رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رحلة إلى أدب سيد قطب وعقل حسن البنا "١"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ويبدأ السيد الحرانى كتابه المعنون «الإخوان القطبيون - منهج الإرهاب لجماعة الإخوان والجماعات الإسلامية» بعبارات لبعض من رجال الدين يستنكرون فيها كتابات سيد قطب.
ومنها كمثال «سب سيد قطب لمعاوية وعمرو بن العاص كلام قبيح وكلام منكر وفسق يستحق أن يؤدب عليه» (الشيخ عبدالعزيز بن باز). 
وأيضا «أن سيد قطب لم يكن على معرفة بالإسلام، بأصوله وفروعه» (محمد ناصر الدين الألباني)، وكذلك «معالم في الطريق لا يمثلنا في شيء وأفكار الأستاذ سيد قطب لا تمثلنا في شيء» (المستشار مأمون الهضيبي- مرشد الإخوان الأسبق)، أما عمر التلمسانى وهو مرشد سابق للإخوان أيضًا فيقول «سيد قطب لم يمثل إلا نفسه، ولم يمثل جماعة الإخوان على الإطلاق».
وعديد من ذلك.
ولكن ما هو كم الصدق في ذلك؟ الحقيقة أن الإخوان كعادتهم دعموا سيد قطب سرًا وانتقدوه علنا في الزمن الصعب، لكنهم ما إن شعروا بقدر من القوة والقدرة حتى تباهوا بأفكار سيد قطب وأيدوها واتخذوا منها سبيلًا للنفاذ نحو مختلف القوى المتأسلمة في كل أنحاء العالم، وهى القوى التي اتخذت من سيد قطب مفكرًا وقائدًا ملهمًا واتخذت من أفكاره سلاحًا لتكفير خصومها، ونقرأ لأحد الكوادر الإخوانية هو صفوت منصور «والأستاذ سيد قطب صاحب كتاب معالم في الطريق يعد في ميزان الرجال عمادًا هائلًا في تجديد شباب الحركة الإسلامية، والامتداد الفكرى والحركى لجماعة الإخوان المسلمين» (النهج الفكرى للعمل الإسلامي- الإخوان المسلمون- ص٣٩) وقد يشكك البعض في موقع صفوت منصور من الجماعة، ولهذا نأتى إليهم بشهادتين.. لشخصيتين قياديتين في حركة الإخوان.
الأول صلاح شادى، وهو واحد من كبار القادة وهو مؤسس ورئيس جهاز الوحدات بالجماعة، وهو الجهاز الذي يضم أعضاء الجماعة من ضباط الجيش والبوليس، فماذا قال صلاح شادى في كتابه المعنون «الشهيدان.. حسن البنا وسيد قطب» (ص٧٧) «لقد كان حسن البنا البذرة الصالحة للفكر الإسلامى، وكان سيد قطب الثمرة الناضجة لهذا الفكر»، ومن يدرك قيمة حسن البنا عند الإخوان، ويدرك الفارق بين البذرة وبين الثمرة الناضجة يعرف كم الانحناء الإخوانى أمام أفكار سيد قطب.
ثم نأتى بشهادة أخرى للأخت زينب الغزالى، وكانت في فترة «المحنة» الإخوانية الثانية (١٩٥٤- وما بعدها) إحدى الشخصيات الفاعلة جدًا في تنظيم وتوجيه حركة الإخوان، فقد كانت القيادية الوحيدة الباقية في مصر وخارج السجن فكانت همزة الوصل بين الخارج والداخل وبين السجناء والداخل والخارج، فماذا قالت زينب الغزالى في مذكراتها «أيام من حياتى - ص٣٦» أكدت «أن فضيلة المرشد (المستشار حسن الهضيبي) قد قرأ كتاب معالم في الطريق، وأعاد قراءته قبل طبعه ووافق عليه وقال إن هذا الكتاب قد حصر أمله كله في سيد، وأنه الأمل المرتجى للدعوة الآن».
وما أردت من ذلك كله إلا أن أوضح كم الكذب الذي تتمتع به قيادات الإخوان في تعاملهم مع قضايا بالغة الأهمية، ومنها قضية تكفير الحاكم والمحكوم على سبيل المثال، ونعود إلى السيد الحرانى في كتابه «الإخوان القطبيون» لنقرأ في الصفحة الأولى من المقدمة «المجتمع ملىء بالنجاسة وكافر وجاهلي، والإخوان يحملون ماء السماء الطهور، كانت هذه تصريحات لمحمد بديع المرشد الثامن لجماعة الإخوان المسلمين فور توليه منصب المرشد العام، الذي وصف سيد قطب بأنه الأب الروحى للجماعة، وأن أفكاره كانت تعديلًا لمسار الجماعة، ووضعها على المسار الصحيح، وصرح من قبله المرشد السابع مهدى عاكف قائلًا «طظ في مصر»، قال هذه الجملة في حق أم الدنيا التي كرمها الله بذكرها في القرآن الكريم صراحة وبالاسم، وكرم شعبها وأهلها وجندها، وأمر نبيه موسى بالهبوط على أرضها لما تحمله من خيرات، فما بين مهدى عاكف ومحمد بديع ومن سبقهما في إرشاد الجماعة أو قياداتها البارزين كان تأكيدًا على أنهم لا ينتمون لمصر.
لأن اهتمامهم الأكبر وانتماءهم الأعظم ليس لمشروع الخلافة الإسلامية كما يدعون ويروجون لدغدغة مشاعر البسطاء. ولكن لمشروع الدولة الإخوانية القطبية التي يسعون إلى إقامتها اقتداء بدولة إسرائيل الصهيونية الطائفية، ففى حقيقة الحال يتشابه مشروع تنظيم الإخوان مع مشروع اللوبى الصهيوني» (ص١٠).
ونمضى لنقرأ «ومما لاشك فيه أن هذا المشروع انكشف للعالم بعد سقوط الإخوان في هاوية الحكم، وهو مشروع يهدف لإقامة دولة تحمل جنسية «جماعة»، إنشاء وطن يجنس بتعاليم البنا.
ففى دولتهم التي كانوا ومازالوا يسعون لإرساء قواعدها على أرض مصر (الهوية إخوانية، والجنسية إخوانية، والجيش إخواني، والشرطة إخوانية، والمؤسسات إخوانية، والمجتمع إخواني، والأسرة إخوانية) ومن لا يؤمن بدولتهم لن يجد له مكانًا فيها، وإن عاش بداخلها سيكون إما خادمًا لديهم، أو سجينًا في زنازينهم، أو مقتولًا يدفن، وكأن كفره بفكر الجماعة ككفره بالله»، ويواصل السيد الحرانى في المقدمة «لست متجنيًا حين أقول إن للجماعة ديانة أخرى اسمها الإسلام أيضا، ولكنه إسلام الإخوان، كما أطلق عليه مرشدهم الأول ومؤسس الجماعة حسن البنا. وواهم كل من يعتقد أن مسار الجماعة الذي رسمه ووضعه حسن البنا كان يتسم بالأفضلية عن مسارها الذي وضعه بعد ذلك سيد قطب.
فكل ما هنالك أن حسن البنا استخدم عبقريته التي لاشك أنه كان يتمتع بها في التدرج والحيطة والحذر وتطبيق هدفهم الأعظم، وهو الوطن الإخواني، دون الانخراط في عنف كامل ومواجهة كان يعلم جيدًا أنه الخاسر فيها. ولكن سيد قطب كان صداميًا وهدامًا ودمويًا ومباشرًا.. وربما تلك الصفات التي متعه الله بها هي التي عجلت بإعدامه.
ونواصل ونحن لم نزل في المقدمة.