السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

د. راضي جودة يكتب: أعلام من بلدنا.. عائشة عبدالرحمن "بنت الشاطئ"

راضي جودة
راضي جودة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ولدت عائشة عبدالرحمن بسوق الحسبة بمحافظة دمياط في 6 نوفمبر1913 ووالدها كان من رجال الأزهر، ومنذ الطفولة كانت تتردد على كُتاب الشيخ موسى تحفظ القرآن الكريم، ولم تبلغ سن السادسة من عمرها حتى كانت قد أتمت حفظ القرآن الكريم قراءة وتجويدًا، وبدأت يداها الصغيرتان تعبثان بكتب أبيها في المكتبة التي كانت تضم أمهات الكتب حتى تعلقت الفتاة بالعلم لكن أباها رفض تعليمها، بينما جدها الشيخ محمد الدمهوجي تولى أمرها من وراء أبيها وأخذ يدها وذهب بها إلى المدرسة وكانت طالبة متفوقة في مستواها التعليمي، وقدر المعلومات التي تعرفها يفوق مستوى زميلاتها في علمها واجتهادها؛ حيث كانت تعرف الفقه والتفسير وتحفظ ألفية ابن مالك.
حصلت على شهادة المعلمات بطنطا وكان عمرها لا يتجاوز الخامسة عشرة، وكان ذلك عام 1928، وكانت عائشة الأولى على القطر المصري، وحصلت على الثانوية العامة عام 1932 والتحقت بجامعة فؤاد الأول كلية الآداب قسم اللغة العربية التي كانت تعشقها منذ البداية، وبدأت منذ عام 1932 خطواتها في عالم الصحافة، وكتبت في أهم جريدة مصرية (الأهرام) فكانت تناقش موضوعات تهم الفلاحين الذين انتمت إليهم وكانت توقع باسم "بنت الشاطئ"، وهو الاسم الذي لازمها طوال حياتها.
كانت بنت الشاطئ واحدة في مثلث رائدة الحركة النسائية في مصر: سهير القلماوي– أمينة السعيد– عائشة عبدالرحمن، كلهن من جيل واحد وكن من أوائل من التحقن بالجامعة ثم أثرين الحياة الثقافية في مصر، وبذلك تفوقت بنت الشاطئ في حياتها العملية في ثلاثة اتجاهات: الجامعة– الصحافة– الأدب.
وعملت بعدة جامعات ومؤسسات، من بينها مدرس جامعة القاهرة؛ مفتشة لغة عربية بوزارة المعارف، مدرس وأستاذ مساعد بجامعة عين شمس، أستاذ للتفسير والدراسات العليا بكلية الشريعة جامعة القرويين بالمغرب وغيرها.
وكان الجزء الأكبر من إنتاجها وأفكارها قد حوته مجلدات أكثر من أربعين كتابًا وأكثر من خمسين بحثًا منشورًا، ومن كتبها على سبيل المثال لا الحصر: التفسير البياني للقرآن الكريم جزء 1، 2، ورسالة الغفران، ورسالة الصاهل والشاحج، وأرض المعجزات ولقاء مع التاريخ "رحلة في جزيرة العرب" و"القرآن وقضايا الإنسان" وعمل أدبى اسمه "على الجسر" يحتوى على السيرة الذاتية لها.
وقد نالت بنت الشاطئ من الأوسمة والجوائز ما لم تنله باحثة مصرية أو عربية من قبل ومن بعد حتى وقتنا الحاضر– على حد علمي- فقد حصلت على وسام الكفاءة الفكرية من الملك الحسن الثاني ملك المغرب سنة 1967، وجائزة الدولة التقديرية للآداب سنة 1978، وجائزة المجمع اللغوي بالقاهرة سنة 1950 وذلك في تحقيق النصوص، ثم مرة أخرى سنة 1953 في القصة القصيرة، ونالت شهادة التقدير من المنظمة العربية للتربية والتعليم والثقافة في مصر سنة 1980. وكانت الدكتورة عائشة قد بدأت رحلة التفوق وتحصيل الجوائز منذ وقت مبكر وذلك بحصولها على جائزة الدولة المصرية للدراسات الاجتماعية عن الريف المصري سنة 1936. وأخيرًا يأتي التتويج المبارك لمسيرتها العلمية الفائقة بحصولها على جائزة الملك فيصل آل سعود العالمية عام 1993. لقد كان ذلك تقديرًا لجهودها في خدمة الإسلام واللغة العربية.
لم تكن بنت الشاطئ ناجحة في حياتها العملية والأدبية فقط، بل كانت زوجة ناجحة، فقد تزوجت من أستاذها أمين الخولي وتعرف حق زوجها فكان لها نعم الزوج. كان زوجًا وأستاذًا، وكانت له الوفاء مجسدًا في حياته وبعد مماته، ظلت تذكره وتنتظر لقاءه طوال 38 عامًا عاشتها بعده وهي التي لم تدم حياتهما معًا سوى 20 عامًا. 
وكانت أمًّا ناجحة لثلاثة أبناء استطاعت أن تجعلهم جميعًا في مقدمة الصفوف. 
لكن الأيام لا بد أن تضع بصماتها الحزينة في حياتنا ولم تنج بنت الشاطئ من بصمات الحياة القاسية. فتفقد بعد زوجها ابنتها أمينة، ومن بعدها ابنها أكمل عام 1991 لتعيش بعد ذلك على الجسر الذي يصل بين الحياة والموت لا تعرف إلى أي عالم تنتمي، إلى عالم الأحياء أو إلى عالم مَن اشتاقت إليهم تنتظر لقاءهم، لم تكن تتعجل العبور، لكنها لم تتق الانتظار، وهكذا أتمت بنت الشاطئ رحلة الحياة وعبرت الجسر في الساعة الرابعة مساء يوم الثلاثاء 12 من شهر شعبان 1419هـ الموافق 1 ديسمبر 1998م بالقاهرة.
بحق كان يوم رحيل بنت الشاطئ يومًا عصيبًا اهتزت له الأوساط الثقافية والعلمية في مصر، بل وفي العالم العربي والإسلامي كله، ولعل ما كتبه رفاقها عنها بعد وفاتها لخير دليل على مكانتها كعالمة ومفكرة وكاتبة وإنسانة، ومن هؤلاء الكاتب محمد حسنين هيكل الذي قال عنها: "مقاتلة في سبيل فكر أعطته عمرها، عند الله نستودعها جميعًا رغم آلامنا لفراقها، وفي رحابه نتركها جميعًا كما عرفناها مؤمنة ومقاتلة في سبيل فكر أعطته عملها وعمرها وتفانت فيه إلى درجة التوحد والفناء".