الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

لم يلمع أحد.. أدباء ظهروا في السينما

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس مُعتادًا لدينا أن يظهر الأديب في الافلام السينمائية، ربما يقضي أحدهم عمرًا كاملًا في الكتابة دون أن يعرف واحدًا من قراءة ملامحه، وهو ما حدث لأجيال من الأدباء عاصرت ما قبل انتشار استخدام الإنترنت وتعدد القنوات الفضائية، كان أقصى ما يُمكن أن يشتهر به الأديب هو صور فوتوغرافية في إحدى الصحف.

لكن هناك من كسروا القاعدة، ذاع صيتهم بسبب اختلاف قدراتهم وتعدد مواهبهم، أجادوا تمثيل أدوارهم الصغيرة فعلقت في أذهان المشاهدين إلى الآن، فلا أحد ينسى "الشيخ يوسف" الذي وشى بمحمد أبو سويلم في "الأرض"، ولا "المعلم سلطان" في اللص والكلاب"، والكثيرين شاهدوا "شباب ع الهوا" من أجل إطلالة نجم المميزة.
ومع ذكرى الكاتب الكبير عبد الرحمن الخميسي، والذي تعددت مواهبه وبرزت روحه التمثيلية عبرها، نحكي معًا عنه وآخرين خاضوا مجال التمثيل، منهم من تعددت أدواره، ومنهم من ظهر ضيفًا. 
الخميسي.. متعدد المواهب:
كانت مدينة بورسعيد في بداية العقد الثالث من القرن العشرين على موعد لاستقبال واحدًا من أبرز مواليدها مُتعددي المواهب، وهو الروائي والصحفي والشاعر والمخرج والكاتب والممثل عبد الرحمن الخميسي، المولود عام 1920، لكنه سرعان ما انتقل منها، فدرس في مدرسة القبة الثانوية بمدينة المنصورة لكنه لم يواصل الدراسة، وانتقل مرة أخرى للعيش في القاهرة في عام 1936.
تنقل الخميسي بين عدد كبير من الوظائف، فعمل بائعًا في محل للبقالة، كمساري، مصحح في مطبعة، معلم في إحدى المدارس؛ وفي أعقاب قيام ثورة يوليو 1952، تم اعتقاله بين عامي 1953 و1956؛ وانتقل بعد خروجه من المعتقل للعمل في جريدة الجمهورية، لكن سرعان كذلك ما تم نقله بشكل تعسفي للعمل في وزارة التموين.
عُرف الخميسي وسط نجوم عصره كفنان متعدد المواهب، فكان يكتب الشعر والأغنية، وقام بالتلحين وتأليف الموسيقى والمسرحية والمسلسلات وأفلام السينما، كما كتب السيناريو واخرج بعض الأفلام ومثّل فيها أيضًا.
تفجرت موهبة الخميسي التمثيلية خلال عمله في فرقة الفنان أحمد المسيري، وتدرج فيها حتى صار بطلا لها، وقد ساعدته قدراته التمثيلية ومواهبه في التلحين وكتابة الأشعار على احتلال مكانة كبيرة بها، مما أهله لاكتشاف الفنان الراحل محمود شكوكو، والذي قام بتحويله من نجار بالفرقة إلى نجم كبير، وقد قدمه واختار له شكله الذي ظهر به؛ كما جعل نحات من قرية "حجازة" في الصعيد يصنع له تمثالًا بغطاء رأسه "الزعبوط" الشهير كان يباع في كل مكان أمام المسارح التي يغني بها شكوكو؛ وهو الأمر الذي كرره مع الراقصة زوبة الكلوباتية في حقبة الاربعينيات، فقد كان وراء ابتكار تمثال من الجبس لها انتشر في كل بيوت مصر، وكان يباع مقابل زجاجة فارغة.
أما جمهور السينما فيعرف الخميسي باسم "الشيخ يوسف"، وهو أشهر أدواره على الإطلاق، وكان في فيلم "الأرض"، الذي تم إنتاجه عام 1969؛ وبرز في هذا الدور أكبر دليل على قدراته كممثل، فقدم شخصية المناضل القديم الذي شارك في ثورة 1919 وتدهورت حالته فافتتح دكانًا في القرية، وتحول بتاريخه النضالي إلى مرشد لقوات الهجانة التي تضرب الفلاحين المتمردين. 
قبلها كان الخميسي بداية من عام 1965 قد دخل مجال الإخراج بأربعة أفلام كتب قصصها وحواراتها، وشارك في كتابة سيناريوهاتها ووضع الموسيقى التصويرية لها، بل وانتج ثلاثة منها، هي "الجزاء" عام 1965 بطولة حسين الشربيني وشمس البارودي و"عائلات محترمة" 1968 بطولة حسن يوسف وناهد شريف وعبدالمنعم ابراهيم وعدلي كاسب، وكان أفضل أفلامه؛ ثم قدّم في عام 1970 فيلم "الحب والثمن" من بطولة أحمد مظهر وزيزي البدراوي وصلاح السعدني، ثم فيلم "زهرة البنفسج" -الذي لم يستمر في دور العرض أكثر من 3 أيام- والذي قام ببطولته عادل إمام وزبيدة ثروت؛ كما كتب فيلم "حسن ونعيمة" الذي أخرجه بركات، وقدّم فيه الخميسي محرم فؤاد وسعاد حسني لأول مرة؛ ولم تكن هذه هي المرة الأولى، بل هو قدّم الكثير من الوجوه الجديدة الذين أصبحوا بعد ذلك نجومًا في السينما المصرية، منهم صلاح السعدني وحسين الشربيني وشمس البارودي ومديحة كامل.
لم تتوقف مواهب الخميسي عند حدود السينما، بل ساهم في إنشاء فرقة مسرحية عُرفت باسمه عام 1958، وبدأ موسمها بثلاث مسرحيات قصيرة من تأليفه وإخراجه وتمثيله، هي "الحبة قبة، والقسط الأخير، وحياة وحياة"؛ ثم قدّم بعد ذلك مسرحية مترجمة عن الأدب الفرنسي باسم "عقدة فيلمون" للكاتب جان برنار لول، كما اقتبس من المسرح الانجليزي مسرحية "الزواج السعيد" لجون كلمنتس وقام بتمصيرها أحمد حلمي، وقد شارك معه في التأليف المسرحي لفرقته الكاتب محمود السعدني، وقدم له مسرحية "عزبة بنايوتي" وجابت الفرقة مسارح القاهرة، وباقي محافظات مصر.
وقدّم الفرقة كذلك مسرحية "الأرملة الطروب"، وأوبريت "حياة فنان" الذي تم عرضه في دار الاوبرا عام 1970، وهو من تأليف الانجليزي ايفون نوفيلل، وقد قام بتعريبه ليقوم ببطولته الفنان حسن كامي، كما قدم اوبريت "مهر العروسة" من تلحين بليغ حمدي.
جاهين أيضًا كان نجم سينمائي:
لم يكن الخميسي وحده هو الكاتب الذي صفّقت له جماهير الفنون البصرية، أبرز من شاركوا في بطولات الأفلام كذلك كان كرباج السعادة، العملاق متعدد المواهب أيضًا صلاح جاهين، الذي ملك نواصي الكاريكاتير والشعر والصحافة والكتابة السينمائية وغيرها.
رغم أن المرة الأولى التي وقف فيها جاهين أمام كاميرا السينما كانت عام 1962، إلا أن ذلك العام والذي يليه شهدا اشتراكه في خمسة أفلام هي "لا وقت للحب، من غير ميعاد، شهيدة العشق الإلهي، اللص والكلاب، القاهرة"؛ بعد أن تحقق حلمه في التمثيل بدور قصير في فيلم يحكي عن ثورة 1952، وحكى عن ذلك اليوم إنه حين علم بأنه مرشح للعمل ذهب إلى بيته راقصًا وهو يصيح "حَ امثّل قُدّام فاتن حمامة ورشدي أباظة بحالهم"، وذلك بعد أن أُعجب المخرج الراحل صلاح أبو سيف به في أول تجربة أداء لشخصيته في فيلم "لا وقت للحب» وعلق فور انتهاءه من المشهد "ستوب.. هايل يا أستاذ.. رائع يا أستاذ.. عظيم يا أستاذ"؛ وبعدها قرر أن يسند إليه دور "المعلم سلطان" في فيلم "اللص والكلاب" في العام نفسه؛ وفي عام 1965 أدى أهم أدوراه وهو "الشيخ سيد" في فيلم "المماليك"، الذي يحكي عن قصة حب في ظل حكم المماليك، والمقاومة الشعبية لمواجهتهم.
ورغم نجاح جاهين في أداء الأدوار التي اسندت إليه في بداية مشواره التمثيلي إلا أنه توقف عن التمثيل مدة قاربت خمسة عشرة عامًا، حتى عاد إليه من جديد في دور صغير بفيلم "موت أميرة"، وهو فيلم وثائقي بريطاني يتناول الفلم قصة حقيقية للأميرة السعودية مشاعل بنت فهد بن محمد آل سعود، واستعانت الشركة المنتجة للفيلم بعدد من الممثلين المصريين، بينهم صلاح جاهين، نبيل الحلفاوي وسمير صبري؛ وفي عام 1985 قام بتمثيل آخر أعماله السينمائية مع المخرج الكبير يوسف شاهين في فيلم "وداعا بونابرت".
أحمد فؤاد نجم.. اشتباك سينمائي:
كانت علاقة الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم بالسينما علاقة متشابكة، ظهرت في فترات متقطعة في حياته؛ وكما ختم صلاح جاهين حياته السينمائية مع يوسف شاهين كانت بداية الفاجومي مع الرجل نفسه.
آخر ما ظهر فيه نجم سينمائيًا كان الفيلم التسجيلي القصير "أبو النجوم"، والذي كان عرضه الأول في بانوراما الفيلم الأوروبي كتكريم له بعد يومين من رحيله عن عالمنا، والفيلم مدته سبع دقائق من إخراج أحمد المناويشي؛ وتناول نشأته الريفية وانحياز أشعاره للمضطهدين، وتجربة ثنائي أغنيات المقاومة مع الشيخ إمام عيسي، وكيف حفظ ثلاثة أجيال أشعاره التي تحول الكثير منها إلى أغنيات. 
كان "بهية" هو الاسم الدرامي لمصر كما رآه نجم وشاهين في اللقاء الأول بينهما في فيلم "العصفور" عام 1972، والذى ظهر فيه الشيخ إمام، وقام بأداء دوره الفنان الراحل علي الشريف، وغلفت شريطه السينمائي أغنيته "مصر يا أمة يا بهية، وكان من المفترض أن يظهر كلا من نجم وإمام بشخصيتيهما الحقيقية في الفيلم، ولكن القبض عليهما في الوقت نفسخ حال دون تنفيذ ذلك؛ وكان الثنائي نجم وإمام أيضًا بطلا معركة رقابية خاضها أصحاب مسلسل "درب ابن برقوق" عام 1999، بسبب وجود شخصيتين يعبران عن نجم والشيخ إمام بين أبطال المسلسل، وانتهت المعركة بتصريح رقابي بشرط تغيير أسماء الأبطال؛ ولعب دور نجم الفنان مفيد عاشور، عن رواية للكاتب محمد جلال عبد القوي، وإخراج خالد بهجت.
طوال تلك السنوات توالت العروض السينمائية على نجم وتوالى رفضه لها؛ لكنه قبل طلب المخرج عادل عوض -ابن الفنان محمد عوض- المشاركة كضيف شرف في أحداث فيلم "شباب عالهوا"، في دور جد الفنان أحمد الفيشاوي، وظهر في عدد صغير من المشاهد لم يتجاوز الأربعة أو الخمسة، أدى فيها دور شاعر شهير لكن دون التصريح باسمه، وألقى خلال الفيلم مجموعة من قصائده منها قصيدته الأبرز "كلمتين لمصر".
وقبل ثورة يناير بعامين بدأ مشروع كتابة نجم نفسه سينمائيًا، عبر فيلم "الفاجومي" الذي كتبه وأخرجه عصام الشماع وعرض للجمهور عام 2011، واعتمد الشماع في كتابته على يوميات كتبها نجم تحت العنوان نفسه، وأدى دوره الفنان خالد الصاوي ومعه صلاح عبد الله في دور الشيخ إمام، وكندة علوش في دور الكاتبة الصحفية صافيناز كاظم، أولى زوجات نجم والتي انجبت له ابنته الكبرى نوارة، ولعبت فرح يوسف دور المغنية عزة بلبع، وشاركهم البطولة جيهان فاضل ومحمود قابيل وتامر هجرس وزكى فطين عبد الوهاب.
إبراهيم عيسى.. مشهد واحد وفيلم أثار الجدل:
ظهر الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى في بعض مشاهد فيلم "خيانة مشروعة" عام 2006 للمخرج خالد يوسف بصفته الحقيقية كصحفي ورئيس تحرير جريدة الدستور آنذاك، والذي كان يحث بطلة الفيلم، التي كانت تعمل سابقًا صحفية لديه، على نشر وقائع الفساد التي اكتشفتها في أعمال عائلة زوجها.
علاقة عيسى بالسينما لم تتوقف عند ذلك الدور، بل استمرت عبر كتابته السيناريو للسينما، وكان فيلمه "مولانا"، المأخوذ عن روايته التي حملت الاسم نفسه، وقام ببطولته الفنان عمرو سعد، قد أحدث جدلًا كبيرًا وفي الوقت نفسه حقق نجاحًا تجاريًا وجماهيريًا واسعًا، والذي ناقش فيه تفشي الإرهاب في مجتمعاتنا، والعلاقة بين التطرف وما يقوم ببثه العديد من المحسوبين على رجال الدين؛ وهو ما أثار بعض الاعتراضات في مؤسسة الأزهر.