الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رقاب المسلمين على مذبح "داعش"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش" قطع رقاب ملايين المسلمين عندما حرّض أتباعه على قتل الكاهن جاك هامل في إحدى الكنائس الفرنسية، فلم يغفر له عمره الذي تعدى نيف وثمانين عامًا، كما لم يغفر له استسلامه وهو قابع في بيت من بيوت الله يدعو للسلام والتسامح.
بشاعة العملية التي قام بها تنظيم الدولة الإسلامية وذبح كاهن داخل كنيسته لا تقل ألمًا على النفس البشرية من تلك العملية التي قام بها تنظيم الدولة الإسلامية قرب الحرم النبوي في شهر رمضان الكريم، فقد اختص التفجير السالكين إلى قبر نبيهم وهم صائمون يبتغون الرحمة من الله في شهر الرحمة، تتلاقى في المشهدين قسوة التنظيم الذي لا يعرف حدودًا لله.
استهداف بيوت الله والمسالمين فيها عقيدة لدى تنظيم الدولة الإسلامية التي قررت إراقة دماء الجميع على أبواب المساجد وتحت أقبية الكنائس وتبرريهم الوحيد في ذلك أن هؤلاء كفار مسلميهم ومسيحيهم، وهم الأقرب للإيمان والدعوة إليه، وهم الذين تفرغوا لدعوة السلام ونشرها بين النّاس جميعًا إيمانًا منهم بأن البشرية لا يمكن لها أن تعيش بدون هذه الدعوات.
ذبح الكاهن العجوز في كنيسة روان في النورماندي الفرنسية تلك المدينة التي ولد فيها الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، فهو تحد جديد في تنفيذ عمليات الإرهاب التي ملئت علينا حياتنا، فرنسا لم تعد قادرة على المقاومة والإصرار على القتل بهذه الصورة وهي غير مدركة خطورة سياساتها والمجتمع الدولي والذي يُعد أحد الأسباب التي أدت لوجود ظاهرة "داعش" في مجتمعاتنا.
المعلومات الأولية عن حادث الذبح تؤكد أن منفذ عملية ذبح الكاهن يُدعى، عادل كرميش من مواليد فرنسا، يبلغ من العمر 19 عامًا وهو معروف لدى أجهزة الأمن، ولعل هذه المعلومات تؤكد أن أغلب المنفذين لعمليات القتل الأخيرة في فرنسا وألمانيا على سبيل المثال، فرنسيون وبعضهم من أصول عربية أو إيرانية وأفغانية ولكنهم تجنسوا بالفرنسية وولدوا فيها، وهو ما يطرح سؤالًا حول جنوح هؤلاء الفرنسيين وألمان، والسؤال الثاني وهو أعمار هؤلاء الفرنسيين والألمان الذين نفذوا هذه العمليات والتي تراوحت بين السابعة عشر والثامنة عشر والتاسعة عشر والثانية والعشرين من عمره، وهو إن دل فإنما يدل على قوة التنظيم في جذب الشباب أو تأثر هؤلاء الشباب بخطاب "داعش"، الأمر الثالث وهو الأكثر خطورة اعتراف أجهزة الأمن أن منفذ العملية معروف لدى أجهزة الأمن ولكنها لم تأخذ احتياطات الأمن بالقبض عليه أو الوقوف أمام عمل ينتوي تنفيذه ضد أبرياء.
بتوسيع دائرة النظر في العمليات الإرهابية الأخيرة يتضح لنا بدائية الوسائل المستخدمة في العمليات الإرهابية الأخيرة، فهي ما بين قتل بسكين وفأس كما حدث هجوم داخل قطار للركاب في بافاريا وإطلاق نار جماعي في ميونيخ وهجوم بسكين في ريوتلنفن وعملية دهس في مدينة نيس الفرنسية ومن قبلها إطلاق نار في فلوريدا بفرنسا وأخيرًا ذبح كاهن السلام بكنيسته في فرنسا، وكلها تدل على خيال تنظيم الدولة الإسلامية المتجدد في تنفيذ عملياته الإرهابية والذي سبق خيال أجهزة الأمن بمراحل والتي أصبحت مجرد رد فعل يحاول التقليل من حجم الخسائر البشرية أو تفادي كثرة العمليات في توقيتات متقاربة.
الغرب لديه مشكلة تتعلق بمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية ترتبط برؤيته القاصرة وازدواجية المعايير التي تحملها سياسات هذا الغرب في المواجهة، وعدم تعاونه الأمني بالشكل الكافي مع الدول العربية والإسلامية لمواجهة التنظيمات المسلحة، ويبدو الهدف السياسي للتنظيمات التكفيرية العنصر الأهم في المعادلة من فكرة المواجهة حتى قررت هذه التنظيمات نقل معركتها لقلب أوروبا، كما قررت إنشاء الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين في العام 1997 فنقلت معركتها من قلب كابل إلى أمريكا وكان من نتائج ذلك تفجير برجي التجارة العالمي في عام 2001.
العملية الأخيرة التي ذبح فيها الكاهن بالقرب من مذبح كنيسته دليل على شكل وطبيعة التنظيم وخطورة وجودة وتطور عملياته لا أقصد من الناحية العسكرية وإنما الفكرية، فقدم التنظيم يدفعه لمزيد من التطرف في تنفيذ عملياته وهو يؤدي إلى خلل في الأمن القومي الإنساني الذي بات مهددًا بشكل حقيقي على يد التنظيمات المتطرفة.
على الغرب أن يُدرك أنه لن يستطيع بمفرده أن يقضي على الإرهاب، ما قد ينجح فيه فقط هو القضاء على الإرهابين على أرضه أو الحد من خطورتهم فقط، ولكن القضاء على البذرة التي تنبت هذا الإرهاب وهذا هو الأهم والأخطر لن تستطيع أوروبا أن تفعل فيه شيئًا إلا إذا راجعت سياساتها ووضعت يدها في يد الدول العربية والإسلامية التي تضع من ضمن أولوياتها مواجهة هذه التنظيمات فكريًا وثقافيًا وأيديولوجيا وأمنيًا.