الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

المسألة ليست شخصية إنما تتعلق بالأمن القومي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تناولت الصحف تقرير لجنة تقصى الحقائق التى تم تشكيلها بأمر من السيد رئيس الجمهورية، للرد على ما جاء بتصريح السيد المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، الذى جاء فيه أن حجم الفساد فى مصر يصل إلى ٦٠٠ مليار جنيه خلال عام ٢٠١٥ وكأنها مسألة شخصية، وتصفية حسابات مع السيد المستشار وقيادتنا الوطنية.
وظهر هذا جليا فى مانشيتات الصحف:
«مستقبل جنينة فى مهب الريح» جريدة الشروق.. «مصير جنينة فى يد السيسى والنواب» جريدة المصرى اليوم.. «إشارة خضراء لعزل جنينة ومحاكمته» جريدة الوطن.. «قنبلة فساد الـ ٦٠٠ مليار تنفجر فى وجه جنينة» جريدة الوفد.. بل وصل الأمر بالبعض إلى تحديد من سيتولى الجهاز!!
وهذا التناول يضر بنا جميعا، يلحق بقضايا التنمية، والقضاء على الفساد أشد الضرر ويشوه بلدنا، والاستثمار بها.. فالتصريح الذى أدلى به سيادة المستشار لا يشكل عدوانا على قيادتنا الوطنية التى قمنا باختيارها بإرادتنا الحرة لإدارة شئون البلاد عقب ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو وسقوط آلاف من الشهداء، وكدنا أن نخسر الوطن للابد، فحسب بل عدوان على الأمن القومى المصرى؛ لأن القضاء على الفساد كان أحد الأسباب الأساسية لثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، والذى عم البلاد فى العقود السابقة، وكان أحد أسباب تفجير كلتا الثورتين، كما أن اختيار صاحب التصريح توقيت الإدلاء به يثير الشك، والريبة، لأنه فى عشية إحياء ذكرى ثورة ٢٥ يناير ومحاولة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية استغلالها فى دعوات التخريب، والتدمير والقتل والحرق، وليس لإحياء ذكرى ثورة ٢٥ يناير التى نعتز بها وكذلك قيادتنا الوطنية.
وهذا التصريح يعد تجنيدا، وتدعيما لهذا الدعوات.. لأنه دعوة تحريضية للشعب أن يثور فى ٢٥ يناير ضد الفساد الذى بلغ حجمه ٦٠٠ مليار جنيه خلال عام ٢٠١٥! وفى المقابل دعوة لأصحاب الاستثمارات للهروب من مصر، وعدم استثمار أموالهم بسبب انتشار الفساد!!
ومع ذلك لم تتصرف قيادتنا الوطنية بمنطق رد الفعل أو تصفية الحسابات أو الشخصنة، وإنما بشكل قانونى وعقلانى، وموضوعى، وبعيدا عن الأساليب التى كانت سائدة فى العهود السابقة؛ لأن قلبها عامر بحب الوطن، وليس بالأحقاد، والضغينة، وهذا يدلل على أننا نسير فى الطريق الصحيح لبناء وطن حقيقى يظلله القانون، والعدل، ومحاربة الفساد حقيقة وفعلاً وليس قولاً.
لقد أمر السيد الرئيس بتشكيل لجنة تقصى حقائق لبحث هذا التصريح، ورغم أن صاحبه لم يسلك المسلك القانونى المنصوص عليه فى قانون إنشاء الجهاز المركزى للمحاسبات رقم ١٤٤ لسنة ١٩٨٨.
ولو أن قيادتنا ترغب فى تصفية الحسابات أو عزل صاحب التصريح لفعلت ذلك منذ نجاح ثورة ٣٠ يونيو وعزل مرسى لأنه هو الذى قام بتعيينه بموجب القرار الصادر فى سبتمبر ٢٠١٢ بناء على تعليمات الجماعة الإرهابية التى يمتلكها، وكانت تسعى إلى السيطرة على مفاصل الدولة المصرية، ومن بينها الجهاز المركزى للمحاسبات، وممارسة الإرهاب والفوضى من خلال الوقفات، والتظاهرات لإجبار بعض الأماكن الحساسة على عزل قيادتها، وإحلال الموالين لهم كما فعل مع السيد جودت الملط فى مارس ٢٠١١، حيث خلا مركز رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات فى مارس ٢٠١١ وتولت السيدة منيرة أحمد كقائم بالأعمال حتى صدور قرار مرسى بتعيين المستشار هشام جنينة الذى كان من تيار الاستقلال المسيطر عليه من قبل الجماعة الإرهابية بنادى القضاة.. كما أنه من الذين وقعوا على بيان رابعة العدوية، وكلها أسباب قوية ومنطقية لعزله، وكانت ستلقى قبولا وترحيبا شعبيا.
بل الأكثر من ذلك حينما أصدر السيد رئيس الجمهورية قرارا بقانون ينص على:
يجوز للرئيس إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، إذا توافرت بشأنه دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها، وإذا فقد الثقة والاعتبار أو إذا أخل بواجبهات وظيفته، وبما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص الاعتبارية. وأطلق بعض النشطاء على هذا القرار بقانون «قانون عزل جنينة»، ومع ذلك لم يتم عزله، ووصل به الأمر إلى التصريح لجريدة الوفد قائلا «أنا غير قابل للعزل، والقانون لا يشملنى.. أنا غير قابل للعزل، ولا يحق للرئيس إعفائى».
وهو ذات الحال حينما أصدر السيد الرئيس قرارا بتعيين نائبين لرئيس الجهاز المركزى للمحاسبات هما المستشار هشام بدوى ومنى توحيد؛ إذ قال البعض أيضا إن هذا القرار يهدف إلى حصار المستشار هشام جنينة، وخاب ظنهم.
فالتصريح الأخير لسيادة المستشار يعد خروجا عن واجباته الوظيفية المنصوص عليها فى القانون رقم ٤٤ لسنة ١٩٨٨ بشأن إصدار قانون الجهاز المركزى للمحاسبات، خاصة مادته الأولى التى تجعله تابعا لرئاسة الجمهورية، وكان أحرى به لو أن تصريحه صحيح أن يقابل السيد الرئيس فورا لإبلاغه بهذا الأمر، أو أن يحيل وقائع الفساد للنيابة للتحقيق فيها أو إبلاغها لمجلس النواب بدلا من التصريح للصحف لإشعال الحرائق.. وهذا يعرضه للمحاكمة، والمحاسبة وفقا لقانون محاكمة الوزراء رقم ٧٩ لسنة ١٩٥٨ الذى مازال ساريا حتى الآن بالرغم من انفضاض الوحدة ما بيننا وبين الشقيقة سوريا، وعقوبات هذا القانون تصل لحد الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة.
ولكن السيد الرئيس رأى تشكيل لجنة تقصى حقائق للتحقيق من مصداقية هذا التصريح برئاسة الرقابة الإدارية وعدد من المختصين بوزارة التخطيط، والداخلية والعدل والتى انتهت من أعمالها، وجاء نص بيانها للرأى العام بالآتى:
فى الوقت الذى تجتمع فيه كل الجهود صوب بناء دولة ديمقراطية قوية تؤمن بالحوكمة والإدارة الرشيدة واقتلاع جذور الفساد بكل صوره، وأشكاله، وتنفيذا لتكليف السيد رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة تقصى حقائق تضم عددا من المسئولين بوزارة العدل والتخطيط والمالية، والداخلية وبرئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية وعضوية نائب رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، للوقوف على حقيقة ما نشرته وسائل الإعلام فى ٢٤ ديسمبر الماضى من تصريحات منسوبة لرئيس الجهاز المركزى للمحاسبات عن اكتشافه وقائع فساد خلال عام ٢٠١٥ تجاوزت قيمتها ٦٠٠ مليار جنيه- فإن اللجنة اتصلت برئيس الجهاز المركزى للمحاسبات بتاريخ ٢٧ ديسمبر ٢٠١٥ للاستفسار عن حقيقة التصريح، إذ أفاد بأنه قد أعد دراسة بواسطة لجنة فنية شكلها من بعض العاملين فى الجهاز انتهت إلى صحة ذلك الرقم، وأنه يتضمن الفترة من ٢٠١٢ حتى عام ٢٠١٥. وقام بإرسال نسخة من هذه الدراسة إلى اللجنة معنونة بدراسة عن تحليل تكاليف الفساد بالتطبيق على بعض القطاعات فى مصر، وذلك دون الإشارة للمدى الزمنى للدراسة، ونرى أجدي بالسيد المستشار أن يتقدم باستقالته وانتظار ما ستسفر عنه المناقشات لدى السلطة الرقابية «التشريعية»، مجلس النواب، وما إذا كان سيتم قبول هذه الاستقالة أم سيتم العزل، والمحاكمة.