الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صدور آخر دستور فى العالم!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تبرز أهمية خروج مشروع الدستور الليبى كحدث تاريخى فى حياة الليبيين فى مدلوله السياسى بعد إلغاءٍ دستور ١٩٥١، الذى خرج قبل إعلان الاستقلال بفترة، ذلك الإلغاء أعلنه بيان يوقف العمل به ساعة انقلاب ١٩٦٩، دستور الاستقلال صاغته نخبة مُختارة من أقاليم البلاد الثلاثة (طرابلس، برقة، فزان)، بالاستعانة بخبرات عربية وغربية، وبرعاية أممية فليبيا وقتها كانت دولة الأمم المتحدة إذ خرجت كبلاد منكوبة وسُجلت كأفقر دولة فى العالم فمن نير الاستعمار الإيطالى إلى حكم إدارات استعمارية أجنبية بريطانية فرنسية أمريكية، عقب الإلغاء قضى الليبيون اثنين وأربعين عاما تحت قوانين وبيانات خضعت للمزاج السياسى للنظام السابق، لا حياة دستورية يتوافق الشعب حولها بل شِرعةٌ أطلقها فرد حاكم! تمثلت فى نظرية عالمية ثالثة مُنهجت فى كتاب أخضر، وخطابات منبرية طويلة تعقبها بيانات يستلزم حفظها عن ظهر قلب ثم يجرى شرعنتها قانونا: بيان سلطة الشعب!، قانون تعزيز الحرية، وبيان الوثيقة الخضراء.. وهلم جرا، من يُطالعها يتلمس شطحها المثالى صارخة بإقرارها العالى للحقوق والحريات الإنسانية لكنها على أرض الواقع تُصدر حكما بالإعدام لمن يؤسس حزبا بل من يتحدث عنه أصلا، وخطوطها الحمراء كما السيف القاطع المُشهر لمن يمس فقط اسم رأس النظام! اليوم يتلقف الليبيون دستورهم كآخر دستور يخرجونه للعالم، فى لحظة زمنية فارقة أعقبت مخاضا عسيرا وصعبا منذ حدث ثورة ١٧ فبراير ٢٠١١، والتى فى مبتدأها خاضوا انتخابات تشريعية وهى أيضا بعد قطيعة طويلة، وليحقق تيار مدنى يتطلع لدولة القانون والمؤسسات أغلبية مقاعدها كانت على التوالى انتخابات: المؤتمر الوطنى العام، مجلس النواب، اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور (لجنة الستين)، لكننا نحصد رفض نتائجها الديمقراطية، بسيطرة تيار المغالبة بالسلاح من إخوان ومقاتلة، وميليشيات منتفعى الحروب والأوضاع الانتقالية وُجدت فى خضم انتشار السلاح، ومن يجرى شراؤها بالمال لأجل مغانم ومطامع آنية. وإذ يُحاذى الإعلان عن مشروع الدستور الليبى فى جدة خروجه كما وقبله أخرجت دساتيرها الجديدة دول الانتفاضات العربية، وقد تسلمته من لجنته المؤسسات الرسمية الليبية من مجلس رئاسى، ومجلس دولة إلى مجلس النواب والذى عليه قريبا مخاطبة الجهات الرسمية ذات العلاقة وعلى رأسها المفوضية العليا التى ستشرع فى تطبيق آلية هيكلية على مستوى البلاد للشروع فى عملية الاستفتاء، واتخاذ الإجراءات اللازمة وفق الإعلان الدستورى وتعديلاته، فإنه ومن لزومٍ حاصل استقبالُ أى مسألة ليس لها أرضية مُسبقة بنوع من التحفظ، وكما تحتمل أن يحصل اختلاف حولها بين مؤيدين ومعارضين فما دار ويدور حول رفض لبعض مواد الدستور ومنها من ينادون بتشريع يحفظ أقليمية الدولة (التكتل الفيدرالى) ولا يعزز مركزيتها، بمقابل من رأى أن الدستور فى مواده حفظ وحدة البلاد، كما وتجاذبات بدأت مبكرا بين لجنة الدستور والمكونات من أمازيغ وتبو وطوارق طالبوا فيها بدسترة اللغة واعتبروا أن الدستور بكامله لا يُمثلهم إن لم يجرى ترسيم ذلك ضمن مواده. وعلى ذلك فإن مشروع الدستور وقد خرج يستلزم أن تنهض جلسات حوارية ونقاشات مجتمعية مفتوحة لتوعية الجمهور بما يمثله الدستور من أهمية حين يشرعون فى الاستفتاء على مواده عن معرفة وإحاطة، ورغم أن الدستور مشروع وطنى يشغلُ ويعنى كل الناس إلا أنه فى مكنة القانونيين والحقوقيين والإعلاميين الاطلاع بمسألة الإرشاد والإنارة لكثير من مواده.