الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثلاجة الموتى في مستشفى 57357

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تصدمك اللوحات الإرشادية داخل مستشفى 57357 والتي تُعرفك بحقوقك وتُطالبك في ذات الوقت باحترام لوائح المستشفى وتأدية ما عليك من واجبات، أكثر ما يلفت الانتباه في هذه اللوحات ما جاء فيها من أن مطالبتك بحقك لن يمنع عنك الخدمة ولن يؤثر على الذين يقدمونها لك سلبًا، عبارات تراصت بجوار بعضها البعض على أغلب حوائط المشفى الذي تحول إلى ثلاجة كبيرة لهذه الشعارات، قد تُرضيك من الناحية النفسية إذا كانت زائرًا للمستشفى للمرة الأولى ولكن الواقع سوف يصدمك إذا كنت من طالبي الخدمة.
لا توجد آلية واضحة لحفظ حقوق المرضى داخل الصرح الطبي، فمبجرد تذمرك مما يؤلمك أو كان سببًا في هضم حقك وحق مريضك، تفاجأ بعلاقات المرضى وقد أخذت مسارين للتعامل مع شكوتك، إما أن تعرضها على الجهة التي تشتكي منها فيأتيك المشرف على الفور يستجديك بنظرات عينيه التي تقتلك ولسان حالها يقول: طالب الرحمة لابد أن يكون رحيمًا فتسقط صريعًا بين حقوق مريضك المهضومة وكونك طالبًا للرحمة ومطالبة غيرك بأن تكون رحيمًا معه، والمسار الثاني أن تتحول شكوتك إلى الإدارة فتحفظ في ثلاجة كبيرة بالدور الأول.
لا توجد فروق كبيرة بين ثلاجة الموتى في الدور الأرضى والتي تحفظ فيها المستشفى أجساد الأطفال الذين نحت الإهمال فيها قبل أن تفارق الحياة، وثلاجة أخرى مقرها لدى مدير المستشفى الذي لا يسمع إلا ما يريد وإذا سمع فلا يستجيب بعد أن أحاط نفسه بلوبي مصالح وفق رؤيته التي لا تُلبي طموح الأطفال ولا ذويهم، في الوقت الذي يُصدّر فيها للناس داخل مصر وخارجها أن المستشفى ليست مجرد مشفى للعلاج وإنما مؤسسة متكاملة، والحقيقة أنها تزينت بمبنى خلا من جوهرة الحقيقي.
التعيينات داخل مسشتفى 57357 تتم وفق الأهواء وإن كانت هناك لجنة لتلقي طلبات من يريد العمل ويخضع بعدها العامل للتدريب وفق مستوى للتقييم حتى يُصبح ضمن فريق العمل في المستشفى، ولكن في الحقيقة هذه اللجنة عبارة عن حبر على ورق بلا أي قيمة فعلية فهي من تبحث عن العاملين داخل الصرح الطبي وليس العكس بعدما أصيبت المستشفى بشح في التمريض وهربت أعداد كبيرة خارج المستشفى للمستشفيات الدولية الأخرى التي تُقدر العاملين فيها ماديًا وأدميًا من حيث عدد ساعات العمل وقيمة ما يأخذونه نظير تقديم الخدمة، أما فيما يتعلق بعمل الأطباء سواء النواب والاستشاريين فلا توجد مقاييس واضحة لذلك خاصة وأن الصرح الطبي يعاني شحًا هو الآخر من قلة المتخصصين في علاج أورام الأطفال، فلا محاسبة وتقبل المستشفى كل من يُقبل للعمل فيها!
مستشفى 57357 تفتقد أبسط قواعد الإنسانية التي تحترم الإنسان، يرفع مديروها شعارات براقة تم استيرادها من الخارج ولكنهم فشلوا في تطبيقها، بل هضموا حقوق الطفل مهتمين فقط بالشكل وفق نظام جهل البعض استخدامه وفشل البعض الآخر العمل عليه، في حين تسلط بعض المديرين جعلهم لا يؤمنون إلا بما تربوا عليه حتى وإن كان يخالف العرف واحتياجات المريض، وبعض هؤلاء الأطباء خريجو الجامعات الخاصة التي تعلموا فيها بأموالهم رغم فشلهم الدراسي!
يفتقد الأطباء داخل المستشفى أي حاسة تجاه الطفل، فهم يعتقدون أن دورهم فقط في إخضاع المريض لبروتوكلات علاج أتت من الخارج، يفشل بعضهم في التعامل معها، يعتقدون أن دورهم هو علاج مضاعفات العلاج والمرض، فما تسمعه من ذلك الطبيب لا تسمعه من غيره، قد يُفاجئك الطبيب عن أي استفسار عن حالة المريض بعبارة "دا لو عاش"، وقد يغلب عن لسان البعض منهم بأن المرض لا شفاء منه، فتحتار بين بشر افتقدوا حاسة الشعور وتحولوا لتماسيح مهمتهم جمع المال فقط، يرجموك بعباراتهم القاسية والتي تفتقد للحكمة.
غابت الأمانة التي تُلزمهم بإيضاحات حقيقية للحالات المرضية وبشكل واعٍ، فليس المطلوب الكذب على المريض وأسرته كما أنه من مهام الطبيب أن يكون حكيمًا في التعامل مع مريضه وأن يقدم الدعم النفسي للمريض لا أن يكون مصدرًا للألم، دوره ليس منصبًا على الإطاحة بأحلام المريض وإفقاده القدرة على الحياة حتى تقوم إدارة أخرى داخل نفس المستشفى بتعيين طبيب نفسي آخر لجبر أخطاء أطباء لا يجدون متسعًا من الوقت لشرح الحالات المرضية ولا الرد على التساؤلات وقد يضيقون ذرعًا بذلك، فتارة يتركونك لما في ذهنك من أفكار وتارة يصدموك وغالبًا ما يقولون نصف الحقيقة، أنت في كل الحالات ضحية.
لا أحد يشعر بألم الطفل داخل المحفل الطبي الواقع في حي مصر القديمة ضمن الإطار الجغرافي للسيدة زينب ومنطقة المدبح التي صنع أهلها من بيع أعضاء البعير تجارة لهم غير طبيب الألم، فقد يزوره الطفل مرتين أولهما لتخفيف آلام المرض ومضاعفاته والتي تزداد مع إهمال الطاقم الطبي، وقد يزورة الطبيب إذا يأس الطفل من الشفاء فلا تجد 57357 بدًا غير تخفيف الآلام عبر العقاقير بعدما تجرعها الطفل كئوسًا من الإهمال لا لشيء إلا لأن إدارة المستشفى ارتأت أنها الأفضل بين المستشفيات الأكثر انحطاطًا من الناحية الصحية ولم تفكر ذات يوم أن تكون رؤيتها متماهية مع مستشفيات الخارج واختيار عاملين قادرين على تحقيق ذلك حتى لا تكون مجرد ثلاجة كبيرة لأحلام الأطفال، وللحديث بقية.