الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مشروع قومي لهزيمة الإرهاب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مرة أخرى يضرب الإرهاب ضربته!.
فى بضع ساعات لا غير، إضافة للملف المتخم بعمليات القتل والتفجير والعدوان والترويع، طوّحَ الإرهاب بحياة ضابط الأمن الوطني، المقدم "محمد مبروك"، حامل ملف إثبات خيانة وتآمر المجرم "محمد مرسي"، وأسقط عشرات القتلى والمصابين من المجندين البسطاء، تعساء الحظ ، الذين اغتالتهم يد الإرهاب الغادرة، دونما ذنب جنوه، أو جريمة ارتكبوها، فى "الشيخ زويد"، ثم قتل النقيب بمديرية أمن القليوبية "أحمد سمير هلال"!.
فيما، على مستوى آخر، تم إحراق جامعة الأزهر، بواسطة بلطجية جماعة "الإخوان"، مع استمرار التهديدات فى باقى الجامعات، بهدف ترويع المجتمع الجامعي وإفساد العام الدراسي، مع إشغال المجتمع واستنزاف طاقته وهز استقراره السياسي والاقتصادي، باستغلال الأحداث والمناسبات المتواترة، وآخرها تدمير حجر الأساس للنُصب التذكاري للشهداء بميدان التحرير، ومنع إنشاء صوان لتلاوة آيات الذكر الحكيم، على أرواح شهداء الثورة وشهداء شارع محمد محمود، فضلاً عن إحراق العلم المصري، ورفع إشارة رابعة فى قلب ميدان التحرير، بما يحمله ذلك من معانٍ ودلالات!.
وهكذا، فقد تصاعدت وتنوعت صور ووتيرة هجوم جماعات الإرهاب المتلفع بالدين، فى ظل ظروف مُعقدة بالغة الخطورة، تهدد مستقبل مصر ونتائج ثورتها، وفى سياق مؤامرة خارجية مكشوفة التحركات واضحة الخيوط، بقيادة الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل وتركيا، وفى ذيلهم مشيخة قطر، ويلعب فيها "التنظيم الدولي" للإخوان، وحلفاؤه من جماعات الإرهاب الديني، (القاعدة وأشباهها)، دورًا محوريًا، هدفها المعلن تدمير الدولة الوطنية التاريخية، وإعادة جماعة "الإخوان"، ورئيسها "محمد مرسي" إلى سدة الحكم، تأمينًا للمصالح الاستعمارية فى بلادنا، وضمانًا لأمن إسرائيل، واستثمارًا لما أنفقته أمريكا والغرب، من مليارات، على عملية تحضير جماعة "الإخوان" لتسلم "مُلك مصر"، والتى استمرت على امتداد عقود، مقابل الوفاء بتعهداتها المعروفة للغرب وأشياعه!.
المؤامرة واضحة إذن.. لا شيء فيها يخفى على الأنظار، لكن الغريب والخطير فى آن، أن استجابة السلطة الحاكمة لتحديات مواجهة هذه المؤامرة، على درجة بالغة من التخبط والرخاوة والتردد، وبما يعنى المزيد والمزيد من الضحايا الأبرياء الذين تسيل دماؤهم الزكية كل يوم، والمزيد والمزيد من عدم الاستقرار المجتمعي، والتردي الاقتصادي، والتعثر السياسي، وصولًا إلى ما تخطط له هذه المؤامرة المحبوكة، والمعلن عنه مرارًا وتكرارًا، من دفع الأمور إلى لحظة الانفجار.. فالانهيار!.
والأغرب فيما يقع من أحداث وتوابع، أن الأمن والقوات المسلحة يخوضان هذه الحرب وحدهما، كأنهما يخوضانها فى بلدٍ بعيد، دون توفر المساندة المجتمعية الواجبة، فهما ومعركتهما فى وادٍ، وباقي الدولة والمجتمع فى وادٍ آخر، وهذا أمر على درجة بالغة من الخطورة، ذلك أن الحرب ضد الإرهاب هى حرب ضروس بمعنى الكلمة، وهى أشد قسوة حتى من الحرب ضد عدو أجنبي واضح المعالم والأطماع للجميع، بينما هذه الحرب تُخاض فى مواجهة عناصر الجماعات الإرهابية، التى تعيش بين ظهرانينا، وتتحدث لغتنا، وتتخفى فى مسامنا وتتحرك وتتآمر تحت جلدنا!.
وإذا كنا قد احتجنا، فى سبيل إزالة آثار عدوان1967، وطرد الاحتلال الإسرائيلي لسيناء والأراضي المصرية الأخرى، إلى تجييش الوطن كله، وإلى حشد كل طاقات المجتمع: جيشًا وشعبًا، اقتصادًا وسياسةً، وإعلامًا وتعليمًا، ومسجدًا وكنيسة، وثقافةً ووعيًا، ولمدة ست سنوات متواصلة حتى عبور 6 أكتوبر1973، فيقيني أن الانتصار فى المعركة ضد الإرهاب لن يتحقق إلا إذا تعاملنا مع هذه القضية على هذا النحو، وبأعلى درجات الاهتمام، والتركيز، والحزم، والانضباط!.
وهذا الوضع يستلزم: 
أولًا: إعلان واضح ورسمي من الدولة بأنها قررت أن تخوض الحرب ضد الإرهاب بلا هوادة حتى النصر، وإعلان التعبئة الوطنية الشاملة، لمجابهة مصيرية ضد الإرهاب لن تتوقف حتى تقطع دابره، وتنهي وجوده، وتجتث جذوره، دون أدنى تردد أو إبطاء.
ثانيًا: أن تعلن الدولة أنها تنفض يدها، ونهائيًا، من كل ما يعوق حركتها فى هذا الاتجاه، خصوصًا من دعاة "التهدئة" وأدعياء "المصالحة" داخلها، الذين يعوقون قدرتها على الحسم، وأن تتخلص من عناصر "الطابور الخامس" التى زرعتها جماعة الإخوان الإجرامية فى كل خلايا أجهزة الدولة، وبعض المراكز والهيئات الحسّاسة، لدورهم الخطير لصالح المخربين، وفى إفساد مخططات مواجهة الإرهاب!.
ثالثًا: وضع كل أجهزة الدولة ومؤسساتها فى خدمة معركة القضاء على الإرهاب، وبحيث تتناغم حركتها معًا من أجل تحقيق أفضل النتائج، فى أسرع وقت، وبأقل كلفة بشريًا وماديًا.
رابعًا: اعتبار أن "هزيمة الإرهاب" هو "المشروع القومي" المفتقد لمصر وشعبها. 
وهذا أمر صحيح للغاية، فلا تقدم ولا إنجاز ولا نهوض أو تطلع للتقدم، إلا بتخليص مصر من إخطبوط الإرهاب الذى يلتف بأطرافه القاتلة حول كل مناحي الحياة فى البلاد، والعمل، فى كل لحظة، وفقًا لهذا التصور، وخاصة فى سياق حشد أبناء الشعب المصري، وتوعيتهم، وتنظيم صفوفهم، على كل الجبهات، حتى يتحقق النصر.
خامسًا: وهو الأهم، إن الحروب المصيرية، من نوع الحرب ضد الإرهاب، حروب متشعبة الجبهات والأبعاد والمسارات، ويعتمد المخربون على بيئة اقتصادية وفكرية متدنية، مهيئة لبث الدعاية الإرهابية، واجتلاب المتعاطفين، وتجنيد العملاء والأنصار والمؤيدين.
ومن هنا فإن غياب "العدالة الاجتماعية"، واحتدام عمليات الاستغلال الاجتماعي، واتساع الفوارق الطبقية، والانحيازات "النيو ليبرالية"... إلخ، والتي تفاقم من أوضاع الفقر والجهل والبطالة والتفسخ الاجتماعي والعوز الاقتصادي، إنما تمثل البيئة المناسبة لنمو وانتشار الظواهر الإرهابية، واحتضان الخارجين على القانون، وتهيئة المناخ للتدمير والتخريب.
سادسًا: وفى هذا السياق تبدو الحاجة ماسة إلى ثورة ثقافية جديدة، حقيقية وعميقة، عمادها نظام تعليمي كفء ورشيد، وثقافة إنسانية حرّة ومتسامحة، لإعادة بناء وعي المواطن المصري، وتشكيل عقله النقدي مجددًا، بعد أن تعرض لعمليات تشويش ممنهجة من قوى الإرهاب والتطرف، بأفكارها المنحرفة ومفاهيمها المدمرة.
سابعًا: وتبقى الحرية، فى المقام الأول والأخير، هى العاصم من الإرهاب والعنف والإجرام، إذ لا يصح أن يُستغل مناخ الحرب ضد الإرهاب، لفرض المزيد من القيود على الحرية، فليست الحرية هى سبب تفاقم ظاهرة الإرهاب، بل إن العكس هو الصحيح، ففي مناخ القهر والاستبداد، وغياب الرقابة الشعبية، وتسلط الفساد والبيروقراطية، ازداد التسيب والفقر والترهل الاجتماعي، وتداعي أجهزة الدولة التى تخلت عن أبسط واجباتها تجاه المجتمع، تاركة تلك المهمة لجماعات الإرهاب: "الإخوان" وأشياعها، وتدفقت المليارات من الخارج إليها، لكى ترث دور الدولة، مُقدمة الفتات لآلاف الجوعى والبؤساء، مقابل حصد أصواتهم فى صناديق الانتخابات، وفى غياب الحرية قُيِّدت حركة الأحزاب السياسية فعجزت عن النمو والمواجهة، وأفسح المجال أمام التيارات الدينية المتطرفة، وفتحت لها آلاف المساجد تتخذ منها بؤرًا لتنظيم الاتباع وبث الفتنة.
هذا أوان الفعل والعمل، ولا يجب إهدار دقيقة واحدة قد تؤثر على نتيجة معركة الوجود التى تخوضها البلاد، وفيها لا مكان للأيدي المرتعشة، أو الأفكار المشوشة، أو العقول المرتبكة أو الإرادات الخائرة.