السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

ثورات الـ«كيبورد».. من الـ«فيسبوك» إلى ساحات الإرهاب

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أمريكا تلجأ للإنترنت بعد فشلها فى فرض قوتها الناعمة
دراسات المركز العربي للبحوث
استمرارا لسياسة التعاون بين «البوابة نيوز» والمركز العربي للبحوث والدراسات ننشر اليوم دراسة للدكتور إبراهيم نوار رئيس الوحدة الاقتصادية بالمركز العربى للبحوث ودراسات النمو السكاني وعلاقته بالأمية والنمو الاقتصادي.



حاولت الولايات المتحدة أن تفرض قوتها الناعمة فى أواخر الثمانينيات من القرن الماضى، بإقرار ما أسمته النظام الإعلامى العالمى الجديد «New Word Communication Order».

وكانت منظمة اليونسكو ساحة لحوارات مريرة حول التدفق العالمى للمعلومات، وتركزت عديد من النقاشات على أن وكالات الأنباء الرئيسية التى تسيطر عليها الدول الغربية تشوه ما يجرى فى الدول النامية، وأن وسائل الإعلام الغربية أصبحت ذات قوة متزايدة، وأن أقمار البث المباشر أصبحت تمثل تهديدًا أكبر لأن إشارتها تغطى عددًا من الدول بالترفيه والتسلية المتلفزة، حاملة المعلومات والثقافة فيما وراء قوة الحكومات الوطنية فى دول العالم الثالث.


ونحن لسنا فى حاجة لأن نقول إن أعداء حرية المعلومات عارضوا بشدة فكرة النظام الاتصالى والمعلوماتى العالمى الجديد، مقتنعين بأن معظم المعارضة نابعة من الخوف من قِبَل هذه الأنظمة من وسائل الإعلام التى قد تكون المسمار الذى يُدَق فى نعش النظم الديكتاتورية التى أوجدوها فى بلادهم.

وقد ناقش المعارضون، من بين أشياء أخرى، أن الاقتراح ليس سوى رغبة لتوسيع مفهوم الرقابة لتمتد على مستوى دولى بعد أن كانت على مستوى محلي، وهو الهدف الذى من خلاله يمكن أن تتحقق الاستمرارية للحكومات الفاسدة، ويتم إخفاء بؤس وفقر غالبية شعوبها.

وبعد فشل الولايات المتحدة فى فرض قوتها الناعمة عن طريق إزالة كل العوائق أمام ثقافتها وإعلامها للدخول إلى كل دول العالم، فكرت فى منحى آخر، وهو الطريق السريع للمعلومات «Super Information Highway»، وذلك للعمل على توسيع مجال الاتصال فى ثلاثة ميادين مهمة؛ وهى أن هذا الطريق يمدنا بوسائل إعلام جديدة ومزيد من الخيارات الاتصالية، والتى تعمل على زيادة البدائل المطروحة أمام الفرد، وهى البدائل التى تفصلنا عن الأسرة والمجتمع ومفهوم الدولة، كما أن هذا الطريق يتميز بأنه تفاعلى يربط الناس الذين قد لا يرون بعضهم البعض إطلاقًا من خلال البريد الإلكترونى والصحف الإلكترونية والأدوات التفاعلية الأخرى، كما أن الطريق السريع للمعلومات يخلق وسائل ربط بعيدة للأنشطة الشخصية.

وجاءت الخطوة المهمة لتمكين الولايات المتحدة فى فرض قوتها الناعمة مع نشوء شبكة الإنترنت وبدء الاستخدام الجماهيرى لها فى دول العالم المختلفة، ومن بينها الدول النامية، وقد حثت الطبيعة المتفردة للإنترنت كوسيلة اتصال جديدة، قادة العالم على تشكيل سياسة للتعامل مع هذه الشبكة، فقد عقدت الدول السبع الصناعية الكبرى «المؤتمر الوزارى لمجتمع المعلومات» عام ١٩٩٦.

وقد تمت الموافقة فى هذا المؤتمر على مجموعة من المبادئ، ومن بينها تشجيع المنافسة والاستثمار الخاص، وتحديد إطار عمل تنظيمى ملائم، وإتاحة الوصول المفتوح  «Open Access»، للشبكات، وضمان الوصول العالمى للشبكة، ودعم المساواة فى الفرص والتعددية فى المحتوى.


الإنترنت والقوة الناعمة

بنهاية ٢٠١٦ أصبح نصف سكان العالم تقريبًا من مستخدمى الإنترنت مع تزايد شبكات الهواتف المحمولة وهبوط الأسعار، ولكن هذه الأعداد تظل متركزة فى العالم المتقدم، مع ازدياد مستخدمى الإنترنت فى الصين، وهو البلد الذى يضم أكبر عدد من مستخدمى شبكة الإنترنت على الصعيد العالمي، ليتخطى ٧٠٠ مليون شخص، مشكلًا أكثر من نصف إجمالى متصفحى الإنترنت فى العالم.

على صعيد مختلف، تعقد غالبية وسائل الإعلام شراكات مع الجهات الوافدة حديثًا إلى مجال الإعلام، لتعزيز انتشارها على محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي، لكن الأرباح المالية لا تزال غير مضمونة، وليس النموذج الاقتصادى هو وحده الشائك بالنسبة إلى وسائل الإعلام فى منصات الإنترنت، فالمسألة تطال أيضًا المحتويات وترتيبها الخارج عن سيطرة وسائل الإعلام والخاضع لمعادلات المحركات.

وأعلن كل من «فيسبوك» و«تويتر» وحوالى ٢٠ وسيلة إعلام، من بينها وكالة «فرانس برس» الانضمام إلى اتحاد يجمع الوسائل الإعلامية والمجموعات التكنولوجية يقضى الهدف منه بتحسين نوعية المعلومات المنشورة على الإنترنت، بما فى ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويثير الدور المتنامى لشبكات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك»، قلقًا إزاء طرق نشر المعلومات وانتقائها، عند انتشار أخبار مزيفة أو خاطئة بسرعة البرق مثلًا.


الإدارة الأمريكية وشبكات التواصل 

تمثل الفلسفة الأمريكية لدور شبكات التواصل الاجتماعى وأدوات الإعلام والاتصال الخلفية الفلسفية والفكرية لاستراتيجيات وسائل الاتصال والإعلام التى تتبناها وزارة الخارجية الأمريكية، وهى نفسها خلفية المدرسة الأمريكية الكلاسيكية، التى صاغها المفكر وعالم الاتصال الكندى مارشال مكلوهان، التى تقول: «إن شكل وطبيعة وسائل الاتصال والإعلام فى أي مجتمع وأي عصر، هى التى تصوغ شكل التنظيم الاجتماعى والسياسى وليس العكس، وأن نشر وتعميم وسائل الاتصال والإعلام فى المجتمعات هو لأن أدوات ووسائل الاتصال والإعلام تخلق شروطا لنمو البيئة الليبرالية التحررية والديمقراطية فى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ومن يتصفح الموقع الإلكترونى الرقمى التابع لوزارة الخارجية الأمريكية يجده حافلًا بالوثائق التى تؤكد هذا المنحى، وذلك من خلال تمويل الوزارة لمشروعات وصول شبكة الإنترنت إلى كل إنسان على وجه الأرض، بتكلفة شبه مجانية على المشترك والمستخدم، وتمويل مشروعات وتقنيات تكنولوجية مضادة للاحتواء والتحكم لمنع الحكومات والأنظمة فى مختلف دول العالم من السيطرة والرقابة على أنشطة المستخدمين، أو التحكم بمستخدمى الشبكة، وربط وسائل التواصل الاجتماعى على الإنترنت بالهاتف المحمول لجعله بعيدًا عن شبكات الاتصالات المحلية الخاضعة لسيطرة الحكومات.

وتتبنى الإدارة الأمريكية استراتيجية لنشر شبكة الإنترنت وتعزيز القوة السيبرانية لتحقيق مجموعة من الأهداف العامة، وخاصة شبكات التواصل الاجتماعى فى العالم، وفى الساحات المعادية لها على وجه التحديد، نذكر منها:

- عولمة البشرية وربطها بشبكة التكنولوجيا الأمريكية فى إطار تعزيز القوة السيبرانية، وهو المصطلح الذى استخدمه «جوزيف ناي» منظر القوة الناعمة قائلًا: «إن هذه القوة ستكون الأخطر والأفعل فى القرن الحادى والعشرين»، وهو ما عبرت عنه نصوص المجلة الإلكترونية لوزارة الخارجية الأمريكية بالنص الآتي: «لقد وضعنا العالم بين أصابع أيدى المستخدمين، فالمستخدم يتعرف على العالم من خلال لوحة الكيبورد «Keyboard»، أو شاشة اللمس «Touch» فى الهواتف الذكية، ما يؤدى إلى برمجة الأفراد المستخدمين لهذه الشبكات على أنماط تفكيـر المدرسة الليبرالية الأمريكية وسلوكياتها ومنظومة قيمها.

- ربط الأفراد والمجتمعات بشبكات التواصل الاجتماعي، التى هى أدوات «التكنولوجيا السياسية» Political Technology  وفق تعبير إريك شميدت، مدير شركة «جوجل» العالمية، فقد لعبت هذه التكنولوجيا السياسية دورًا فى تحريك وتعبئة الاحتجاجات فى إندونيسيا عام ١٩٩٨ لإسقاط سوهارتو، وفى احتجاجات هونغ كونغ عام ٢٠١٤ لإسقاط الوصاية الصينية على حكومتها، وفى أحداث ما سُمى بالـ «الربيع العربي»، فمن يقرأ كتاب: «كيبورد وميدان» الذى أصدرته «المنظمة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» عام ٢٠١٢، يتأكد من ثنائية التكنولوجيا والسياسة، فالكيبورد (لوحة المفاتيح) له دلالة على مفردة التكنولوجيا، والميدان له دلالة على التأثير والدور السياسي، ومن هنا ليس صدفة قول، أليك روس، المستشار التقنى لوزارة الخارجية الأمريكية: «إن الإنترنت أصبح تشى جيفارا القرن الحادى والعشرين».

- استكشاف وبناء القيادات المستقبلية، والتعرف على الناشطين، ودعم شبكاتهم ومنظماتهم، بدليل تأسيس الخارجية الأمريكية لتحالف المنظمات الشبابية، الذى يديره، جادر كوهين، مدير لجنة التخطيط السياسي، كما يستدل على ذلك، أيضًا، من خلال نشر موقع وزارة الخارجية الأمريكية كتاب ودليل إرشادي لتأسيس وتنمية «منظمات المجتمع المدنى»، وغيره من الكتب والأدلة الإرشادية للغاية نفسها.

- توحيد اتجاهات المعرفة البشرية: فموسوعة «ويكيبيديا» العالمية تديرها الإدارة البريطانية - الأمريكية، وهى مصممة لإعادة كتابة موسوعة ودائرة معارف عالمية، حيث يتردد عليها حوالى نصف مليار طالب وباحث حول العالم.

- تعزيز فكرة العولمة الجغرافية والحدود المفتوحة، حيث تلعب خرائط «جوجل» الجغرافية Google Maps دورًا ناعمًا فى هذا المجال، باعتبارها أداة للتجسس من خلال جمع المعلومات وأرشفة الصور والخرائط، التى ينشرها مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي، وربطها بوكالة الأمن القومى الأمريكى للمعلومات الجيومكانية (National GeospatialIntelligence Agency  NGA).


تحولات القوة الناعمة

(1)                    ثورات القوة الناعمة فى الوطن العربي

وضع المفكر والباحث العربى اللبنانى، على حرب، بصمته الفكرية الجريئة، وهو يصدر مؤلفه الفكرى فى طبعته الثانية لسنة ٢٠١٢، وذلك بعد الطبعة الأولى لسنة ٢٠١١، والمعنون بـ: «ثورات القوة الناعمة فى العالم العربي، من المنظومة إلى الشبكة»، وقد قام بهذا العمل التحليلى لظاهرة مركبة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وفكريًا، وهى «الثورة»، خصوصًا تلك التى عرفتها شعوب الدول العربية غربًا وشرقًا.

ويبرز عنوان هذا المؤلف، ليختزل موضوعه بشكل تركيبي؛ فالثورة الناعمة مصطلح جديد ارتبط تشكله بظهور ثورات الشعوب السلمية، حيث سمة اللا عنف هى الميزة الأساسية التى يختزلها المصطلح، والشق الثانى من العنوان «من المنظومة إلى الشبكة»، يختزل كيفية تحول الأفكار والقيم الوطنية فى ظل تحولات الوسائط البشرية التواصلية الجديدة، فلقد تطرق الكاتب إلى طريقة التحول هذه فى ظل ثورات الربيع العربى التى استطاعت أن تستثمر وسائل التكنولوجيا والتواصل الحديثة لكى تبنى قيمًا جديدة انفكت من المنظومات السلطوية التقليدية بما فيها أنظمة الحكم السياسية والدينية والتاريخية، لكى تتحرر فى إطار قيم كونية مترابطة فيما بينها.

ويشكل موضوع الثورة جوهر هذه الدراسة وكُنهها فى علاقتها بعملية التحديث الفكرى والاجتماعى والسياسى لمجتمعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لقد اعتبر الكاتب هذه الثورات امتدادًا للثورة الفرنسية وعصر النهضة والليبرالية فى الوطن العربي، لأنها ليست ثورات أيديولوجية بل اجتماعية فكرية عفوية، حيث السمة المميزة لها هى ظهور الفاعل الرقمى الذى بدأ يصنع التاريخ ويغير الواقع فيما القوى التقليدية لم تستطع فهم تحول مجريات الأحداث، مما جعلها ترفض العولمة والتواصل الرقمى الجديد، إنها ساهمت فى سقوط أقنعة الأنظمة العربية التقليدية والأيديولوجيات الآفلة والتيارات الأصولية وشعاراتها أمام ثورة العولمة والمعلومة وتحرر الفكر العربي، لذلك، فإن هذه الانتفاضات تعطى مصداقية لفوكوياما وليس لصمويل هنتينجتون، الأول نظر بعين الذاكرة الماضية الموروثة لحركة الشعوب، فى حين تنبأ الثانى بانتصار الديمقراطية فى زمن العولمة الليبرالية.

 إلا أن القوة الناعمة التى تحدث عنها على حرب، فى كتابه المهم، لم تكن وليدة المنطقة العربية ولا هى مَن وجهتها هذه الوجهة، فقد كان هناك آخرون هم مَن يوجهون هذه القوة الناعمة ويوظفون آلياتها وأدواتها ووسائلها من «إنترنت» و«فيسبوك» و«تويتر»؛ فقد تسلل «جارد كوهين Jared Cohen» قبل اندلاع ثورات الربيع العربى إلى عالمنا العربي.

وجارد كوهين، دبلوماسى أمريكى من أصول يهودية، عُين فى العام ٢٠٠٦ رئيسًا لقسم التخطيط السياسى فى وزارة الخارجية الأمريكية، ومديرًا لتحالف المنظمات الشبابية بتوجيه من كوندليزا رايس مستشارة الأمن القومى ووزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك.

 وفى المجال العربي، يمكن تسليط الضوء على السيرة العملية لشخصية «كوهين» المحورية، التى لعبت دورا مهما فى مجال التغلغل الثقافى والسياسى الأمريكى فى عقول الجيل العربى الشاب حيث تظهر تحركاتُه المنهجية الصلة الوثيقة، وعامل الارتباط بين شبكات التواصل الاجتماعى والحرب الناعمة على العالمين العربى والإسلامي، وخصوصًا على محور المقاومة.

وقد ألقى «كوهين» فى شهر أكتوبر من العام ٢٠٠٧ محاضرة فى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تحت عنـوان: «النساء والشباب والتغيير فى الشرق الأوسط ومفهوم الديمقراطية الرقمية»، حيث تحدث فيها حرفيًا عن استراتيجية الدبلوماسية الرقمية قائلًا: «الشباب والنساء فى الشرق الأوسط أصبحوا ناضجين لاستقطاب التأثير الخارجى عبر بوابات التكنولوجيا التى تشمل الفضائيات التليفزيونية والهواتف المحمولة وشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي»، كما كتب «كوهين» مع أستاذه الدكتور إريك شميدت Eric Schmidt مدير شركة «جوجل» Google كتاب: «العصر الرقمي»، وكتب سابقًا «أطفال الجهاد Children of Jihad» كاشفًا بعضًا من عقيدة التكنولوجيا السياسية Political Technology التى سيطرت على عقول النخبة الأمريكية فى الآونة الأخيرة.

واعتمد «كوهين» على بناء شبكة علاقات مع الناشطين الشباب، وقام بأدوار ميدانية، حيث زار سبعين بلدًا، معظمها فى العالمين العربى والإسلامي، ووصل فى بعضها إلى المخيمات الفلسطينية فى عين الحلوة ومية ومية قرب مدينة صيدا (جنوب لبنان)، ويحفل موقع «اتحاد المنظمات الشبابية» الذى يديره «كوهين» بصُوَرٍ فوتوغرافية أُخذت له مع العشرات من الشباب والناشطين الفلسطينيين والعرب، وهى لا تزال منشورة على صفحات موقع وزارة الخارجية الأمريكية.

 وأشرف «كوهين» فى العام ٢٠٠٨ على خطة وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية تحت عنوان: «تحالف الحركات الشبابية»، حيث تركز الخطة على كيفية استخدام المواقع الإلكترونية الاجتماعية مثل «فيسبوك» كأداة لتعزيز التنظيمات والنشاطات الشبابية ضد بعض الأنظمة، من أبرزها النظام الإسلامى فى إيران، كما شارك «كوهين» فى «مجموعة العمليات الإيرانية - السورية»، التى سُميت «إيسوج» ISOG، وهى مجموعةُ عمل مشتركة بين هيئات مسئولة عن التخطيط والتنفيذ لأعمال سرية ضد إيران بهدف تغيير نظام الحكم فيها.

وفى العام ٢٠١١، عام الثورات العربية، برز دوره من خلال اتصالاته التنسيقية مع الناشط المصرى «وائل غنيم» الذى كان يعمل مديرًا لفرع شركة «جوجل» Google فى مصر والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يُعد «وائل غنيم» من الذين ألهبوا احتجاجات الثورة المصرية فى ٢٥ يناير من عام ٢٠١١ من خلال نشاطه عبر صفحة «كلنا خالد سعيد»، ورسائله وخطاباته التليفزيونية، ومن أوائل الذين نزلوا إلى شوارع القاهرة.


(٢)  شبكات التواصل الاجتماعي: القوة الناعمة للإرهابيين

توجد خمسة مغريات للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي: أولها البعد عن سيادة الدول، وثانيها إتاحتها للجميع وصعوبة السيطرة عليها من قِبَل الأجهزة الأمنية، وثالثها تقديمها خدمة الاتصال والتواصل السريع بين الأعضاء والمؤيدين بطرق شتى، ورابعها توفير منصات إعلامية للدعاية لأنشطتها وأفكارها، وخامسها إمكانية النشر المكثف للصور والأفلام والوثائق التى تدعم الأفكار التى تروج لها.

وقد حرص تنظيم «داعش» على نشر كتيب إرشادى بين اتباعه لوضع قواعد استخدام شبكات التواصل الاجتماعى مثل «فيسبوك» و«تويتر»، مشددًا على أفراد الميليشيات عدم وضع معلومات وصفية عن أنفسهم فى الحسابات المستخدمة، وكان التنظيم حريصًا على إشعال «البروباجندا» على صفحات شبكات التواصل الاجتماعى لتشجيع الآخرين على الانضمام إلى ميليشيات تنظيماته، وذلك بنشر صور تعرض أسلوب حياة مقاتلى التنظيم، وصور رؤوس أعداء التنظيم المفصولة عن أجسادها، لكنه توصل إلى خطورة ذلك على المقاتلين، كما توصل التنظيم إلى أن استخدام حسابات على شبكات التواصل الاجتماعى يمد أجهزة الاستخبارات الغربية بمعلومات قيمة عن مواقع الميليشيات، ويكشف عن هويات المقاتلين مما يجعلهم هدفًا لطائرات الحلف الدولى المناهض للتنظيم المتطرف.

وفى إطار حروب «الهاشتاج»، نشر تنظيم «داعش» مقطع فيديو عبر موقع التواصل الاجتماعى «يوتيوب»، يدعو فيه المقاتلين إلى المشاركة فى «هاشتاج» على شبكات التواصل الاجتماعي، تحت عنوان «#سيناء_عرين_الموحدين»، ويهدف التنظيم من وراء ذلك جمع الجهاديين فى المنطقة تحت هذا الهاشتاج، بهدف غزو سيناء، ومن الواضح أن القوات المسلحة المصرية قامت بإنشاء منطقة عازلة على الحدود بسيناء، بهدف تأمين سيناء من العمليات الإرهابية ومنع تسلل التكفيريين، عقب الحادث المروع الذى وقع بكمين «كرم القواديس» بالشيخ زويد بالعريش.

كما نشرت صحيفة «ديلى تلجراف» Daily Telegraph فى إحدى افتتاحياتها مقالًا لـ «كون كوفلين» بعنوان «كيف ساهمت وسائل التواصل الاجتماعى فى نشر سموم تنظيم داعش؟»، وقال كاتب المقال إن «إدوارد سنودن» المتعاقد السابق فى وكالة الاستخبارات الأمريكية مهد الطريق أمام ظهور نوع جديد من الدعاية للمتطرفين، مضيفًا وبطريقة استهزائية بأن على «سنودن» الذى يتمتع بملجأ آمن فى روسيا أن يكون فخورًا بنفسه، لأنه لم يكشف فقط عن كيفية تجسس الولايات المتحدة وحلفائها على أعدائها، بل علّم جيلًا كاملًا من المتطرفين أفضل طرق استخدام وتوظيف الإنترنت لنشر أفكاره.