الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإرهاب وتلوث الهوية المصرية (4)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وفى الفترة بين الحربين العالميتين نشطت صحافة الرأى وتطرقت إلى قضية الحجاب والسفور وعمل المرأة وحرية الاعتقاد والعوائد الشرقية والغربية والاستقلال والنظم البرلمانية والدستورية والولاء والانتماء للوطنية والقومية. وعلى الرغم من ذلك الثراء الثقافى فى المدن بين المتعلمين لم تتعرض قضية الهوية للملوثات الثقافية ـ فى أول الأمرـ، وذلك بفضل وعى تلاميذ الإمام محمد عبده سواء فى الأحزاب والدوائر الثقافية العامة أو بين أروقة الأزهر ومعاهده وكتاتيبه.
أما الريف والصعيد فقد حافظ على هويته العقدية والجانب الأكبر من العادات والتقاليد والأخلاق الموروثة أى لم يصبها العطب أو التلوث، وذلك بفضل وجود الكتاتيب والكنائس الأرثوذكسية الحاملة للهوية المصرية، وعزلة الجمهور عما يدور من معارك صحفية أو حزبية أو أيديولوجية حول قضايا الثقافة المصرية. 
أما الخطاب الدينى الأشعرى والتسامح العقدى مع الأغيار والأخلاق العامة، فقد أصابه بعض العطب بتأثير من عدة عوامل خارجية: أهمها تسلل الفكر الوهابى بين المعممين والمطربشين (طلبة دار العلوم) على حد سواء فقد حمله الطلاب الوافدون إلى الأزهر من الحجاز، وكذا كتابات محمد رشيد رضا ومحب الدين الخطيب ـ كما ذكرناـ، ذلك فضلا عن خطابات عبدالعزيز جاويش السياسية وتكوينه العديد من الجماعات السرية المسلحة باسم الجهاد، وافتعال الخلافات بين المسلمين والأقباط واتهام الليبراليين بالكفر والمروق ولاسيما بعد موقفهم من الحرب الإيطالية التركية، والتهكم على طرق الصوفية من قبل العلمانيين وتكفيرهم من قبل الوهابيين والسلفيين المحدثين، وتحول الدعوة (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر) إلى سياق متحرر من ضوابطه الشرعية بجانب الحديث عن جهاد (الحسبة) والتطوع للنهى عن المنكر باليد. وخفت صوت الأزهريين المعنيين بتوضيح مقاصد الخطاب العقدى والسياسة الشرعية ولاسيما عقب ظهور الدستور العثمانى العلمانى ١٩٠٨م ثم إلغاء نظام الخلافة ١٩٢٢م ومهاجمة كمال أتاتورك للدولة الدينية، وانتشار الجمعيات الدينية مثل: (أنصار السنة المحمدية) ١٩٢٦م، و(الشبان المسلمين) ١٩٢٧، ثم جماعة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا ١٩٢٨م. 
ولعل كتابات الشيخ مصطفى صبرى ضد غلاة المستشرقين والمتأثرين بهم من المثقفين المصريين ساهمت فى ذيوع اتهام المخالفين بالمروق والزندقة والكفر. وهو أيضًا من ملوثات الهوية فلم يعتد المصريون تكفير بعضهم البعض أو اتهام بعضهم بالخيانة. وقد حرضت مؤلفات مصطفى صبرى علي السفور والحجاب ومشروعية تعدد الزوجات وقصر عمل المرأة على تربية الأولاد فى المنزل وعدم مخالطتها الرجال فى شتى الميادين، الكثير من شبيبة السلفيين وجمعية الشبان المسلمين على نقض خطاب قاسم أمين ودعوة لطفى السيد لتعليمها فى الجامعة وكذا الحركة النسائية المصرية، وخروج الفتيات فى المظاهرات وكذا إنشاء الجمعيات والأحزاب النسائية. وقد حالت كتابات السلفيين والجامدين من شيوخ الأزهر بين المرأة المصرية وحقها فى المشاركة فى العمل السياسى حتى عام ١٩٥٦م.
وحسبنا أن نشير إلى أن هذه التحولات الثقافية قد ساعدت على وجود تيار دينى مغاير فى وجهته الإصلاحية لتلاميذ محمد عبده من الأزهريين، الأمر الذى أثر بالسلب على الثقافة المصرية، فالتشدد فى العقيدة يعد إحدى إرهاصات التطرف ثم التعصب ثم العنف والإرهاب. 
أما تيار الإخوان المسلمين فكان دوره الأخطر ولاسيما فى قوة تأثيره على العوام فى الريف وبين الطبقات الدنيا فى المدن، وذلك لأنه المسئول الأول عن غرس الشيفونية الدينية فى المجتمع المصري، فقد أعلى حسن البنا من شأن جماعته على دونها بحجة أنها الفرقة الناجية. وقد جمع فى تعاليمه بين العديد من التيارات والمذاهب والمعتقدات (الجمعيات السرية والماسونية وذلك فى الهيكل التنظيمى وسبل الاتصال، ومعتقد ولاية الفقيه المتمثل فى المرشد الذى لا ينبغى رد تعاليمه أو مناقشته، وفهم الخوارج لقاعدة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واتهام المسلمين بالكفر وقتالهم ولاسيما عند سيد قطب الذى انتحل آراء أبى الأعلى المودودي). وحسبنا أن نتذكر حديث أرنولد توينبى عن فساد الثقافات الذى ربطه بتلوث معتقد النخبة المسئولة عن سلامة الخطاب الدينى فى المجتمع. فإذا ما حاولنا إدراك الملوثات التى حاقت بالخطاب الدينى على يد الإخوان فإننا يمكننا إيجازها فيما يلي: تحول فقه الأولويات والمآلات إلى وسائل عملية لغايات نفعية مؤقتة تتحول وتتبدل كلما احتاج الأمر تبعا لرغبة المرشد أو إمام الجماعة؛ إعادة ترتيب ثوابت الهوية الدينية انطلاقًا من شعارات كاذبة ومظاهر خادعة وأقوال مدسوسة وأكاذيب مؤلفة لا تستند على أصول شرعية مقطوع بصحتها؛ استحالة اجتهاد أهل الحل والعقد إلى الهامات إلهية تهبط على المرشد العام ومن ثم فهى واجبة الطاعة والخروج عنها مروق يستوجب العقاب؛ حصر الرسالة الإصلاحية والمشروع النهضوى فى تعاليم تهدف إلى تهذيب السلوك والعادات والخدمات الاجتماعية والصحية للفقراء وصبغ التعليم بالمسحة الدينية والمبادئ الإخوانية التى تربى النشء على إرشادات الجماعة وتجعل من المرشد أصل كل تحلية وتخلية؛ الحط من الحس الوطنى واعتبار مصر ولاية إسلامية وجزءًا من خلافة عامة لم تتأسس بعد يكون على رأسها المرشد الأكبر أستاذ العالم؛ نشر سياسة التمكين وذلك للاستيلاء على مقاليد الأمور فى الدولة وذلك لإصلاح ما فسد وتقويم المعوج بأيد الجماعة باعتبارهم المنوطين بذلك العمل. 
وللحديث بقية