسياساته وتقييم ما حققه من المهام التى كُلف بها يجب أن يكون المعيار الأول لانتخابه أو تنصيبه من قبل الشعب الذى يتحرى الدقة فى استقصاء بياناته ومعلوماته، كما أن الروح السلبية اليائسة من التغيير وإهمال الحق فى المشاركة فى الانتخابات يعد تنازلًا حقيقيًا عن تلك الغاية أو عن ذلك الشعار، فالتصريح بالرأى هو الأساس الأول الذى تبنى عليه لبنات ممارسة الديمقراطية.
أما الوهم الثانى الذى يجب اقتلاعه من ذهن العقل الجمعى فهو النظر إلى أوروبا باعتبارها الممثل الحقيقى للديمقراطية والنظر إلى المجتمعات الشرقية بعامة والعربية منها بخاصة على أنها شعوب وليدة ثقافة استبدادية جُبلت على التبعية والتسييس بمنطق العصا والجزرة، فمثل ذلك الوهم يُثبط الهمم ويثبت العقول، ويخلق رأيًا عامًا عاجزًا عن اتخاذ أى قرار إصلاحى أو يقتل أى رغبة فى التغيير. وتشهد الواقعات والدراسات العلمية المعاصرة أن ذلك النموذج المُتوهم (الديمقراطية الأوروأمريكية) أبعد ما تكون فى الممارسة والتطبيق عن المقصد المنشود من الديمقراطية وحقوق الإنسان فما أكثر الجرائم التى يرتكبها الديمقراطيون باسم مصالحهم الاستراتيجية أو الأيديولوجية أو الاجتماعية والاقتصادية، فزاوية المال هى التى تسيس الجماهير للاختيار أو الاستبعاد، كما أنها تساهم بقوة فى تزييف الحقائق وذلك على ألسنة وبأقلام رجال الإعلام، الذين نجحوا إلى حد كبير فى تقييد كل أشكال الحريات، ومن يطالع كتابات فلاسفة السياسة الغربيين سوف يتيقن من أن الديمقراطية التى يتشدق بها ساسة أوروبا ما هى إلا جزء من أوهام المجتمع الافتراضى أو يوتوبيا ما زال المجتمع الغربى يحلم بها، وعليه يجب أن نتحرر من ذلك الوهم ونثق فى أنفسنا، ونُعول على عقولنا وسواعدنا ونتخير من النظم السياسية ما يتواءم مع ثوابتنا ومشخصاتنا، وفى مقدمتها تلك المشخصات التى تكفل لكل فرد فينا (حرية البوح والاعتقاد والتفكير والمرأة) شريطة أن تُؤسس هذه الحريات على قاعدة متينة من العقلانية والوعى، وأن يكون المقصد الأوحد من ممارسة أى نظام سياسى هو تحقيق السعادة والطمأنينة والأمن والرخاء لأفراد المجتمع.
وأن مثل ذلك المطلب لا يمكننا إدراكه إلا بحسن الممارسة. والسؤال المطروح هل للديمقراطية مكان فى حياتنا؟ 
وللحديث بقية