الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الصراع العربي القطري.. الدوافع والتحديات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعتمد المستقبل على القراءة الصحيحة لحقائق الحاضر وما يمدنا به التاريخ من حكايات تعكس التجارب البشرية في علاقاتها المرتبطة بوجودها الإجتماعي، وما يترتب عليه من الركائز السياسية والاقتصادية والثقافية، وتشكل تلك التجارب ركيزة مهمة في المعرفة كمصدر حقيقي لتراكم الخبرة والتجربة، لما لذلك من أهمية في إختصار الوقت والجهد وتوفير الكثير من الطاقات المبذولة.
وتشهد الساحة العربية حربا باردة بين معسكر الدول المقاطعة والذي يضم مصر السعودية والإمارات والبحرين ومعسكر قطر الداعم والمدعوم من كل القوى المناصرة والمستفيدة من إنتشار الإرهاب في المنطقة والذي يستهدف هدم الدول العربية وتفتيتها، لتتحول إلى دويلات صغيرة طبقا لمخطط إعادة صياغة وترسيم الشرق الأوسط من جديد حتى تصبح المنطقة بلا قوة عسكرية حقيقية قادرة على الردع وحماية مقدراتها وشعوبها، لتصبح بذلك تابعة للدول الكبرى كأحد أنواع الإحتلال بشكل يتوافق مع المتغيرات التي يشهدها العالم، والتي لا تسمح بالإحتلال بمفهومه التقليدي كما كان في السابق.
يعتقد البعض أن الأزمة بدأت في صيف 2017 وهذا تصور غير واقعي، لأن الدوحة عملت منذ ما يقرب من 20 عاما على تنفيذ المخطط من خلال دعم الجماعات المتمردة في بعض البلدان العربية ليدخلوا في حروب مع أنظمة تلك الدول، بالاضافة لدعم كل جماعات الارهاب وفي مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين، فضلا عن دعم الإنقلابات في أي من البلدان العربية، حتى لا تصبح قطر وحدها تتصدر مشهد الإنقلاب على حكامها، لأن التاريخ لم يكتب وصول حاكم لهذه الإمارة الصغيرة دون الإنقلاب على من يسبقه.
ليس هذا هو السبب وراء الصراع، أو كما تدعي الدوحة دعمها للتغيير وترسيخ الديمقراطية في محيطها العربي، لأنها بعيدة كل البعد عن قيمها، لكن الحقيقة والمستهدف أن تصبح قطر النموذج، فهي دويلة صغيرة ومع ذلك تمتلك إقتصاد قوي، فضلاً عن أنها لا تمتلك القوة العسكرية لصغر حجم جيشها بما يتلائم مع حجمها الجغرافي ومع ذلك لها نفوذ، صنعه ويدعمه الإيباك ومنظمات الصهيونية العالمية، ليس حباً لقطر إنما لخدمة إسرائيل بعد أن أصبحت الدوحة حليفها الإستراتيجي وبوابتها للدول العربية والإسلامية، فضلا عن استضافتها لحركة حماس لتصبح همزة الوصل بين الحركة وتل أبيب.
تعد أزمة قطر امتدادا للصراع العربي الإسرائيلي بعد أن أصبحت إسرائيل دولة تمتلك من القوة والنفوذ ما يجعلها خارج التبعية المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية، كما كانت في السابق، فاليوم أصبحت تل أبيت تلعب لصالحها في المقام الأول والأخير رغم تداخل مصالحها مع واشنطن، بل إنها أصبحت تمتلك من الأدوات التي تمكنها من الضغط على الإدارة الأمريكية من خلال نفوذها في الداخل الأمريكي، لذا أصبحت إسرائيل خارج السيطرة بالنسبة لصانعي القرار في البيت الأبيض، وهو الأمر الذي اكتشفوه من فترة، لذا كان عليهم إيجاد البديل الذي يخدم مصالحهم في كافة الاتجاهات والتوجهات.
ودون أن يشعر العرب بهذا التغيير باستثناء مصر، حدث التغيير للذراع الأمريكية في المنطقة، وتم ميلاد قطر ونفوذها الملحوظ في المنطقة بعد أصبحت الصوت العربي لإسرائيل عندما تريد توجيه الرسائل بالعربية فضلا عن التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري فيما بينهم، وقيام الدوحة بمهمة تمهيد الطريق لإسرائيل في التعاون الاقتصادي مع بعض الدول الأفريقية والعربية والإسلامية لتصبح إسرائيل لاعبا محوريا في المنطقة، ولكن بشكل مختلف كما لو كانت دولة تسعى للسلام وحماية مصالح الشعوب في أفريقيا والحفاظ على الإسلام في نسخته التركية، مما يضعها في صورة الدولة الصديقة للشعوب بعد أن تحملت قطر مهمة الصورة السيئة ككيان معادي لمحيطه الإقليمي بدلا من إسرائيل.
وبشكل مباشر وغير مباشر فإن إسرائيل هي المستفيد الأول من هذا الوضع، وتأتي في المرتبة الثانية الولايات المتحدة، لأن نجاح هذا المخطط له بعدان، الأول: أن تصبح إسرائيل هي الدولة الأكبر من حيث المساحة حال نجاح مخطط تقسيم الدول العربية إلى دويلات مما يجعلها القوى العظمى في المنطقة والمحرك الرئيسي لسياساتها من خلال قوتها العسكرية والقوة الناعمة في التواصل مع شعوبها، أما البعد الثاني فهو نجاح مخطط الولايات المتحدة في تقسيم المنطقة وخلق صراعات بين تلك الدول الجديدة وهو ما يضمن لها امدادهم بالسلاح والاستحواز على ثروات تلك الدول لتصبح المنطقة في حالة اقتتال اهلي يضمن لها التخلف والتراجع، وهو مايضمن استمرار الاحتلال في ثوبه الجديد معتمدا في ذلك على اسالة وإراقة الدم العربي بأيدي أبنائه.
ومن خلال هذا السيناريو تضمن قطر الاستمرار القائم على تفتيت الدول حتى وان لزم الأمر تغيير بعض حكامها لاستكمال المخطط، ولكن هذا الأمر يتطلب انهيار مصر لتصبح المنطقة بلا قوة حقيقية، إلا أن مصر رغم كل التحديات التي تواجهها قادرة على التصدى لهذا المخطط الذي تحطم على صخرتها منذ انطلاق قطر الربيع العربي وما ترتب عليه من أحداث جعلت بعض الدول في طي التاريخ.
ولكي تضمن المنطقة البقاء كان لزاما على الدول الكبرى بها الاصطفاف في مواجهة هذا الخطر الذي يهدد تماسكها ووحدة أراضيها وقتل سيناريو الاحتراب الأهلي في مهده قبيل انطلاق شرارته التي ستحرق الجميع إذا لم نستشعر الخطر.