الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

ابتهال يونس.. امرأة واجهت الأفكار الظلامية وتحملت قسوة النفي من الوطن

كانت خير أجناد «أبوزيد» فى معركته

الدكتورة ابتهال يونس
الدكتورة ابتهال يونس أستاذ الأدب الفرنسي بجامعة القاهرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«على النساء السعى لتحرير المجتمع من أفكاره الرجعية والمتطرفة لاسترداد حقوقهن» الكلمات لامرأة شجاعة عرف عنها عدم التراجع عما تؤمن به مهما كان الثمن، هى الدكتورة ابتهال يونس، أستاذ الأدب الفرنسى بجامعة القاهرة، وزوجة المفكر الراحل الدكتور نصر حامد أبوزيد.
حكاية ابتهال لا تنفصل عن واقع مجتمعات عربية اعتادت إهانة الإنسان العربى والحط من كرامته، ولا يمكن فصلها عن حكاية زوجها المفكر صاحب الأفكار المستنيرة، الذى كانت أطروحته للماجستير عن الاتجاه العقلى للتفسير، وهى دراسة فى المجاز القرآنى عند المعتزلة، ليبدأ رحلة شاقة وشائكة كباحث فى مفهوم النص، خلالها قام بتأليف كتابه «الإمام الشافعى وتأسيس الأيديولوجية الوسطية فى الإسلام»، الذى انتقد من خلاله الخطاب الدينى المعاصر، ومهاجما التحالف بين السلطة وذلك الخطاب، باعتباره يستنزف المجتمع العربى وقواه الفاعلة.
رؤية أبوزيد واجهت معارضة شديدة من قبل أصحاب الخطاب «الإسلامجي» السياسى الذى أعلن الحرب على فكر «أبوزيد» المستنير، حيث بدأت رحلة اجتزاء نصوص خاصة من كتابه والهجوم عليها وعلى الرجل وتكفيره، ولم يتورع هؤلاء عن استغلال ثغرات قانونية لحرمانه من الترقية فى مجال عمله كأستاذ جامعى رضوخًا لتوصيات تقرير أعده أحد ظلامى الفكر، الذى شرب من نفس الكأس فيما بعد حينما تعرض هو أيضا لحملة تكفير مشابهة، بعد تأليفه لكتاب حمل عنوان «أبى آدم».
عودة إلى أبوزيد الذى فوجئ بدعوى قضائية ترفع عليه من قبل أحد مشايخ السلفية، تتهمه بالردة عن الإسلام ومن ثم بالتفريق بينه وبين زوجته الدكتورة ابتهال، وهى الدعوى التى قبلتها المحكمة، التى عدت التفريق بينهما واجبًا شرعيًا مقدسًا.
هنا لم تتردد الزوجة الرائعة عن الوقوف إلى جوار زوجها فى موقف يحسب لها حيث قالت وقتذاك: «لم نشعر بالانكسار ولو للحظة، لأننا كنا نؤمن أن الوقوع فى فخ الضحية لن تكون نتيجته سوى عدم القدرة على المضى قدما، كما أننا لم نعتبرها قضية شخصية، لكنها قضية مجتمعية ضد حرية الفكر بشكل عام، لم أهتم بالحكم للحظة، وكان يثير سخريتى كأستاذة جامعية يريدون تزويجها وتطليقها على مزاجهم، حتى أننى قلت: «لما أبقى أحب أطلق جوزى هطلقه بنفسى، خاصة أن العصمة فى يدي».
هكذا علقت ابتهال على الحكم بعد أعوام من رفضها التعليق بسبب «هبل الحكم على حد قولها»، معتبرة أن رحيلها مع زوجها واستمرارها إلى جانبه حتى وفاته هو أبلغ رد على التيارات الظلامية الجاهلة، ولم ينس المفكر الراحل هذا الموقف لها فقال «ابتهال أخبرتنى أنهم لو طلعوا علينا بالرشاشات سأمنعهم عنك بجسمي».
تعيد سيدة النضال الفكرى هذا الموقف مجددًا، حينما تؤكد أنها رفضت بغضب شديد أن تعيد عقد قرانها من زوجها، لتجاوز قرار بطلان العقد السابق والعودة إلى حالة الزواج الطبيعية قائلة: «الزواج لم يبطل ونصر لم يرتد حتى أعيد العقد، ولا يمكن قبول أن يفرض المجتمع الساذج على أفكاره».
«ابتهال» تمسكت بزوجها وبكرامتها وتحملت معه قسوة النفى من الوطن، لأنها ترفض أن يكون لأحد الحق فى ممارسة الوصاية عليها وهى الأستاذة الجامعية، ورغم موت زوجها إلا أن ذلك لم يحمها من تطاول وتهجم أناس ينتمون إلى تيارات تتاجر بالدين، ولكنها عاهدت نفسها على تحمل الهجوم حتى لو كان ظالما، وإن كان يبقى داخلها غصة ومرارة عبرت عنهما حينما قالت : «نصر أبوزيد المفكر قبل الزوج كان يستحق من المثقفين جميعا الدفاع عنه وأن يكونوا بمثابة أفراد جيش فى الحرب التى شنت ضده». إلا أنها ليست نادمة أبدا على موقفها، وعنه قالت: «لا أعرف لمن وقفت وحاربت هل للزوج أم المفكر؟ لكن الذى أعرفه أنهما لا ينفصلان عن بعضهما، لأنه كان من المفكرين والباحثين الذين تتطابق أفعالهم مع أقوالهم، لاسيما فيما يخص قضايا المرأة، لدرجة أنه كان يرى أن المرأة أفضل من الرجل وأكثر قدرة على تحمل المتاعب».