الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

في ذكرى وفاة سارتر.."بولو الصغير" ورحلته مع الآخر

بولو الصغير
بولو الصغير
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
علاقة الأعمال الفنيه والأدبية بالفلسفة علاقه مترابطه، فالفلسفة تحتاج الفن لتذويب أفكارها وتقدمها بوجهات نظرها المختلفة، وبما أن الفلسفة الحديثة خاصة كانت قائمة على الشك وعدم التسليم بالثوابت والمسلمات فكانت أحد وسائل اكتشاف الحقيقة هو إستخدام الخيال الذى سيغذى ويطرح وجهات نظر مختلفة وأقرب وسيلة بطبيعة الحال للتعبيرعن الخيال هو الفن، فتوجهه العديد من الفلاسفة إلى المسرح والروايه والقصة للتعبير عن فلفستهم.
ويعتبر جان بول سارتر احد هؤلاء الفلاسفه فهو روائي، وكاتب مسرحي، كاتب سيناريو وناقد أدبي. والأسم الأشهر ضمن الفلاسفة فى الوسط الثقافى، لما له من أعمال فنية قدمها واستطاع أن يظهر فلسفته من خلال إنتاجه الفنى. فقدم نصوص مسرحية مثل الغرفة المغلقة أو لا مخرج، والذباب، والعاهرة الفاضلة، والشيطان والله الصالح، ومساجين ألتونا، له مجموعة قصصية بعنوان الحائط وراية الغثيان والثلاثية طرق الحرية، ومن كتبه الوجود والعدم، والكتاب المختصر الوجودية مذهب إنسانى، ونقد العقل الجدلى. واليوم فى ذكرى وفاته تيسر البوابة نيوز فى الطريق الذى شكل حياة وفلسفة "بولو الصغير" جان بول سارتر أحد اهم فلاسفة القرن العشرين.
ولد سارتر فى أسرة برجوازية وبعد موت الأب الذى كان يعمل «ضابط بحرى» تعهده جده بالرعاية والحنان والقراءة والاطلاع فاستطعم عظمة الكتاب وسره وهو لم يبلغ الثالثة بعد.. وبفضل هذا الجد الذى كان يدّرس اللغة الفرنسية للأجانب عرف «بولو» أشياء كثيرة عن الثقافة الفرنسية وأدابها، ولكن نتيجة لإهمال هذا الجد أيضًا فقدت عينه اليمنى البصر. أما الجدة فكانت تقص عليه الحكايات الخيالية؛ لكنه كان يفاجئها بخيال أكثر سحرًا ويتولى إعادة رواية القصة على مسامعها بصورة جديدة.
وفى ظل إجواء الحرب العالمية الثانية درس سارتر الفلسفة وتم تجنيده أثناء الحرب وأسر ثم أطلق سراحه، ولكن التجربة تركت آثار عميقة غائرة تجلت فى تحوله من الدرجة الثالثة فى سلم المقاومة إلى الدرجة الثانية وقرر أن يقاوم بسلاحه (الكتابة)، وكانت فرنسا فى ذلك الوقت تحت عدوان الألمان وحكومة فيشى الموالية له، فشارك أعضاء المقاومة لحماية مسرح الكوميدى فرانسيز من أى تخريب ألمانى.
ونتيجة التغيرات التى طرأت على الفن خاصة بعد الحرب العالمية الثانية ونتيجة الأراء التى غيرت مسار الفلسفة خاصة بعد نيتشة وفقدان الإيمان بالطبيعة وبالألهه، والإعلاء من قيمة الفلسفة المادية، أو محاولات التوافق بين الفلسفة المثالية والأفلاطونية وبين المادية، تزامن فى ذلك الوقت دراسة سارتر عامًا فى المعهد الفرنسى فى برلين لدراسة هدجر وهوسرل سعيًا للوصول لأسلوب فلسفى يقربه من الواقع، فكانت الفلسفة الظاهرانية هى من هيأت له إعلاء الوعى واشتهرت عباراته الفلسفية الغامضة التى عرفها العالم أجمع «الوجود فى ذاته» «والوجود لذاته»، فقد يعود أهتمام سارتر بالذات الإنسانية نتيجة دراسته لهوسرل مؤسس الظاهراتية أو الفينومينولوجيا التى صبت أهتمامها على الإنسان ونمط وجوده فى هذا العالم والتى خرجت من رحمها الفلسفة الوجودية، فسارتر كان من ضمن فلاسفة الظاهراتية فى المقام الأول ثم كرس جهوده فى الوجودية. 
ومع وجودية سارتر -التى أنتشرت فى فرنسا ومن ثم أنحاء العالم- نظرت الفلسفة بنظرة جديدة للذات الإنسانية وللأخر، فعلى الرغم من أن هوسرل تعامل مع الأخر على انه الكيان الذى أسطيع ان ارى فيه ذاتى، تعامل سارتر من الأخر على انه الجحيم، هو العدو، وقد يصبح هذا الأخر حاجز لرؤية ذاتى، وعبر سارتر عن أبعاد هذا الفكرة فى مسرحيته خلف الأبواب المغلقة التى كتبها عام 1944 التى تحولت مع الزمن إلى المرجع الشارح لجملة سارتر الشهيرة "الجحيم هى الأخر" فمن خلال العلاقات التى كونها فى النص بين الشخصيات والمكان والزمان أشار لمغذى جملته، وأصبحت تقدمت على يد العديد من المخرجين فى بلدان مختلفه 
تميزت موضوعات سارتر الدرامية بالتركيز على حالة أقرب إلى المأزق أو الورطة ومسرحياته «الذباب» «اللامخرج» «المنتصرون» تدور في غرف التـعذيب أو في غرفة في جهنم أو تحكي عن طاعون مصدره الذباب، وتدور معظمها حول الجهد الذي يبذله المرء ليختار حياته وأسلوبها كما يرغب والصراع الذي ينتج من القوى التقليدية بالعالم التقليدي الذي يوقع البطـل في مأزق ويحاول محاصرته والإيقـاع به وتشـويشه وتشويهه.
وتوفي «زي النهارده» في 15 أبريل 1980 ودفن فى مقابر مونبارناس بباريس وأوصى أن تحرق جثته.