الأحد 09 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مسار الدولة المصرية على الساحة الدولية.. نظرة موضوعية "5"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دون أدنى استثناء، لا شك فى فعالية الأدوات الاقتصادية، المساعدات والاستثمارات.. وغيرها، ضمن الوسائل الأساسية للسياسات الخارجية الموضوعة والمتبعة تحقيقًا لأهداف ومصالح الدول على الساحة الدولية، وبما يتسق وكون المصالح المشتركة جوهر العلاقات الدولية المعاصرة.
من هنا تبدو منطقية حركة الأدوات الاقتصادية، بجميع صورها؛ إذ تبدو متزامنة ومتوازية مع كل تطور ينشأ فى المجال الحيوى للأمن القومى للدولة، مثلما تستجيب كمًا ونوعًا لتداعيات التشابك الشديد فى الملفات الإقليمية والدولية.
فى هذا السياق ينبغى تناول الأدوات الاقتصادية، ودلالاتها السياسية، وأثرها فى جهود إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، ضمانًا لمصالح مشتركة، لا يمكن حسابها بدقة فى غياب نظرة موضوعية، تنحاز قطعًا إلى أولوية الأمن القومى العربى.
لا ينفصل عن ذلك كون وفرة من أوجه «التعاون الاقتصادى» تُعد أكثر قدرة على اختراق الكثير من حدود المحظورات السياسية، متخذة فى ذلك وجوهًا شتى؛ ومن ثم تتمتع بالسرية غالبًا، مثلما تُتخذ تسريباتها بالونات اختبار للرأى العام، المحلى والإقليمى والدولى، ولردود أفعال الأطراف المعنية.
وإذا كانت العلاقات العربية ـ العربية تصعد بالمصالح المشتركة إلى حدود استثنائية تصل إلى حد وحدة المصير، فإن تجريد الأمر من حقائق راسخة فى العلاقات الدولية، لا يحمل فرصًا حقيقية لبناء علاقات متينة تتبنى القواعد المعمول بها فيما يشهده العالم من تحالفات جادة، غير قابلة للاهتزاز، أو الارتداد للخلف، سواء برحيل أو تغير القادة، أو بتداول السلطة داخل كل دولة بين قوى سياسية متباينة المرتكزات الفكرية، وهو الأمر الذى تعانى منه العلاقات العربية ـ العربية، فيما يعنى أن «شخصنة» العلاقات العربية أمر غالب على محتواها الأيديولوجى، ومشتركاتها التاريخية شائعة الانتشار فى الخطاب السياسى العربي.
والحال كذلك، ربما يعبر عن جملة من الإشكاليات العربية المزمنة والسائدة فى جميع الدول النامية، ولعل أهمها غياب الفكر المؤسسى، ناهيك عن العمل به، والأخذ بمقتضياته ودواعيه الديمقراطية، وبالتالى تغيب عن وطننا العربى استراتيجية موحدة للأمن القومى العربى، وتبقى العلاقات العربية ـ العربية محل اجتهادات فردية لا يمكنها الصمود طويلًا أمام سياسات مُدققة ومدروسة بعناية، تنبع من استراتيجية راسخة يتناوب على تنفيذها قوى سياسية لا تملك الحياد عنها، ولا تملك الحق أو القدرة على الالتفاف عليها.
ربما فى ذلك إشارة واضحة إلى الهوة الواسعة بين الحركة العربية على الساحة الدولية، وما يعتريها من اضطراب وتردد، وما بين خطوات منتظمة تنتجها قوى إقليمية ودولية، بموجبها تتراجع الفرص العربية فى امتلاك مقومات أمنها القومى.
ولعل دروسًا مقارنة تفيد إذا ما صدقت النوايا والتحمت بعزم تبنى استراتيجية عربية تصوغ أمننا القومى بمفردات عربية خالصة. ففى التجربة الطويلة الشاقة التى قطعتها إيران وصولًا إلى الاتفاق النووى الأخير مع مجموعة «٥+١»، الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن وألمانيا، ما يؤكد أن فكرًا استراتيجيًا لا يغيب عن السياسة الخارجية الإيرانية؛ إذ توالى رؤساء عدة على قيادة إيران، دون أن تفقد الاستراتيجية الإيرانية زخمًا شعبيًا وسياسيًا، بالقطع له أسس مؤسساتية، فى سبيل حقها فى امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، أثارت جدلًا عالميًا واسعًا، إزاء التشكك فى احتوائه مكونات عسكرية، يدهشنا أنه لم يمتد كثيرًا إلى الأمة العربية، بعيدًا عن خطاب دعائى لم نتجاوز به إلى اتخاذ إجراءات جادة وحقيقية على طريق إحداث توازن، لا أمل فى استقرار المنطقة إن لم تدركه استراتيجية عربية ما زالت المسئولية القومية العربية فى انتظارها. ولا شك أن التجربة الإيرانية مليئة بتفصيلات بالغة الدلالة على قدرة إيران على إدارة أدواتها الاقتصادية فى خدمة استراتيجيتها الوطنية؛ إذ كان النفط الإيرانى، كسلعة استراتيجية، عماد السياسة الخارجية الإيرانية.
وعلى الجانب الآخر من العالم، نستخلص الدرس ذاته من السلوك الدولى للولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ تبقى الهيمنة الأمريكية على النظام العالمى هدفًا لا يغيب عن السياسة الخارجية الأمريكية، وبموجبه يظل التدخل فى شئون الدول أمرًا حتميًا، فى حين تتبدل السياسات، فيما بين حكم ديمقراطى يميل إلى التدخل عبر الأدوات الاقتصادية، منحًا ومنعًا، إلى حكم جمهورى يعتمد التدخل العسكرى والأمنى خيارًا أعلى لتحقيق ذات الأهداف الأمريكية.
وعليه، تنهض الأدوات الاقتصادية بأدوار متنامية فى تحقيق السياسة الخارجية، تزيد كثيرًا علي مجرد كونها ردود أفعال مؤقتة، لا تشير إلى تبنٍ صحيح لمفهوم الفكر الاستراتيجى المعاصر، وشمولية وتكامل مكوناته.
ذلك أن فعالية الأدوات الاقتصادية فى تحقيق أهداف السياسة الخارجية، تظل رهنًا بانخراطها فى منظومة متكاملة تشكل استراتيجية وطنية كانت أو قومية، فإن لم نفعل، تاهت الأدوات الاقتصادية عن أهدافها، وعجزت الجهود عن إدراك ما تعلق بها من طموحات.
والحال، أن استراتيجية عربية، تتبنى جميع أدوات السياسة الخارجية، التقليدية، والاقتصادية، والدعائية، والاستراتيجية «العسكرية»، فى غيابها تظل السياسات الخارجية الصادرة عن جميع مكونات الوطن العربى، قاصرة عن ملاحقة التحديات المشتركة التى تحيط بالوطن العربى.
وغير ذلك، يطول، ولا يتحقق، انتظارنا لقوة عربية مشتركة، ويتراجع كل أمل فى تكامل عربى اقتصادى حقيقى، بينما «الوحدة العربية» تبتعد عن كل رؤية موضوعية ترصد الواقع العربى.