رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ولي الدين يكن.. ابن الأخت المشاكس "1"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وكلمة يكن بالتركية تعنى «ابن أخت» [الباب العالي]، وبهذه الصفة تربع بأرستقراطية تركية المذاق على منصب كبير في مجلس التعليم الأعلى بالآستانة. لكنه هام بالحرية حبًا، وتمسك بها عشقًا.. وتغزل فيها فقال «يا حرية.. أنا عرفتك وهمت بك هيامًا، فأنا صاحبك من قبل ومن بعد، ولن أخاف منذ اليوم رقيبًا» [يكن - المعلوم والمجهول - الجزء ٢- صـ٤] ويتغزل في الحرية شعرًا 
نشتاق حرية فيؤسينا 
من دهرنا عن حيائها
من أوهننا حبها وتيمنا 
حتى ترانا وشفنا الوهن 
.. مثل هذه الأشعار والعبارات فارقت بين «ابن الأخت» وبين السلطة العثمانية، فألقى القبض عليه وسجن في واحد من أبشع السجون العثمانية. فتحققت مقولته الشهيرة: «مساكين أنصار الأحرار يريدون أن يخلصوا العباد من الظلم فيقعوا هم تحت الظلم» وأيضًا «الحرية عدوة الملوك وحبيبة الشعوب». لكننى وقبل أن أتمادى في سرد سيرة ومسيرة ولى الدين يكن لابد أن أشير إلى ذات الخطأ الذي وقع فيه هو وأمثاله من المناضلين ضد الطغيان فيقعون بسبب ضعف الرأى العام في أسر طاغية أخرى، فعلها مصطفى كامل عندما حاول مقاومة الاحتلال البريطانى بتحالف مع السلطان العثمانى [بشكل مؤقت] ومع فرنسا أيضًا بشكل مؤقت. كذلك فعلها يكن فأصدر الجزء الأول من كتابه «المعلوم والمجهول»، وفيه صورة كرومر وتحتها عبارة «مصلح مصر» ثم.. «حبيب الأحرار ومصلح مصر ورجلها العظيم» [المعلوم والمجهول - الجزء الأول - طبعة مطبعة الشعب - سنة ١٩٠٩]. فيكون هجوم شديد دفعه إلى ما يشبه الاعتذار في الجزء الثانى من الكتاب وكتب في المقدمة «نظر أناس في الجزء الأول من المعلوم والمجهول فرأوا صورة لورد كرومر، فألقوا بالكتاب جانبًا وأطبقوا جفوفهم وولوا عنه هاربين» [المعلوم والمجهول - الجزء الثانى - مطبعة المعارف - سنة ١٩١١- صـ٣].. وكان موقف ولى الدين مرتبكًا. فالوضع كان أيضًا مرتبكًا. والمثير للدهشة أنه في ذات الكتاب الذي وضع في صدره صورة كرومر قائلًا إنه «مصلح مصر». نشر في صفحة ٢٠٢ منه بعضًا من أحلامه وهو سجين وقال «إذا خرجنا من الآستانة اخترت الإقامة في أوروبا، وهنا لك أجاهد في سبيل الوطن آمنًا نكايات الأعداء ولا أدخل مصر إلا زيارة وكلما اشتقت إليها، فإن بمصر من يحارب الأحرار، وقد ملك عليهم البر في فجاجة وسد مسالك الحياة».. ألم أقل إن الأمر كان مربكًا، وأن «يكن» كان مرتبكًا. ونعود إلى معارك ولى الدين ضد طغاة الآستانة ونقرأ شعره وهو يصفهم: 
بغال تسوس الأُسد شر سياسة 
ما ساس أُسدًا قبل ذاك بغال 
وفى كتابه التجاريب يستعيد بعض ما كتبه من شعر عن طغاة الباب العالى. 
طغى الشر في بعض النفوس ولم يزل 
يرب إلى أن أعلن الشر كاثم 
فجاءوا يسوسون الأنام سياسة 
سدى لم تُسسها قبل ذاك البهائم 
فكم عالم صاحوا به أن جاهل 
وكم جاهل صاحوا به أنت عالم 
صحا كل الشعب فاسترد حقوقه
فياليت يصحو شعبك المتناوم 
[يكن – التجاريب – صـ١١٧]
وعندما يطاح بعدوه اللدود السلطان عبد الحميد يكتب متشفيًا فيه..
عزاءً أيها النافى الرعايا 
ولا تجزع فخالقهم نفاكا 
فما أنا شامت بك حين تبكى
كمن شمتوا ولكن ذا بذاكا 
وغضب ولى الدين يكن عندما قرأ قصيدة طويلة لأحمد شوقى يدافع عن عبد الحميد فيرد عليه قائلًا: 
هاجتك خالية القصور 
وشجتك آفلة البدور 
وذكرت سكان الحمى 
ونسيت سكان القبور 
وبكيت بالدمع الغزير 
لباعث الدمع الغزير
ولواهب المال الكثير 
وناهب المال الكثير 
[سامى الكيالى - ولى الدين يكن - ١٩٦٠- صفحة ٧٥] ويتعجل ولى الدين يكن فيمتدح من أطاحوا به، لكنهم أيضًا يدوسون على الحرية فيهاجمهم متسائلًا: 
أفلا يزال السوط حاكمكم 
وأبو السياط بيلديز ذهبًا 
أفلا يزال الدهر يعجبكم
ضرب ومضروب ومن ضربا 
ونقول أحرار فنمدحكم 
لأحر فيكم كلنا كذبا
[التجاريب – صـ٤١] ونواصل.