الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"الراديو" يكسب في رمضان..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لو أن تقييمًا علميًا أجراه باحثون متخصصون، لما قدمته وسائل الإعلام المسموعة والمرئية على مائدة شهر رمضان، لرجحت كفة المسموع «الراديو» بميزان الجمهور المتلقى، ولخفت كفة شاشات الفضائيات بكل أشكال ملكيتها العامة والخاصة.
الإذاعات المصرية وأغلبها ملكية عامة باستثناء محطتين استطاعت أن تثبت جدارة خرجى مدرسة إعلام ماسبيرو، وقدرتهم على جذب آذان الجمهور عبر الأثير، اعتمادًا على رشاقة أفكارها وأناقة لغتها الإعلامية وذكائها فى توصيل رسالتها، دون حاجة إلى إبهار الشاشة، والتطور التكنولوجى غير المسبوق لعدسات التصوير وماكينات المونتاج. 
وإذا جنبنا التليفزيون المصرى من عملية التقييم بسبب تمكن أورام الترهل الوظيفى والبيروقراطية والفساد بشتى صوره، فإن الفضائيات الخاصة فشلت مجتمعة فى إعداد قائمة برامج على المائدة الرمضانية يجد فيها المشاهد ذات المتعة البصرية والوجدانية والعقلية والروحية التى كان يجدها فى التليفزيون المصرى رحمه الله، والذى توفى بتوقفه عن إنتاج برامج من عينة «يا تليفزيون يا»، «الكاميرا الخفية»، «الفوازير» و«عمو فؤاد»، علاوة على البرامج الدينية.
المفارقة أن أصحاب الفضائيات الخاصة استعانوا بصحفيين وكتاب كبار ليتولوا إدارة برامجها ورئاسة تحريرها، ظنًا منهم أن صانعى الطبخة الصحفية هم الأقدر على تقديم إعلام مرئى متجدد ومتطور ومختلف عن ذلك الذى كان يقدمه ماسبيرو. 
ومع ذلك، لم تنجح تلك الفضائيات فى تقديم أفكار قادرة على جذب عين وأذن وعقل المشاهد طوال الوقت، حتى إن أغلب الشاشات الخاصة قائمة طول العام على برنامج توك شو واحد ولا تستطيع أن تجد برنامجا آخر لتتابعه على ذات الشاشة. 
أى أن الصحفيين لم ينجحوا إلا فى نوع واحد من البرامج يعتمد فى الأساس على الفنون الصحفية، بدءا من الخبر ومرورًا بالتقرير ووصولًا إلى التحقيق الاستقصائى، وإلى جانب البرنامج الرئيسى لن تجد سوى برامج التخسيس والأبراج والطبخ، وقد تجلى هذا الفشل العظيم فى رمضان، حيث خلت معظم الفضائيات من برنامج رمضانى واحد، وعجزت عن الاحتفاظ بجمهور برامج «المقالب» لأن المصريين وببساطة لا يعانون السادية ومتعة الفرجة على إنسان يتألم أو على وشك الموت من الرعب والفزع.
فى المقابل تفوق «الإذاعيون» بجميع محطات الراديو على أنفسهم، مع ملاحظة أن التعميم هنا مقصود، فمستمع الراديو استطاع أن يتنقل طيلة نهار الشهر الكريم، وعبر ساعات الليل الممتدة إلى الفجر، بين البرنامج العام الشرق الأوسط، وصوت العرب وراديو هيتس، و٩٠٩٠ وميجا إف إم وشعبى إف إم، ونغم إف إم، ونجوم إف إم، وراديو مصر، وحتى محطتى البرنامج الثقافى والموسيقى، وإذاعة القرآن الكريم، ليستمع إلى برامج تنوعت فى أشكالها وأهدافها وامتازت جميعًا بالرشاقة والأناقة واللياقة، بخلاف المسلسلات الإذاعية التى لا تقل فى روعتها عن بعض المسلسلات التليفزيونية التى كتبها وأخرجها ومثلها مبدعون كبار. 
فى الراديو، يعاملونك معاملة الضيف الذى يجب إكرامه بمائدة متنوعة من الأفكار والمعلومات وعدم إزعاجه بضجيج الإعلانات عمال على بطال. 
أنت مع «الراديو» ضيف مكرم، والسبب ببساطة عزيزى القارئ يكمن فى أن صانع العيش هو خبازه، أى أن معظم القائمين على إعداد وتقديم البرامج إذاعيون من أبناء مدرسة ماسبيرو، ومن النادر أن تجد صحفيا بينهم، وكلهم شباب تلقوا تدريبهم على العمل الإذاعى داخل الإذاعة المصرية بحسب الإذاعية المتألقة فى راديو هيتس زهرة رامى، صاحبة واحد من أجمل برامج رمضان هذا العام من سيربح الميكرفون. 
لا أعيب على زملائى الصحفيين، فقد نجحوا على الأقل فى نقل نمط الصحافة الاستقصائية إلى التليفزيون، لكن لا يعنى هذا أنهم يمتلكون خبرة صناعة الإعلام المرئى، وشباب الراديو خير دليل على أن أسباب نجاح ماسبيرو «التليفزيون» كامنة فى داخله، وأنه يمتلك الكوادر صاحبة الخبرة والقدرة على إعادة صياغة وهيكلة تليفزيون الدولة، ولكن بشرط استئصال سرطان البيروقراطية والفساد.