الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المملوكة..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المرأة الريفية لا تحرم فقط من حق التعليم والمساواة بالرجل فى الحقوق والمعاملة الآدمية، لا يجبرونها فقط على التنازل عن حقوقها المادية عند الطلاق وميراثها بحجة ألا تذهب لرجل غريب، بل تظل معذبة منهكة فى دورة الذل والذكورية والتحكم، التى تقضى على إرادتها، وتغتصب إنسانيتها وتحولها إلى شبح جريح بلا كرامة ولا مشاعر.
وهنا تحضرنى قصة قديمة لفتاة تدعى «هانم»، كانت زوجة لأحد فلاحى القرية، جاء بها من قرية مجاورة، وهى بنت ١٣ عاما، كانت الأخت الصغيرة لخمسة أشقاء ذكورًا، استولوا على ميراثها بعد وفاة والدها بحجة مباشرته، وألقوا بها إلى جحيم الزواج المبكر!
بعد الزواج انخرطت «هانم» فى أعمال منزلية شاقة، لم يقو جسدها النحيل على احتمالها، تطبخ وتغسل الملابس وتنظف الأوانى وتملأ المياه وتحملها للمنزل، تحضر الطعام وتذهب به لزوجها وإخوته فى الحقل، تخبز وتكنس وتضع الماء والطعام للمواشى وتنظف حظيرتهم، كل هذا تفعله وحدها، فوالدة زوجها سيدة مسنة، وشقيقات زوجها تزوجن فى قرى بعيدة، وإخوة زوجها لم يتزوجوا بعد، فكانت المسكينة تتحمل مسئولية عائلة كاملة، بينما نظيراتها يلعبن بالعرائس ويذهبن للمدرسة!
مرضت «هانم» وتثاقل عليها الحمل، رقدت لأسابيع وهي لا تقوى على فعل شيء مما كانت تفعله، كانت عائدة من تجربة ولادة متعسرة لابنها البكري، فضاق زوجها وأمه وإخوته بها ذرعا، لم يتحملوا أن تتذمر «المملوكة» التى اشتروها بعقد زواج باطل ومخالف للقانون، اتهموها بالتدلل والتمرد بعد إنجاب الصبي، هددوها بطردها وإحضار ضرة لها، فهربت برضيعهاوذهبت لبيت أبيها تستنجد بإخوتها!
لم تفلح مساعى الصلح من أهالى القريتين، فوقع الطلاق، مع احتفاظها بصغيرها حتى تتم رضاعته، ولكن إخوتها كان لهم رأى آخر، خاصة عندما بدأت «هانم» فى مطالبتهم بريع أرضها، لتتمكن من الإنفاق على نفسها وصغيرها بعد الطلاق!
اصطادوا لها عريسا جديدا بعد انتهاء شهور العدة مباشرة، متزوجا ولكن زوجته تنجب بناتًا، فتم الاتفاق بشرط ألا تصطحب «هانم» صغيرها إلى بيت الزوجية!
ثارت المسكينة وتمسكت برضيعها، فضربوها على رأسها حتى فقدت الوعي، وانتزعوا صغيرها منها بالقوة وألقوه إلى والده أمام الناس، وقالوا له بالحرف الواحد: «إحنا مش هنربى لكم رجالة، بنتنا خلاص هتتجوز!».
تزوجت «هانم» للمرة الثانية رغما عنها، وعاشت تعيسة مظلومة، أما ابنها «محمد» نشأ بين معايرة الناس له بأمه التى تركته وأبيه الذى استلمه رغما عنه، ذهب يبحث عن رزقه فى دولة عربية هربًا من ذلك الجحيم، لا يطيق سماع سيرة أهل أبيه ولا إخوة أمه، ولا زوجها الذين قضوا به على طفولته الطبيعية بسبب إمعانهم فى ظلم أمه باسم الدين والعرف والعادات!