الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الاعتدال قوة وليس ضعفًا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى أقل من أسبوع أدرك المصريون أن القيادة السياسية تسير فى خطى ثابتة لتحقيق الأمن القومى والمصالح العليا للوطن، رغم المؤامرات، وحقول الألغام التى تحاول تركيا وأتباعها زرعها فى طريق التقدم المصري. 
ليس من باب المصادفة أنه فى وقت واحد وتوقيت واحد أن يكون فى القاهرة رئيس إريتريا ووزير خارجية تنزانيا، وهاتان الزيارتان لهما دلالات كبيرة لسياسة مصر الأفريقية، ومدى ارتباط هاتين الدولتين بالسياسة المصرية التى تحافظ على استقلالية القرار الأفريقى فى القرن الأفريقى والبحر الأحمر، على خلفية تمكن أردوغان من إقامة قاعدة فى الصومال، ومؤخرا حصوله على جزيرة سواكن التى تطل على البحر الأحمر.
وتمثل إريتريا أهمية كبيرة للدول التى تقع على البحر الأحمر، نظرا لما تتمتع به من عمق استراتيجى لكل الدول المطلة على البحر الأحمر، باعتبارها البوابة الجنوبية المشرفة على مضيق باب المندب، بخلاف أنها حلقة اتصال تجارى وحضارى بين أفريقيا وشبة الجزيرة العربية. 
منذ انتخاب الرئيس السيسى لرئاسة الجمهورية والسياسة المصرية تدرك أن الاعتدال هو الواجهة الإلزامية لإنقاذ الوطن بكل ما يحيطه به من مخاطر وإرهاب ومحيط كارثي.
هناك من يريد تطويق مصر ولا بد من مواجهته، أيضا هناك من يريد أن يمنع الحياة عن مصر ببناء سد النهضة ولا بد من مواجهته، وهناك من يريد أن تستمر الحرائق فى المنطقة خاصة على الحدود المصرية، وتتم هذه المخططات فى وقت يستعد فيه المصريون لانتخابات رئاسية جديدة، ويتم هذا المخطط فى وقت يفترض بالمصريين أن يختاروا بين التطرف والتزمت وبين الاعتدال.
ليس صحيحا أن الاعتدال ضعف، إنه اختيار صعب فى وسط صيحات التعصب ونزعات التطرف، لكنه قوى بل قوى جدا بموازين الحياة الكريمة، وصلابة الحق وقيم الخير والعدل، وإنسانية الإنسان، والاعتدال قوى أيضا بالإرادة العازمة التى لا تلين من أجل الإصلاح والنهوض.
فى محيطنا الأقرب والمدى البعيد، بالاعتدال البلد من يوم إلى يوم تتحسن بشكل ملموس، بفضل المشروعات الكبرى وشبكة الطرق العملاقة التى تربط المحافظات ببعضها، وهو ما يشير إلى أن الأوضاع تتحسن، وهذا ما لايريده البعض لمصر، ويراد لها التورط فى كثير من الأمور التى تحيط بنا لاستنزاف قوتها، وتوجيه مقدراتها ومواردها بعيدا عن الإصلاح والتقدم والنمو.
هذا الدور وهذه الوظيفة التى يراد أن تقوم بها مصر، ترفضها سياسة الاعتدال التى تنتهجها مصر، وهو ما سيعود عليها بالخير والنهوض والتقدم فى المستقبل الكبير، وكذلك تأهيلها للعب دورها الطبيعى فى قيادة الوطن العربي.
بهذا المعنى ستكون الآفاق مفتوحة أمام الدور المصرى فى الوطن العربى وأفريقيا والعالم أجمع، وأفريقيا هى المتنفس الأكبر للبضائع والصناعات المصرية، أكثر من ذلك فى سياق المعطيات الإيجابية، فإن كل التقارير الاقتصادية التى تصدر عن عدد من دول العالم وكذلك صندوق النقد الدولى تؤكد أن الاستقرار السياسى يؤدى دائما للاستقرار الاقتصادي، وكذلك اكتساب السمعة الاقتصادية الإيجابية، والثقة من المستثمرين ورجال الأعمال والدول الكبيرة.
ويفترض فى هذه الأجواء أن تكون الشفافية هى العنوان لكل شيء فى مصر، فلا لربع الحقيقة، ولا نصف الحقيقة بل الحقيقة كاملة، والحقيقة الكاملة لا تقال مرة واحدة فقط، بل تكون دائمة فى كل وقت، وأن تكشف عن كل فساد متخفٍ.
وفى جمهورية السيسى لا بد أن تكون هناك الجرأة والشجاعة لتسمية الأشياء بأسمائها وبدقة، حتى لا يتسبب التعميم بأخذ الصالح بجريرة الطالح، وحسنا إجراء وزير التموين الأخير بكتابة الأسعار على كل سلعة، وهذه الخطوة نتمنى أن يلتزم بها كل التجار، لكن الأمنيات تظل أمنيات، ونتمنى أن تكون هذه الخطوة جزءا من خطة، لا أن تكون مجرد خبطة، وعليه منذ الآن أن يتم محاصرة التجار الذين يرفضون كتابة الأسعار على السلع، ولا يجب التغاضى عن تجار ومحاسبة تجار آخرين، نحن لا نريد الإجراءات أن تنحصر أو تتوقف بل لهذه الإجراءات أن تستمر ما دام أنها فى صالح المواطنين، لأنه لا شيء يعلو فوق مصلحة المواطنين، فى ظل هذه الحياة الصعبة التى يعيشها الناس حيث لا توجد رقابة على الأسواق، ويتفشى الاحتكار فى كل شيء دون رقيب أو حسيب، وهذا الملف بالذات لا تنفع معه سياسة الاعتدال، وبلاء الأسعار وقفازاتها التى استولت على ميزانية من كانوا أغنياء الذين بدورهم قاموا بتسريب حيواناتهم الأليفة من قطط وكلاب إلى الشوارع لعدم قدرتهم على مصاريف هذه الحيوانات مأكلا وعلاجا.
وملف الأسعار شيء هام ومؤثر بشكل رئيسى فى يوميات المواطنين، من مأكل وملبس وعلاج ومواصلات ومصاريف دراسية لا تنفع معه سياسة الاعتدال فى ظل انتخابات رئاسية جديدة خلال الأسابيع القادمة، ونقول لوزير التموين إن المواطن لا يملك مرصدا يبين له إذا كان السعر المكتوب على السلعة هو السعر الحقيقى بدون أى تلاعب، على خلفية أن مصر ليس بها شىء يسمى الوقت الضائع، ولا شيء اسمه ترف اللعب فى الوقت الضائع.
هناك وقت ضائع على مصر واللعب فيه أخطر أنواع اللعب، وما أكثر اللاعبين الذين يكتشفون أنهم اللعبة فى حد ذاتها، وما أقل الذين يحملون هموم الناس، ومع ذلك فإننا لن نتوقف عن الأمل ولا مفر من بناء مشروع الدولة، مهما تكاثرت الموانع والحواجز والمؤامرات، والجيش والشرطة ووعى الناس هو الحاجز الكبير لحماية البلد، بعد أن وصلت المنطقة إلى حال من الخطورة ولم يعد من السهل عودتها منه، ولا نعرف ماذا يخبئ الغد لنا.
لذلك كانت سياسة الاعتدال التى لا تعرقل قانونا ولا تقفز فوق نصوص الدستور.
ندرك جميعا أن الملفات ثقيلة والتركة ثقيلة، ولكن لا بد من مواجهة هذه الملفات بجرأة وشفافية، ولا نعمل حسابا إلا لما يحتاجه الناس الذين هم الشغل الشاغل للقيادة السياسية.
طبقا لسياسة المواجهة التى يتم اتباعها، وتوافقا مع استراتيجة الشجاعة السياسية فى اتخاذ الإجراءات التى تقتضيها المصلحة الوطنية. ومصر من الدول القليلة التى تسير وفق هذة الاستراتيجية.