الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

باحثة البادية.. وتحرير المرأة «12»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تواصل «البوابة» نشر حلقات الدراسة الأخيرة التي كتبها المفكر الكبير الدكتور رفعت السعيد عن باحثة البادية -ملك حفني ناصف- قبل رحيله داعين الله أن يتغمده برحمته
ونأتى كما وعدنا إلى باب التقاريظ الذى أوردته فى نهاية الكتاب مرتبة حسب ورودها، والذى أثار الدهشة لأنه أتى فى نهاية الكتاب بما يعنى أن نسخا من المقالات قد وزعت على ما أرادت ملك حفنى ناصف منهم أن يستعرضوا وجهة نظرهم فى الكتاب ربما لتحتمى برأيهم فى مواجهة القوى المعارضة لأى شكل من أشكال كتابة امرأة عن تحرير المرأة، ثم طبعت مع الكتاب ليكتمل بها، وأيضًا ليحتمى بها، ولا شك أن باحثة البادية استندت فى الحصول على هذه التقاريظ على والدها الأديب والمفكر والشاعر حفنى بك ناصف، وعلى زوجها شيخ العرب الباسل.. وأيضًا على ذلك القدر من الشجاعة والسعى نحو نزعة تنادى بتحرر محافظ وربما مبالغ فى محافظته أحيانًا. ونبدأ برسالة من «صاحب الفضيلة الشيخ عبدالكريم سليمان رئيس تفتيش المحاكم الشرعية» وتقول: «أما بعد فإن كان لمذهب داروين وجه من الصحة فليكن فى ترقى العقول واستنباط المجهول من المعقول، وفى تولد المعلومات بعضها عن بعض، أما فى حديثه عن نوع بنى آدم فلا نراه مصيبًا، فالآدمى آدمى أينما كان، وشكله هو شكله فى كل زمان ومكان»، ويمضى قائلًا: «وأصدق الأدلة على ترقى المعلومات وتوالدها وتنوعها هو كمثال العودة إلى زمن نوح، ونحن نرى فى زمن نوح شكل الإنسان على ما هو عليه الآن، ولكننا نراه فى معلوماته قد تغير تغيرًا تامًا، فإن المرأة فى الزمان القديم مقرها بيتها تخرج منه فقط إلى قبرها، فأين هذا من المرأة فى زماننا نراها ذاهبة إلى مجتمع فيه جمع من النساء يعدون بالمئات وبينهن كثير من المتعاطفات فتصعد بينهن على منبر الخطابة فتقول وتعيد لزوم تربية المرأة وتعليمها منددة بالمواضى فى جهلهن وتحض على تسوية النساء بالرجال، فيقابلها الاجتماع بالرضى والقبول» [صـ ١٤٨] وأنا بالطبع أقصد التنويه بالسيدة الفاضلة الباحثة فى البادية ملك حفنى ناصف، فقد رأيت مجموعتها التى نشرت فى «الجريدة» من زمان وطالعت معظمها بإمعان «هنا نتفهم كيف كتبت التقاريظ ثم ألحقت بالكتاب فمن الواضح أنها قد وزعت مجموعة مقالاتها المنشورة فى الجريدة طالبة تقريظها مع الكتاب»، ونمضى مع الشيخ عبدالكريم سليمان لنقرأ تعليقه على مقالات باحثة البادية فيقول «إن فيها من المباحث العلمية والفوائد الاجتماعية ما يعظم نفعه وكون الأساس فى المستقبل الذى نبنى فيه مستقبلًا يخرج المرأة المصرية إلى عالم المشاركة الحقيقية للرجل فى التربية والمعيشة وبهذا يكون لهذه السيدة فضل المؤسسين»، ثم يبدأ الشيخ فى انتقاد هادئ ورصين ولكنه عاقل ومتعقل فهو يقول إن باحثة البادية «كتبت وهى ممتلئة حنقا ولو أنها أتت بالخاص مكان العام أو بالبعض مكان الكل لكانت تسلم من الاعتراض»، وفى موضوع «الحجاب» رأيتها تضرب البعض بعصى موسى لكنه لم يطعها بل بقى غريقًا عميقًا وستظهر الأيام أن رأيها فى الحجاب رأى لم تقدر على تخميره ولم تملك حرية القول فيه «ولعله يشير إلى خشيتها من غضب زوجها شيخ العرب» ثم هو يعود ليتذكر أباها وقيمته فيقول «أى بنية أخى أراك نبغت بين قريناتك واتخذت طريقًا لك لم يسلكه قبلك منهن واحدة فكنت لهم قدوة صالحة.. ثم «وبعد هذا.. فلله أبوك ولله زوجك وفى سبيل الله ما تقاسين من عناء» 
ونأتى إلى تقريظ ثان: 
«جاءنا من صاحب السعادة إسماعيل صبرى باشا وكيل نظارة الحقانية سابقًا.. «ويبدأ صريحا» بنت أخى العزيز حفنى بك ناصف «تنشرين كتابك لعله دواء لعله من علل ذلك المريض العزيز فى وقت اجتمع فيه حوله الأطباء هذا يصيح وهذا يولول وذاك يكتب وآخر يخطب وهناك من يلوذ بالصمت ويشير بترك المريض للطبيعة تعمل فيه عملها، إن خيرًا وإن شرًا وكل يدعى وصلا يليلي/وليلى لا تقر لهم بذاكا، فنظرت أنت ببصيرتك الوقادة، وفتشت فى مصادر العلل فعثرت على أشدها فعلًا فيه ودونت مقالاتك فى كتاب جمع من الآراء النافعة والأفكار الناجعة ما لو عولج به ذلك المريض لذهب بأصل أمراضه وقرب للأطباء يوم شفائه» [صـ١٥١] ثم يقول «أجل يا بنت حفنى، إن تربية بنات مصر لهو العلاج الأكبر الذى غاب عن أكثر الباحثين فى أسباب انحطاطنا وثقل خطانا فى طريق التقدم» 
ثم يقول «إن لرقى مصر أبوابًا عديدة وأراك قد فتحت أوسع باب منها فكانت ربات الجمال سابقة لأرباب السيف والطليسان إلى أفضل خدمة تؤدى لمصر» [صـ١٥١] ثم يأتى إلى الموضوع الشائك دومًا وهو موضوع الحجاب فيقول «أما الحجاب وما أدراك ما الحجاب، شيء يظنه البعض أسرًا واسترقاقا ويعتقده البعض سعادة وسيادة، فالذى أراه أنا فيه أننا نحتاج امرأة متعلمة مرباه، فربما حكمنا غدًا بأن الحجاب هو أنفس حلى المرأة، بارك الله فيك وفى كتابك وجعله الله مرجعًا خاضعًا لطلاب رقى نصف أهل مصر أى نساءها، بل كل أهل مصر بفضل تهذيب نسائها ورجالها». 
ونمضى مع مزيد من التقاريظ وهى غاية فى الأهمية لأنها تقدم لنا آراء خلاصة مفكرى مصر وكيف يفكر مستنيرو مصر وكيف يستهدفون الاستنارة وبأى قدر هم بالفعل مستنيرون، فلنواصل.