الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

فدائي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وكأن الراحل «عبدالحليم حافظ» كان يغنى «فدائى» منذ أعوام طويلة للشهيد العظيم، الفدائى الذى احتضن الإرهابى لينفجر فيه هو فقط، حتى ينقذ زملاءه، كأنها كتبت له وتغنى بها حليم من أجله، لكنه دليل قاطع على أن الجندى المصرى دائما «فدائى» فى أى عصر وأى زمان ومكان. 
وإذا أردت العثور فى أى مكان من العالم على المجند «محمد أيمن» هل تجده؟، غالبا لن تجده فهو شخصية فريدة من طراز خاص جدا، صناعة مصرية خالصة حصرية لمصر فقط، بطولته نادرة وإن كان غيره من الجنود المصريين قد سبقه وفعلها من قبل، غالبا لا أحد يمتلك هذا غيرنا، ولذلك لا تستطيع العثور عليه سوى هنا، فى مصر، الأرض الطيبة.
صحيح أن بطولات الجيش المصرى تخلد فى التاريخ بأحرف من نور، منذ قديم الأزل، ويقدم الجندى المصرى أروع وأغرب القصص فى البطولة والفداء، ولكن تضحية من هذا النوع هى نادرة الحدوث، ولا تستطيع أن تلوم من لم يقدر عليها، لأنها تتطلب قوة خاصة غير موجودة إلا فى عدد محدود من البشر، فقد استطاع «محمد أيمن» أن يتجاوز الخوف الإنسانى الطبيعى على حياته التى تركها راضيًا مرضيًا لزملائه، هو المعنى الحقيقى فى رأيى لما يسمى التضحية بالروح، عندما شاهد الإرهابى يستعد لتفجير نفسه وسرقة أرواح زملائه، فتقدم إليه وكأنه يقول له خد روحى أنا واتركهم، احتضنه عندما شاهده يرتدى حزامًا ناسفًا، ويستعد لتفجير نفسه وقتلهم جميعًا. 
هو الفرق بين الاثنين، «الجندى والإرهابى»، «الجندى» يفدى الناس بروحه يعطيهم حياته، يهبهم مستقبله، يحميهم بجسده وهو راضٍ مطمئن ومقتنع بما يفعل لا أحد يجبره على شيء، وإنما هو اختياره بكامل إرادته، فهو يرى أنه لا فائدة من حياته إذا لم يحم غيره ويفتديه بروحه، لا ينتظر مقابلًا ولا يطمع بشيء، وأعتقد أن الشهيد «محمد أيمن» لم يفكر فى الجنة ولا فى الحور العين مثلا عندما اتخذ قرار التضحية بنفسه لينقذ زملاءه، لا أعرف كثيرا عن حياته الشخصية وروتينه اليومى، أى من الممكن جدا أن يكون غير ملتزم دينيًا لا يصلى ولا يصوم، ولكنى على يقين أنه «إنسان» كما أراد الله أن يكون عندما خلق البشر، أفضل بكثير عند رب العالمين من أناس كثيرين يصلون ويصومون، وكل حديثهم قال الله وقال الرسول وهم لا يحملون إلى البشرية غير الأذى والكراهية والقتل والدمار. 
أما «الإرهابى»، فهو شخص جبان حتى لو فجر نفسه، وقام بما يطلقون عليه «عملية انتحارية» أيًا كان الدافع، لأنه يقتل غيره معه ويسرق حياتهم وأرواحهم، ونواياه هى الشر وقتل أكبر عدد من البشر، يُيَتم ويرمل ويدخل الحزن على قلوب كثيرة، هذا الإرهابى بالتأكيد يصلى ويصوم ويقرأ القرآن ويستمع إلى الأحاديث بشكل مستمر، ولكنه لا يفهم شيئا، مثل الحمار الذى يحمل أسفارا، رغم كل هذه الجلسات الروحية إلا أن لديه طاقة سلبية مدمرة تجعله فى عبوس شديد، قلبه مظلم وعقله مغلق وروحه مسجونة فى الجحيم طوال الوقت، يجد المتعة فى أذى الغير وإزهاق أرواحهم، يتلذذ وهو يذبح ويرى الذبيحة تتألم وتصرخ وتصفى دماؤها، يعشق رؤية الخوف والفزع فى عيون الآخرين، من المستحيل إذن أن يملك هذا القاتل قلبا شجاعا وضميرا مستنيرا، من المستحيل أن يفدى غيره بروحه، وأن يضحى بنفسه لحماية الآخرين، كيف يتحول فجأة إلى شخص يعطى وهو معتاد أن يأخذ فقط، يقتل نفسه ويقتل الناس طمعًا فى لقاء الحور العين. 
البعض يعقد المقارنة بين الشهيد «محمد أيمن»، وبين ما يحدث على الساحة الإعلامية الآن من فضائح وتراشق، يمكن لأن التوقيت يجمع بين الحدثين، يقولون إن حذاء هذا الشهيد برقبة إعلاميين يفضحون غيرهم بنشر صورهم الخاصة وحياتهم الشخصية على الملأ، وآخرون يشتمون ويسبون ويشتبكون ويهددون بعضهم البعض على الشاشة بنشر الفضائح، صحيح أن المقارنة هنا ليست فى محلها، ولكن قد يكون معهم الحق فى عقد المقارنة، لأن الأذى ليس ماديًا فقط، فإن فضح الآخرين يسبب أذى نفسيًا أيضًا لا يقل بشاعة أحيانا عن القتل، ومن يعقد المقارنة يرى أن ما يفعله هؤلاء وهم مشهورون ويتقاضون الملايين هم أيضا قتلة بطريقة أخرى غير الطريقة المباشرة المعروفة للقتل، لأنهم يرتكبون جرائم أيضا فى حق غيرهم، والشهيد قتل نفسه فقط من أجل الآخرين وللحفاظ على حياتهم وأرواحهم وهو مجند فقير لم يعرفه أحد، وهو ما يفسر الحالة العبثية التى يعيشها المجتمع المصرى حاليًا، مجتمع ممزق بفعل فاعل، يقارن بين شهيد ضحى بنفسه عندما احتضن انتحاريًا بحزام ناسف لينقذ زملاءه، وبين إعلامى ينشر صور الناس الخاصة ويفضحهم ويشتبك مع زملائه بالردح والشتائم وهم أصلًا لا يقلون عنه استفزازًا للناس، ولكن المجتمع معذور بصراحة عندما يعقد هذه المقارنة، فإن ما يشاهده ويسمعه ويتعرض له ليس طبيعيًا بالمرة، ولكن الميزة الوحيدة فيما يحدث أن الناس مازالت تحتفظ بحقها فى الرفض وإنسانيتها التى لا يعكر صفوها شيء.