السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"موت صغير".. مساهمة البوكر في تجديد الخطاب الديني

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"ليكن هناك مزيد من التصوف ينتشل العالم من ماديته التي نتجت عنها أفكار متطرفة مثلت زورًا وبهتانًا وجهًا بشعًا للدين الإسلامي؛ تحولت هذه الأفكار فيما بعد إلى أفعال آثمة نفذتها يد الإرهاب منها شلالات الدم التي تنتشر في أماكن متفرقة من العالم لتشكل حديث الساعة"؛ هذا معنى ردده الكثيرون منذ اندلاع ثورات الربيع العربي وتعالي صوت التيارات الدينية المتطرفة؛ ربما يكون النداء بثورة صوفية جاء بشكل تلقائي دون تعمد من أحد؛ وربما إحلالها لتصبح في مواجهة الفكر السلفي الوهابي يعد مساهمة قوية في تجديد الخطاب الديني الذي تنادي به مصر منذ الإطاحة بالمعزول وحتى يومنا هذا.
فعقب ثورات الربيع العربي انهالت فرق الإنشاد الصوفي في كافة المحافل الفنية والثقافية لتقدم حفلاتها ويتوافد عليها المئات؛ كما انتشرت الأعمال الدرامية التي تعبر عن ذلك وذاع صيت كتاب سيناريو لم يذع صيتهم من قبل منهم ناصر عبد الرحمن وعبد الرحيم كمال ومحمد أمين راضي؛ ولم يكن الأدب بمعزل عن تلك الثورة الصوفية فبدأت سلاسل الروايات والأعمال الأدبية في سلوك ذلك المنحى سواء على مستوى الإبداعات الجديدة أو إعادة طرح لأعمال قديمة لم تكن ذائعة الصيت حينها من هذه الأعمال نذكر مسرحية "الحلاج" لصلاح عبد الصبور الذي تأثر فيها بشخصية الحلاج وازداد تقديمها على خشبات المسارح عقب الثورات مقارنة بأي فترة سابقة؛ كما قدمت أيضا مسرحية "ليلة السهروردي الأخيرة" لمحمد فريد أبو سعدة محمد فريد ابو سعدة كما تحفل الرواية المعاصرة بتجليات الأثر الصوفي عليها كما هي الحال في كتاب التجليات الأسفار الثلاثة لجمال الغيطانى، التى تقترب لغتها من النصوص الصوفية، ورواية شجرة العابد لعمار على حسن، ثم طلت الكاتبة التركية إليف شافاق بروايتها قواعد العشق الأربعون التي لاقت رواجا منقطع النظير، والتى تدور أحداثها حول شخصية جلال الدين الرومى وشمس الدين التبريزى. 
وتبدو اللمحة الصوفية واضحة عند السوري الراحل سعد الله ونوس فى رائعته المسرحية طقوس الأشارات والتحولات، وكذلك في أعمال الليبي إبراهيم الكونى مثل البئر والمجوس، وعند أدباء المغرب العربى في أعمال بن سالم حميش فى روايتيه العلامة ومجنون الحب، المستوحاة من تاريخ ابن خلدون، وهناك أيضا التونسى محمد الأشعرى وروايته "جنوب الروح"، ومحمد السرغينى وروايته "وجدتك فى هذا الأرخبيل"، ومحمود السعدنى وروايته "حدثنا أبو هريرة وقال"، والميلودى شمغوم وروايته "مسالك الزيتون".
فمن المرجح أن تكون كل رموز الصوفية تم تحويلهم إلى شخصيات درامية في أعمال أدبية؛ حتى ابن عربي ففي العام 2015 أعلنت دار نشر مصرية متخصصة في نشر كتب الصوفية تدعى "كشيدة" عن تدشينها مسابقة في الروايات الصوفية؛ وفازت بالمركز الأول بالجائزة رواية "فضاء أزرق لحلم غامض" للروائي محمود عبد الله تهامي التي تستلهم أحداثها من حياة شيخ المتصوفة الأكبر محيي الدين بن عربي، وبداية تساؤلاته حول الحياة والوجود وصولا للقاء شيوخ المتصوفة والفلاسفة أمثال ابن رشد والزاهدات أمثال السيدة فاطمة بنت أبي المثنى، وينطلق في رحلة في بلاد المغرب العربي حتى يصل للقاهرة؛ ليتوقف السارد عن تأملاته معلنًا أن الحكاية لم تتم؛ والرواية أرض مغايرة للتاريخ وليست استنساخًا له لتنعكس تلك الحكاية على فترة التحول التي يمر بها كل إنسان، من حالة المسلمات الفكرية التي ينتج عنها اضطراب وحيرة وقلق، إلى مرحلة أرحب وأوسع، يبلور فيها الإنسان فلسفة خاصة به، ومعنى يعيشه للحياة.
ومنذ أيام فازت رواية "موت صغير" للروائي السعودي محمد حسن علوان بالجائزة العالمية للرواية العالمية بوكر تتناول هذه الرواية من خلال 12 فصل اختار لها الروائي اسم أسفار بدلا من فصول عرضها من خلال 100 مقطع كتابي تناولت تلك الكتابات سيرة روائية شبه متخيّلة لحياة محيي الدين بن عربي منذ ولادته في الأندلس في منتصف القرن السادس الهجري وحتى وفاته في دمشق حيث سلطت الضوء على رحيل ابن عربي وسفره من الأندلس غربًا وحتى آذربيجان شرقًا، مرورًا بالمغرب ومصر والحجاز والشام والعراق وتركيا، يعيش خلالها البطل تجربة صوفية عميقة يحملها بين جنبات روحه القلقة ليؤدي رسالته في ظل دول وأحداث متخيّلة، مارًا بمدن عديدة وأشخاص كثر وحروب لا تذر ومشاعر مضطربة؛ رابطا كل هذا بحبكة واقعية تاريخية من خلال رحلة مجموعة مخطوطات تتحدث عن سيرة ابن عربي استقرت في بيروت في العام 2012 بأسلوب يمزج بين الواقعية والمعاصرة وأساليب المتصوفة في الكتابة التي تميل إلى الشاعرية؛ يتضح هذا حتى في اختياره لتقسيم روايته إلى أسفار مثلما فعل جمال الغيطاني في كتابه التجليات.
لم يقدم محمد حسن علوان جديدا عما قدم سوى في محاولة تجريده لشخصية ابن عربي وبالتالي محاولة أنسانته بدلا من قدسيته المعروف بها لدى الصوفية؛ وهذا الوعي التجريدي مكرر أيضا فربما أن يكون اقترب منه كزانتزاكس في روايته المثيرة للجدل "الإغواء الأخير للسيد المسيح" أو ما فعله آدم كوبرز في كتابته لفيلم "الخروج" الذي تناول شخصية النبي موسى كونه إنسان ونزع عنه هالة النبوة؛ إذن لم يقدم علوان شيئا جديدا في سوى استكمال مسيرة الثورة الصوفية التي نشبت تلقائيا بالتزامن مع اندلاع ثورات الربيع العربي؛ ما يدفع البعض للتشكيك في فوز العمل لكونه الأفضل أو لأنه المتفرد؛ بل أن جزء من توجهات الجائزة الإنجليزية المنشأ انحاز لتلك الثورة الصوفية ودورها في مواجهة ذلك الفكر المتطرف الذي استهدف أوروبا نفسها من خلال الأعمال الإرهابية التي نقرأ عنه في خبر تلو الآخر.