الأربعاء 22 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

"السيسي" يطلق طاقات الإبداع والخيال في مؤتمر الشباب بشرم الشيخ.. جويدة: فرصة تاريخية لنسمع شبابنا.. ياسين: تفكير خارج الصندوق وتشجيع لثقافة الابتكار

 الرئيس عبد الفتاح
الرئيس عبد الفتاح السيسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتجه الأنظار لمدينة شرم الشيخ التي تحتضن اعتبارا من غد "الثلاثاء" المؤتمر الوطني الأول للشباب وسط حضور ثقافي ساطع واهتمام كبير بقضايا الإبداع وتحفيز قدرات الشباب على الابتكار بما يشكل انتصارا جديدا "لثقافة الإبداع والابتكار".
ولن يغيب عن الأذهان مغزى دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإطلاق هذا المؤتمر الذي يعد الأول من نوعه والذي يستمر ثلاثة أيام تحت شعار "ابدع.. انطلق" فيما من المنتظر أن يشهد المؤتمر إطلاق "جائزة الإبداع السنوي للشباب" كحافز للشباب المبدع في المجالات العلمية والثقافية والفنية والرياضية.
واكتسبت "ثقافة الابتكار" في مصر دعما لافتا منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مهام مسؤوليته الوطنية وتوج عام 2014 بمبادرة قومية تشجع ثقافة الابتكار وسط ترحيب الجماعة الثقافية المصرية بهذه المبادرة التي أطلقها رئيس مصر في نهاية العام 2014 في عيد العلم تحت عنوان "نحو بناء مجتمع مصري يتعلم ويفكر ويبتكر".
وإذ عبرت هذه المبادرة القومية عن إدراك عميق لأهمية ثقافة الابتكار وتوجيه أولويات الدولة نحو بناء الإنسان ها هي تلك الثقافة الإيجابية والبناءة تكتسب المزيد من الزخم مع انعقاد المؤتمر الوطني الأول للشباب الذي سيناقش العديد من القضايا الشبابية من خلال 20 جلسة عامة و8 ورش عمل رئيسية فيما سيقام في اليوم الختامي للمؤتمر حفل غنائي شبابي يتضمن قصائد للشعراء وإبداعات فنية غنائية وموسيقية للشباب.
وعلى مستوى فعاليات المؤتمر والقضايا الأساسية المطروحة للبحث عبر جلساته وورش عمله تتوهج الاهتمامات الابداعية في عناوين مثل "قضايا الهوية الثقافية" و"تأثير السينما والدراما في تشكيل الوعي" و"سبل تعظيم الاستفادة من إمكانات الدولة لإثراء النشاط الثقافي والفني والأدبي" ناهيك عن قضايا التعليم المرتبطة بالابتكار والإبداع مثل رؤية الشباب لإصلاح منظومة التعليم العالي والبحث العلمي وإصلاح منظومة التعليم قبل الجامعي.
والهم الثقافي الإبداعي ليس بعيدا أيضا عن عناوين لجلسات بحثية في المؤتمر الوطني الأول للشباب مثل "دراسة التأثيرات السلبية على الشخصية المصرية وسبل علاجها" و"رؤية الشباب لآفاق المستقبل" و"تأثير وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في تكوين الوعي وصناعة الرأي العام" بينما تتضمن الفعاليات معرضا للفنون والإبداع وصالونا ثقافيا ومسرحا للمواهب.
ويتسق ذلك كله مع دعوات أطلقها من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي "لإطلاق طاقات الإبداع والخيال وتحديث الفكر في كل مؤسسات الدولة من أجل مواجهة التحديات التي لن تجدي معها الحلول التقليدية".
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أعلن أن عام 2016 هو "عام الشباب" مؤكدا على أهمية الحوار مع الأجيال الجديدة بينما يأتي هذا المؤتمر ليجسد مفردات في الخطاب الرئاسي المصري تشدد على أنه "لا تقدم للأمام بدون الشباب ولا نهضة حقيقية سوى بسواعدهم ولا دخول إلى عالم المستقبل سوى بعقولهم".
ومصر "دولة شابة" لأن نسبة تصل إلى نحو 60 في المائة من سكانها من الشباب وهم بإبداعهم في كل المجالات يشكلون أجنحة هذا الوطن لصنع المستقبل والغد الأفضل بقدر ما يمثلون "صوت الأمل وقوة مناوئة بطبيعتها الشابة لشيخوخة الخيال".
وتتوالى التعليقات في الصحف ووسائل الإعلام والمنابر الثقافية حول فعاليات ومحاور هذا المؤتمر المهم الذي يصل عدد المشاركين فيه لنحو ثلاثة آلاف شاب ومن بينها تجربة المشاركة السياسية الشبابية في البرلمان والعلاقة بين المشاركة السياسية للشباب والحريات العامة ومكافحة البطالة والهجرة غير الشرعية.
ورأى الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة أن أهمية المؤتمر تأتي من عدة أسباب أهمها أنه "أكبر حشد من الشباب يجتمع تحت رعاية الدولة منذ أحداث ثورة يناير 2011 وسوف يكون هذا المؤتمر فرصة لطرح القضايا التي تهم الشباب بكل الوضوح والشفافية" لافتا إلى أن الدولة حريصة على استعادة جسورها مع الأجيال الجديدة".
وإذ اعتبر جويدة المؤتمر المرتقب "فرصة تاريخية لنسمع شبابنا" الذي يعاني من "ثلاثية متداخلة ولا يمكن الفصل بينها" وهي "الأزمة الثقافية وأزمة التعليم والخطاب الديني" موضحا أن الأزمة الثقافية تتجسد في "فكر متخلف ورؤى ضيقة" فإنه أكد على أهمية المشاركة السياسية للشباب وضرورة مناقشة سبل مواجهة أزمة البطالة التي وصفها بأنها "أخطر ما يهدد الشباب المصري".
كما شدد هذا الشاعر الكبير والكاتب في جريدة الأهرام على أهمية تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة التي روجتها جماعات خلطت الدين بالسياسة "وان يدرك الشباب انهم أبناء وطن قام على الحب والتسامح وان الوطن يتسع لنا جميعا بقدر ما نشارك في بنائه ورفعته".
ولئن أشار فاروق جويدة في سياق تناوله العميق لهذا المؤتمر الشبابي الحاشد والأزمات التي عانى منها الشباب إلى أن "الثقافة تحتاج انفتاحا أكثر" فقد نوه بأن "الخطاب الديني لابد وان ينطلق من منظور ثقافي واع وتعليم متطور ومحاولات جادة للخروج من هيمنة الجماعات المتطرفة التي سيطرت على عقول شبابنا زمنا طويلا".
ويعيد هذا المثقف المصري الكبير للأذهان طروحات ثقافية عديدة تؤكد أهمية المكون الثقافي لمؤسسات بناء الوعي في المجتمع المصري والاهتمام بالدور التنويري للمؤسسات الثقافية خاصة مع سلبيات ظاهرة تتسبب فيها بعض مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات الخاصة عبر بث معلومات مشوهة أو مواد مغلوطة تستهدف الشباب على وجه الخصوص في سياق ما يعرف "بالتضليل الإعلامي والتلاعب بالعقول وتزييف الوعي".
والأمر على أي حال ليس بعيد عن المشهد الثقافي العالمي الذي يولي الكثير من الاهتمام لقضايا وهموم الشباب ومن بينها تراجع إقبال الشباب في الغرب على المشاركة في الانتخابات فضلا عما يعرف "بأزمة المشاعر" خاصة في مراحل التحولات وما بعد الثورات والأحداث المفصلية في مسيرة أي مجتمع.
وعلى سبيل المثال فالفائز بجائزة نوبل في الآداب هذا العام وهو الفنان والشاعر الغنائي الأمريكي بوب ديلان صاحب اهتمامات ثقافية أصيلة بقضايا وهموم الشباب و"الأزمنة الجديدة التي يصنعها الحراك الشبابي عبر سبل ثقافية وفنية " مع نظرات ثقافية متبصرة لواقع الشباب في بلاده أثناء مراحل التحولات والأحداث المفصلية وما بعدها وهي نظرات تتجلى على وجه الخصوص في مرحلة الستينيات من القرن العشرين.
كما أن أحد ابعاد تميز بوب ديلان كفنان وشاعر غنائي يرجع لقدرته الفذة على التعبير عن "العالم الجديد الذي يحلم به الشباب" ناهيك عن التواصل معهم واحيانا الحديث إبداعيا باسمهم ولعل تجربة هذا النوبلي المثير للجدل جديرة بدراسات ثقافية متعمقة في مصر والعالم العربي على وجه العموم في ضوء ما يتحدث عنه مثقفون في المنطقة حول وجود فجوة بين الإنتاج الثقافي الإبداعي الرفيع المستوى والجماهير وفي القلب منها الكتل الشبابية وهي فجوة تؤثر سلبا على المقاومة الثقافية الواجبة للأفكار المتطرفة والمحفزة للإرهاب.
ولاريب أن قضايا المشاركة السياسية للشباب والأجيال الجديدة لا يمكن عزلها عن متغيرات عميقة طالت العالم كله مثل انتشار ما يعرف "بالثقافة الرقمية" مع سطوة الشبكة العنكبوتية أو "الإنترنت".
ومن يطالع الصحف البريطانية سيجد حالة اهتمام مشوب بقلق حيال "ظاهرة العزوف الانتخابي للشباب" فيما كانت صحيفة الجارديان قد اعتبرت أن هذه الظاهرة بحاجة للمواجهة عبر "التثقيف والتعليم السياسي بسبل غير تقليدية" لافتة إلى أن الشباب والنشء هم من يتأثرون أكثر من غيرهم بقرارات تتخذ عبر صناديق الانتخابات والتصويت في استفتاءات مثل الاستفتاء الذي أجري في منتصف هذا العام وأسفر عن قرار بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
و"ظاهرة العزوف الانتخابي للشباب في بريطانيا وإحجامهم عن المشاركة السياسية عبر الأبنية والهياكل المتعارف عليها تاريخيا في هذا المجتمع كانت ملحوظة حتى في الانتخابات العامة التي أجريت في العام الماضي حيث لم تتجاوز نسبة من أدلوا بأصواتهم في تلك الانتخابات وينتمون للفئة العمرية ما بين 18 و24 عاما الـ 43 في المائة بينما بلغت نسبة المشاركة في الفئة العمرية التي تبدأ من سن ال65 عاما فأعلى الـ 78 في المائة.
وهذه المقارنة تكشف بجلاء عن تحول مثير للقلق في المجتمع البريطاني مع تصاعد ظاهرة العزوف الانتخابي والمشاركة السياسية للشباب وانعكاسات الظاهرة على الديمقراطية في بلد يتفاخر بمكانته الديمقراطية العريقة.
ومن ثم فقد بدأت مراجعات ثقافية-سياسية عميقة للتعرف على جذور وأسباب هذه الظاهرة وتساؤلات حول دور الأحزاب وضعف كوادرها وتغير الولاءات وانعكاسات الثقافة الرقمية ناهيك عن مدى كفاءة "مؤسسات بناء الوعي" وقدرتها على التكيف مع المتغيرات العميقة في الواقع وأوجه الحياة اليومية.
وفي الواقع المصري كان المفكر والباحث المرموق السيد يسين مدركا لأهمية المتغيرات وهو يعرض لورقة العمل التي اقترحها للسياسة الثقافية لمصر والتي جاء فيها:" من الملاحظات المهمة فيما يتعلق بالتغيرات الكبرى التي حدثت في مصر للمجتمع بعد ثورة 25 يناير ظهور أزمة حادة في مجال القيم".
وأزمة القيم كما نظر لها السيد يسين تدعو إلى أن يكون "تجديد القيم المصرية هدفا أساسيا من أهداف السياسة الثقافية " مؤكدا على أهمية التركيز على ترسيخ قواعد الحوار الديمقراطي واحترام الاختلاف في ضوء احترام مبدأ التعددية وإعلاء قيمة النقد الذاتي وتجسير الفجوة بين النظر والعمل.
وهذه الأزمة على حد قوله "سبق لعلم الاجتماع العالمي أن درسها واطلق عليها ظاهرة اختلال القيم بمعنى عجز أفراد المجتمع عن التمييز بين السلوك المشروع والسلوك غير المشروع" وترجع جذورها في قراءته التحليلية لخريطة المجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير من الخلط بين الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية أو بين شرعية الميدان وشرعية البرلمان.
و فيما اقترح الأستاذ السيد يسين على وزارة الثقافة إعادة طبع كتاب أستاذ الفلسفة الدكتور حسن حنفي وعنوانه "حوار الأجيال" فقد أشار إلى مؤشرات متعددة لأزمة القيم ومن بينها الخلط بين الثورة والفوضى فيما أبدي اهتماما واضحا بالشباب في ورقته البحثية للسياسة الثقافية التي تقوم على أساس "التنمية الثقافية القاعدية".
وفيما قام منذ سنوات بعيدة بتدريس مادة مناهج البحث في كلية الإعلام بجامعة القاهرة على مستوى البكالوريوس والماجستير امتدت خبرات السيد يسين في التدريس الجامعي بعد ذلك إلى الجامعة الأمريكية حيث قام بتدريس مادة الاجتماع لسنوات طويلة يقول عنها إنها "أكدت له أهمية التفاعل مع أجيال الشباب".
ويضيف قائلا:"استطيع القول إنني تعلمت كثيرا من حواراتي مع هذه الأجيال الشابة لأنني لم اكن ادرس بالطريقة التقليدية ولكنني كنت افسح مجالا واسعا أمام الطلبة للمناقشة والتعليق حتى لو اختلفوا مع ما أطرحه من نظريات وأفكار".
ويرى الأستاذ السيد يسين أن بمقدور الشباب إثبات ذاتهم "لو مارسوا التجدد المعرفي باعتبار أن أحد شعارات القرن الحادي والعشرين هو التعليم المستمر إضافة إلى التدريب واكتساب الخبرة التي تؤهلهم لشغل الوظائف القيادية واهم من ذلك كله متابعة التحولات العالمية وفهم منطقها الكامن وتكوين رؤى مستقبلية مبدعة تقوم على العلم والخيال معا لحل مشكلات مصر".
واللافت أن السيد يسين أكد أن المجتمع المصري غير مستعد بالقدر الكافي للتغيرات العالمية "نتيجة تكلس النخب الثقافية والسياسية وعجزها عن المتابعة المنهجية للتحولات العالمية" ومن هنا يقع على عاتق الدولة كما يقول أن تساعد المجتمع بمختلف الوسائل التعليمية والثقافية والإعلامية لكي يرتقي وعي الطبقات الاجتماعية المختلفة وتكون قادرة على تحقيق النهضة المرجوة والعبور إلى المستقبل.
واستعادة العافية الثقافية ناهيك عن تحول الثقافة لفضاء إبداعي وكذلك تحقيق العدالة الثقافية كلها مسائل لن تكون دون حضور واجب وعادل للشباب والدفع بأجيال جديدة من المبدعين في سياق طبيعي وسوي بعيدا عن افتراض يفتقر للسوية وفحواه أن تمكين الشباب شرطه الجوهري إقصاء الكبار!.
وإذا كان الشعار العقلانى في المرحلة الراهنة بأوروبا:"دعم النمو" بكل السبل فإننا بحاجة للشعار ذاته من أجل مستقبل أفضل لأجيال شابة وصاعدة كما أننا بحاجة لثقافة إيجابية تتوافق مع ما يسميه السيد يسين "بالدولة التنموية" التي ولدت مفاهيمها الجديدة بعد ثورة 30 يونيو 2013.
نعم نحن بحاجة "للتفكير خارج الصندوق" وتشجيع ثقافة الإبداع والابتكار والتفكير بطرق غير تقليدية كما يتجلى في عناوين وفعاليات واهتمامات المؤتمر الوطني الأول للشباب الذي تتجه له الأنظار من أجل "مصر المستقبل"..بالأمل كله نتطلع لشبابنا..فبين أحلامهم الكبيرة والنبيلة وخطاهم المخلصة عطر مصري طالع من نبت الوطن.