الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لا توجد منطقة وسطى مدنية أو لا مدنية!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بمناسبة الجدل الممتلئة به مواقع التواصل الاجتماعى حول ما أصدرته دار الإفتاء التونسية وسيصدر عنه تشريع قريبا بمساواة المرأة بالرجل فى الميراث وحق المسلمة بزواج غير المسلم، هذا الجدل الذى لا يعبر عن لغة حوار حقيقية بناءة أو لغة حوار تنم عن جهل البعض بأمور الدين، وأنا لست بصدد أن أناقش هنا أصول الدين فهو أمر متروك للحكماء من رجال الدين، والذين يستطيعون تفسير ما يرد فى هذا الشأن بما هو مقصود بالفعل وليس لأهواء أو مصالح شخصية أو (جماعية)، ولكن يكفى الإشارة إلى البيان الذى أصدرته دار الإفتاء التونسية وبعض الحكماء المصريين الذين يؤكدون أن هذه التشريعات جاءت بما لا يخالف شرع الله.
ولكننى بصدد مناقشة تعامل الدولة التونسية مع مدنية الدولة واتخاذها خطوات عملية تجاهها دون مواربة أو طبطبة أو ميوعة سياسية، فلقد قلنا قديمًا إن الرجل الشرقى خلع الطربوش ولكنه ابتلعه فى معدته، فقد يكون ظاهريًا تمدن فى ملابسه ولكن بداخله موروثات سى السيد بكل عُقده، ونحن أمام المشهد نفسه؛ فقد ثورنا ضد جماعة فاشية دينية ولكن بداخلنا فاشية تظهر فى أول محك، فقد رفعنا شعارات وأطلقنا صيحات (مدنية... مدنية) ملأت ميادين مصر، ولكن عند التطبيق وجدنا أننا (بلد بتاعة شعارات صحيح)، وهذا على كل المستويات بدءًا من لجنة الخمسين (سامحهم الله) الذين أصروا على صياغة ما يبدو فى الأفق أنها دولة مدنية ودس مواد تؤكد على دين الدولة.
مرورا بتقاعس الدولة مع الفكر السلفى المعادى للحياة والداعى لرفض الآخر ورفض الدولة من أساسه، والذى يملأ الدنيا ضجيجا بل وتقاعسها مع حل حزب «النور»، وهو الذى يقوم على أساس ديني، رغم أن الدستور ينص على عدم إنشاء أحزاب دينية، ووصولا إلى عدم اتخاذ أى إجراءات حقيقية تؤكد أننا عازمون على استرداد هويتنا المصرية ودخولنا إلى دولة مدنية بكل ما تحمله من معنى.
فكما أن الوطن ليس وجهة نظر فالمدنية ليست وجهة نظر أيضًا، وما أقصده هنا هو اتخاذ بعض الإجراءات التى تدل على أن هناك نية، ولعلنى أضرب مثالا على ذلك وهو إلغاء خانة الديانة من البطاقة القومية، فالبلدان العربية هى الوحيدة التى تضع تلك الخانة، ستقول لي: طيب وفى حالات الزواج؟ لن أقل لك نفعل كما فعلت تونس فى حرية الاختيار وحرية الاعتناق- وإن كانت خطوة جريئة وفارقة- ولكن سأقول لك يُطلب ضمن أوراق الزواج شهادة الميلاد ونترك بها الديانة. 
ح تقولى إشمعنى؟
- لأن البطاقة هى التى تتعامل بها يوميا فى مختلف المواقع، ولكن قلما تطلب شهادة الميلاد، فضلا عن أن قرار أو تشريع بمثل هذا يفصح عن نية الدولة وصناع القرار بحرصهم على مدنية الدولة. 
أيضا التعامل مع قضايا التمييز ضد المرأة أو الأقباط، والتى تحدث من حين لآخر خاصة فى صعيد مصر، ولا نجد إلا جلسات عرفية وتقبيل اللحى. 
وأن نجد معيار الكفاءة هو الذى تقوم عليه الاختيارات لا على أساس النوع أو الدين، حتى ولو فى أكثر المناصب حساسية فى الدولة، فمن دون سيادة دولة القانون تختفى معالم المدنية.
يا سادة كما قال نزار قبانى فى قصيدته الرائعة (اختارى):
لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار 
أيضا لا توجد منطقة وسطى بين المدنية واللا مدنية.