الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

واسيني الأعرج: تجربة مصر في حربها على الإرهاب تختلف عن الجزائر

 الروائى الجزائرى
الروائى الجزائرى الكبير واسينى الأعرج
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بين مصر والجزائر مسافة كبيرة من الممكن أن تسهم فى عدم إطلاع المصريين الأمثل على الواقع الثقافى بها؛ من كتاب جدد وفنانين تشكيليين وأخبار أدبائها البارزين ومبادرات وجوائز وأنشطة، لكن هذه النظرة لا تنطبق على الروائى الجزائرى الكبير واسينى الأعرج، الذى التف حوله المئات من زوار معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الــ ٤٩، بشكل يشبه التفاف الجماهير حول نجوم الشباك فى السينما؛ مئات المصريين والعرب تهافتوا على حفلات توقيعه لأحدث رواياته؛ كما تهافتوا على ندوته التى اكتظت بالصحفيين والإعلاميين، وأثارت تصريحاته جدلا فى جميع وسائل الإعلام المصرية والعربية؛ واسينى المنحاز دائما للحريات والتنوير والمهمشين فى الثقافة العربية؛ تلتقى به «البوابة» على هامش فعاليات المعرض؛ والتحاور مع الأعرج عملية لا يتمنى المحاور له أن تنتهى نظرا لموسوعية الرجل وإلمامه بالثقافة العربية تماما، وامتداد ثقافته لتشمل بقية الفنون الأخرى، بخلاف الأدب كالفن التشكيلى والمسرح والموسيقى أيضا تمتد لتشمل عددا من القضايا المجتمعية...
فعن الدورة الـ ٤٩ لمعرض القاهرة الدولى للكتاب؛ يقول «الأعرج» إن «القاهرة للكتاب» يتميز دائما بكثرة ندواته وكثرة دور النشر المشاركة فيه ما يتيح تقديم منتجات ثقافية جبارة ومكثفة، مشيرا إلى أنه اعتاد زيارته ورؤية ذلك، معربا عن سعادته بهذه الدورة كون الجزائر ضيف شرفها، ولها جناح ضخم يتوافر فيه معظم إصدارات كتابها ومفكريها، مؤكدا أن المميز أيضا فى المعرض إقبال الناس وتفاعلها مع كل هذه المظاهر الثقافية.
فى الدورة الــ ٤٩ توافد عدد كبير من جمهور الروائى على جناح مكتبة «تنمية» للمشاركة فى حفل توقيع أحدث أعماله الروائية الصادرة حديثا عن دار الآداب فى العاصمة اللبنانية بيروت، تحت عنوان «مي»؛ ولهذه الرواية التى تصل أعداد صفحتها إلى ٣٥٠ صفحة، عنوان جانبى آخر، وهو «ليالى إيزيس كوبيا- ثلاثمائة ليلة وليلة فى جحيم العصفورة»؛ وتدور حول الأيام الأخيرة فى حياة الأديبة المصرية اللبنانية مى زيادة، والتى عاشت فيها بمصحة نفسية تدعى «العصفورة» فى بيروت، بعد أن تم اقتيادها من مصر إلى هناك وعاشت خلالها حالة مأساوية بعد، حيث إنها أُجبرت على الرحيل.
مى زيادة
عنها قال «واسيني»، إن اهتمامه بمى زيادة يمثل اهتماما بالمرأة العربية تمًّا، مشيرا إلى أنه سئل فى لقاءات صحفية عدة عن سبب اختيار مى زيادة للكتابة عنها، وهو كاتب جزائرى، ومى كاتبة لبنانية مصرية، وكان واسينى يرد دائما أنه كتب عنها من نزعة عربية كونه أديبا عربيا، ويؤكد كلامه بالإقبال الشديد من قبل النساء على هذه الرواية فى الجزائر، وفى بلدان عربية عدة، وهذا الإقبال يؤكد أن شخصية مى وهمها الإنسانى ينعكس فى عدد كبير من النساء العربيات، مشيرا إلى أن الرواية احتلت أبرز نقاشاته فى المعرض، معربا عن سعادته بإطلاق الطبعة المصرية منها والتى صدرت خلال الأيام الأولى للمعرض عن دار «بردية» للنشر. وبسؤاله عن كيف له كأديب جزائرى أن يكتب عن امرأة نصفها مصرى ونصفها الآخر لبناني؛ ضحك الأعرج، وقال إنه يكتب عنها كونها امرأة عربية فى الأساس، وقصتها تحمل هما إنسانيا، فيتناول جانبا عن مى زيادة لم يتناوله أحد وهو الجانب المأساوى فى حياتها، موضحا أن أبطال روايته معظمهم مصريون، ومنهم طه حسين والعقاد والحكيم، وجميع من عرفوا مى وصادقوها؛ وأشار الأعرج إلى أن شخصية مى تنعكس كثيرا على شخصيات نساء جزائريات، فمى كتبت عن الكثير من الأمور فى الحرية والتنوير والريادة، وفوجئت أن الجمهور فى الجزائر يقبل على الرواية بشكل كبير، وهو انعكاس على تماسهم مع المأساة، مؤكدا أن رواية مى زيادة ليست تاريخية رغم مجهود الحصول على الوثائق.
التاريخ
معظم النقاد الذين تناولوا تجربة واسينى الأدبية سلطوا الضوء على معالجته للتاريخ؛ فواسينى من أكثر الأدباء العرب الذين شاكسوا التاريخ وعالجوه معالجة درامية؛ وفى هذا الصدد تبرز مشكلة أزلية عقدت لها ندوة كبرى فى القاهرة، بعنوان: «التاريخ والدراما»؛ والإشكالية تكمن فى الانتقادات والهجوم الذى يتعرض له الأديب حين يتناول شخصية أو حدثا تاريخيا، ويغير فى الأحداث أو المعلومات الراسخة فى الوعى الجمعى؛ يصل الأمر أحيانا إلى حد المقاضاة من قبل أسرة الشخصية التاريخية؛ «واسيني» أكد أنه تعرض لهذا الهجوم كثيرا، ومن أبرز الهجمات الشرسة التى يتذكرها هجوم حفيدة الأمير عبدالقادر الجزائرى، حينما كتب عنه رواية أبرزته كإنسان له أخطاء مثلما له إيجابيات؛ الأعرج يوضح أن الأمير عبدالقادر فى الجزائر يعتبر شخصية أسطورية، فبجانب نضاله ضد الاحتلال الفرنسى كان نصيرا للأقليات الدينية، وكان صوفيا وشاعرا لكنها فى النهاية إنسان مثل أى إنسان حين أبرزت روحه الصوفية انتقدتنى حفيدته فكانت تريده متدينا فقط وسلفيا إذا جاز التعبير. وعن الحل فى أزمة واقع التاريخ والجنوح إلى التخييل؛ اقترح واسينى أن الحل يكمن فى المزج بين المعايير الثقافية والحضارية العامة التى تحيط حول الشخصية التاريخية أو الحدث التاريخى، وما بين إحساس الأديب بالتفاصيل الدرامية.
الحرب على الإرهاب
على العديد من الموائد الثقافية فى مصر تثار قضايا محاربة الإرهاب نظرا لما تتبناه مصر من حرب على هذه العناصر التكفيرية التى تريد تمزيق وخراب المجتمع؛ وفى كل مائدة تقريبا تثار قضية التجربة الجزائرية وحربها على الإرهاب، فالبعض يشير إلى تطبيق هذا النموذج فى مصر بعد النجاح الذى حققته الجزائر، ويستمر صداه حتى الآن؛ فى هذا الصدد واسينى لم يتفق مع تطبيق التجارب ويؤمن أن لكل مجتمع خصوصيته، فيقول: «الجزائر دفعت ثمنا كبيرا فى حربها على الإرهاب، فبعد سنوات من الحرب لم ينجح فى الانتصار على الإرهاب سوى من خلال مصالحة وطنية شاملة، ثم بعد ذلك اشتغلنا على انتشال الجزائر من محاولات التفقير على مستويات عدة سواء الثقافى أو الاقتصادى، وإعادة البناء والإعمار بعد ذلك، مشيرا إلى أن تجارب البلدان ليست مثل بعضها، فمن الصعب مقارنة تجربة مصر بالجزائر؛ لأنه فى الجزائر كان الشباب المنضمون للإرهاب ناس بسطاء استقطبهم رجال دين متشددين، لكن معظم الناس المنضمة لهم والمغرر بهم لم يكن لديهم توجهات دينية بالمعنى».