الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عبودية الانتماء للتنظيمات الدينية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يفتقد بعض الباحثين والدارسين في مجال الحركات الإسلامية الإجابة عن تساؤلات لها علاقة بإدارة التنظيمات الدينية من الداخل، وأسرار انتماء شخصيات لا يظن البعض فيها الجهل أو الغباء لهذه التنظيمات سواء الدعوي منها أو الداعي للعنف والمحرض عليه، كما تمثل فكرة خروج الأتباع والحواريين والجنود من هذه التنظيمات أمرًا محيرًا ومثيرًا للاندهاش بالنسبة للمجموعات المشغولة بدراسة ظاهرة الإسلام السياسي؛ فهذه التنظيمات مثل الماكينة التي لها باب للدخول بينما أغلق باب الخروج منها إلا ما ندر.
أغلب التنظيمات الدينية لديها وسيلتان تحاولان من خلالهما السيطرة على كتلة التنظيم الصلبة بداخلها ومن خلال هاتين الوسيلتين تنجح في إقناع الآلاف بالانضمام إليها، أولهما: الإيحاء بصدق المنهج والتبشير بانتصار الفكرة التي تدعو إليها، والترويج لها وسط أكوام الأفكار والأيديولوجيات الأخرى بحيث تؤكد لأعضائها ولمن يراوده العمل معها أنها تدعو لذات الطريق الذي سار فيه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فضلًا عن أنها لم تحيد عن دعوته ولا عن أوامر الله ونواهي رسوله في هذه الدعوة.
وثاني هذه الوسائل أن هذه التنظيمات تضع لنفسها خطوطًا حمراء لا تقبل بتجاوزها مع الأتباع مهما علا شأنهم داخل التنظيم، مثل السمع والطاعة في العسر واليسر في المكره والمنشط؛ وتُغلف هذه التنظيمات طريقتها في الحفاظ على كتلتها الصلبة من الأعضاء الذين يعملون تحت لوائها بتوفير مجتمع بديل لهم، ولذلك تسمع عبارة "أن الأخ لا يمكن له أن يعيش خارج التنظيم" أو أن يغرد خارج سرب قادته، وهذا صحيح من الناحية النفسية التي أحبك فيها التنظيم خيوطه على أتباعه، فمهما كانت قسوته كان صبر التابع الذي يرى خروجه من التنظيم خروجًا من الحياة وليس من ربقة الإسلام فقط!
تخلق التنظيمات الدينية لأتباعها مجتمعات بديلة، فبيئة التنظيم مغلقة فيها التكافل والسمر والمنتدى السياسي ودروس العلم، حتى إذا أردت الارتباط فسوف تجد من يُشابهك في الأفكار والطباع ويريحك وقد يعينك في شراء أثاث منزلك الجديد، يوضع حصار عليك بحيث تكون صداقاتك وارتباطاتك الروحية داخل التنظيم وليس خارجه، فالتنظيم يمثل لك من الناحية النفسية الحياة بكل مقوماتها، وعشرات الآلاف قد يرتضون بما لا يتوافق مع عقولهم ولا نفوسهم خشية الفراق وتطليق هذه الحياة التي لا يعرفون غيرها.
إذا وجدت مجتمعًا سادت فيه الأفكار المنحرفة وأصبح التعصب سمته الأساسية وكثرة فيها التنظيمات الدينية بغض النظر عن درجة تبنيها للعنف، فعليك أن تعرف أن انتشارها بسبب غياب الدولة بكل مؤسساتها وهو ما يدفع هذه التنظيمات لتقديم نفسها للناس على أنقاض هذه الدولة، سواء بصورة دعوية أو خيرية خدمية.
دوران تلعب عليهما هذه التنظيمات، الدور الدعوي في ظل ضعف وغياب المؤسسة الدينية الرسمية عن المشهد، فيتصدر أصحاب الأفكار والاجتهادات التي لا تعبر عن روح الدين ولا حقيقته ويكتسب هؤلاء الثقة فيما يقولون، والدور الخيري وغالبًا ما يظهر عندما تغيب الدولة عن المجتمع فيزداد الفقر وترتفع الأسعار ولا يوجد معاش تستطيع الناس من خلاله أن تعيش عيشة كريمة، وإذا توافر المعاش فإنه لا يكفي، ولذلك هذه التنظيمات تقوم بكفالة مئات الآلاف من الأرامل والمطلقات والفقراء والمعدومين وما أكثرهم، فهؤلاء نواة صلبة للتنظيم في أي انتخابات أو فعاليات، كما أن هذه الطبقة تُصدر أبناءها للعمل داخل هذه التنظيمات.
ولذلك لن تكون لأي تحركات في مواجهة التنظيمات الدينية أي جدوى أو معنى إلا إذا قامت الدولة بدورها في رعاية مواطنيها رعاية كاملة، وهذا بمثابة حصانة ضد الأفكار المنحرفة، وهذه الرعاية ليست اقتصادية فقط بتوفير فرص العمل والعيش الكريم ومحاربة الفساد بكافة صوره وإنما رعاية دعوية واجتماعية حتى لا يتسرب اليأس إلى قلوب المجتمع فيكونوا عرضة للتأثر.
ما زالت مؤسساتنا الدينية عاجزة عن تقديم خطاب ديني يرتقى بمستوى الإنسان ويُلبي طموحه وحاجاته وفي نفس الوقت لا يكون منفصلًا عن حقيقة الدين، وطالما كانت المؤسسة الدينية الرسمية بهذا الضعف والفشل فلا يُمكنك أن تسأل عن حلول عملية للخروج من عبودية التنظيمات الدينية ولا يمكن أن تقضي عليها.
لا يمكنك القضاء على الأفكار القائمة على الشعارات والتي تلعب على عاطفة الإنسان لا عقله وغير القائمة على الأسانيد الدينية الصحيحة والمرويات الثقات التي تتخذها التنظيمات الدينية طريقًا إلا من خلال المؤسسة الدينية التي تواجه الفكر بالفكر، وهي للمناسبة قادرة على الانتصار في النهاية، وهذا لا يعني أن المواجهة الأمنية ليست مطلوبة في محلها لمن تجرأ على عصمة الدماء أو حرض على ممارسة العنف.
تُصور التنظيمات الدينية لأتباعها أن الخلاف هو اختلاف منهي عنه، وأن الحوار جدال، فتبعد عن نفسها الوقوع في فكرة إعمال العقل لدى هؤلاء الأتباع وهو أخطر ما يواجهها وتدفع عن نفسها في ذات الوقت عبء الرد على تساؤلات هي لا ترى أهمية أو فائدة من طرحها أو الإجابة عليها، فتقتل ما تراه فتنة، وتحافظ على التنظيم من أي انكسارات قد يتعرض لها من داخله، وهي كفيلة بمواجهة الدولة بحيث يكون موجودًا وقتما تغيب ويعمل وقتما تتكاسل عن القيام بدورها حتى يقع المجتمع تحت سيف عبودية الانتماء للتنظيمات الدينية.