رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قراءة في الفهم الديني المترسخ لمرتكبي حوادث باريس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تحاول داعش وأخواتها أن تنشر الإسلام عن طريق الإرهاب
فهم في حالة الحرب الدائمة مع العالم بغرض إدخال الناس في الإسلام
لا تستغرب انهم في حالة صراع أبدى ودائم مع العالم المحيط بهم ليدخلوه في دين الله أفواجًا....فقد أصبحت الطريقة الوحيدة والحصرية لديهم لنشر الإسلام هي الجهاد الذي تحول لديهم إلى فريضة دائمة مؤبدة.....ووسيلة أحادية لفرض تعاليم الإسلام.
لذا فهم في حالة حرب مع الجميع.يستوى في ذلك من بدأهم بالحرب ومن كف يده عنهم..فالجميع سيقاتلون ليدخلوا جميعًا في الإسلام أو ينضووا تحت حكمه بدفع الجزية وهم صاغرون
وهذا الفهم ليس من اختراعهم وإنما هو تطبيق لقراءة خاطئة ترسخت عبر قرون لآيات القتال في القرآن الكريم
تعالوا بنا نسير معهم لنرى كيف طبقوا تحريف الكلم عن مواضعه.......
نلحظ أننا أمام ثلاث أنواع من النص القرآنى تتناول القتال
النوع الأول: يمنع من القتال ويرسى مبادئ كلية وقيم مطلقة مثال ذلك
"فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر " الغاشية 21/22
" واعرض عن المشركين " الأنعام 106
"واعرض عن الجاهلين " الأعراف 199
"فإنما عليك البلاغ " هود 20
"أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " يونس 99
وقد انعقد الإجماع على أن القتال طوال العهد المكى كان ممنوعًا......
وهنا نشأ الخطأ في تعليل هذا المنع بحجة أن المسلمين كانوا مستضعفين فهم من ناحية قليلى العدد ومن ناحية أخرى لا قدرة لديهم على مدافعة الخصوم
رغم أن ذات النصوص المانعة من القتال تكررت في المرحلة المدنية مثال ذلك "
النص الجلى الواضح في سورة البقرة وهى سورة مدنية باتفاق " لا إكراه في الدين " 256
" وإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين "آل عمرا ن
" ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا " النساء
وهذا الخطأ في الفهم المترسخ عبر قرون جعلهم يفهمون أن ممارسة الدعوة إلى الإسلام ومعانيها العظيمة يكون حال الإستضعاف أما الجهاد فهو طريق نشر الإسلام حال القوة.فالجهاد ليس وسيلة للدعوة بل هوبديل عنها حال القوة
أما القراءة الصحيحة لهذة الآيات أنها منعت المسلمين من ممارسة القتال الدفاعى وتضمنت أيضًا معانى إنسانية عظمى وقيما كلية هي الصبر الجميل والهجر الجميل والعفو والتسامح والإحسان والبر وعدم إكراه الناس على الدخول في الدين وهو اعتراف بحقيقة الإختلاف.
كل هذة المعانى هي معانى لصيقة بالإسلام لا تتغير بتغيير موازين القوى..ولا تتبدل بتبدل حال المسلمين من الإستضعاف إلى القوة والعكس.

وفى ذلك يقول المستشار عبد الجواد يس في كتابه " الدين والتدين ص129
" المعنى هنا أن المنهى عنه طوال المرحلة المكية هو القتال الدفاعى ذاته،أما التسامح الإنسانى،وعدم إكراه الناس على الدخول في عقيدة بعينها،وتقديم الإحسان والبر، فهى معانى مطلقة في الدين،لترتبط بمرحلة سياسية أو أخرى،ولاتتوقف على درجة الإستضعاف أو القوة، وهو ما يعنى أن الإباحة اللاحقة للقتال كان موضوعها هو ممارسة حق الدفاع عن النفس وليس صلاحية استخدام القوة لإجبار الناس على اعتناق الدين،أو التهديد بها من خلال تخييرهم بين الإسلام والسيف،وحين يحدث ذلك في الواقعع التاريخى فهو يحدث باندفاع الدولة وغرائز الاجتماع، وليس بتوجيه الدين،ولا يغير من هذة الحقيقة أن النص قد سجل هذة الوقائع،وأن الفقه حولها إلى أحكام منسوبة إلى الدين "ا.ه

والقراءة الخاطئة هي التي نظرت إلى تلك النصوص إلى أنها مرتبطة وجودا وعدما بحال استضعاف المسلمين.
فحال الإستضعاف يؤمر المسلمون بالتسامح والعفو وكف الإذى والهجر الجميل أما حال القوة فكل هذة المعانى منسوخة
لم يع هؤلاء أن ذلك الفهم هو طعن في الدين ذاته.....
وانظر معى حال استضعاف الجماعة الإسلامية بعد أن هزمتها الدولة المصرية يقول صفوت عبد الغني في حوار مع الأستاذ مكرم محمد أحمد في مجلة المصور
«الواقع في مصـر أثبت بحق أن هداية الخلائق لابد أن تكون هي الغاية الأولى والأخيرة، ولابد أن تكون الدعوة
إلى الله هي الأساس، وأن العمل السلمي هو الأساس لاسيما إذا أثبتت التجربة العملية ذلك، لأن القتال فيه هلاك،
وليس في صالح الإسلام ولا المسلمين، والقتال الذي حدث تسبب في انقسام الأمة وأضـر بمصالح المجتمع، ولم
يحقق نفعًا للناس، وبالتالي يصبح عملًا بغير معنى، ويصبح محرمًا شـرعا لأنه لن يؤدي إلى الهداية، ولكنه يؤدي
إلى مفاسد أكبر.
وبعد انهيار المؤسسة الأمنية في مصر عقب ثورة 25 يناير
لم تتبن الجماعة الإسلامية الدعوة إلى الله بل أهملتها وتبنت خطابًا تحريضيًا تكفيريًا وسعت إلى تكوين ميلشيا مسلحة

النوع الثانى نصوص مبيحة للقتال
وهنا نحن بصدد نصين
الأول:- في سورة الحج 39 " أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير "
وهنا أنتهى منع المسلمين من ممارسة القتال الدفاعى وأٌذن لهم فيه ثم وضح النص الثانى أن هذا الإذن هو خاص بقتال من قاتلكم ويجب عدم بدء قتال من لم يقاتلكم
النص الثانى سورة البقرة الآية 190 "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونك ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين "
أما الفهم الخاطئ فقد ترسخ عبر تفسير قوله تعالى " ولاتعتدوا " على أن هذا النهى منسوخ
ويعتمد هذا التفسير الخاطئ القرطبى الذي ذكر في جامعه الجزء 2 ص229
" أي يحل لكم القتال إن قاتلكم الكفار فالآية متصلة بما سبقها من ذكر الحج وإتيان البيوت من ظهورها فكان عليه السلام يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه حتى نزل "فاقتلوا المشركين (التوبة 5) فنسخت هذة الآية "
وهذا المعنى الذي يقرره الإمام القرطبى بنسخ هذة الآية جد خطير فهو يعنى تحويل الأمر من "الإذن بقتال من يقاتل وكف اليد عن من لم يقاتل " إلى وجوب القتال في مواجهة المشركين كل يستوى منهم من قاتل ومن كف يده "
وذات المعنى يقرره بعبارات أوضح أبو بكر بن العربى المالكى في أحكامه ج2 ص492/493
"المقصود قتال جميع المؤمنين لجميع الكفار،وقتال الكفار أينما وجدوا وقتال أهل الكتاب من جملتهم "
وترسخ أيضًا عبر تحويل دلالة قوله تعالى " ولاتعتدوا " إلى النهى عن قتال النساء والأطفال ومن لا يستطيع القتال
وفى هذا ينقل الطبرى قول عمر بن عبد العزيز ويعتمده وهو
"إن ذلك في النساء والذرية ومن لم ينصب لك الحرب منهم "تفسير الطبرى الآية190 البقرة
ولقد أخطأ الفقة التفسيرى حين أخرج هذة الاية عن معناها الحقيقى وهو عدم الاعتداء بداية وربطه بشرط صريح وهو أن يبدؤكم بالقتال "الذين يقاتلونكم " "حتى يقاتلوكم " "فإن قاتلوكم" "فمن اعتدى عليكم " إلى معنى معاكس وذلك عن طريق تحويل دلالة النص الصريح وذلك بالقول بنسخها كما قال القرطبى وابن العربى أو بتحويل دلالتها إلى النساء والصبيان والشيوخ كما قال الطبرى
وانظر إلى ابن العربى وهو يخرج الايات عن سياقها فيقول في قوله تعالى " فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم "
قال "يعنى إن انتهوا بالإيمان فإن الله يغفر لهم جميع ما تقدم وهذا مالم يؤسر،فإن أسر منعه الإسلام عن القتل وبقى عليه الرق"
والسياق الصحيح هو أنه إذا انتهى المشركون عن قتالكم فأوقفوا القتال وكفوا أيديكم عنهم لأن الله غفور رحيم فالوقائع التي جاءت في الآيات 190/194 البقرة تتعلق باحتمال صد قريش للنبى صلى الله عليه وسلم ومن معه عن أداء العمرة ولا تتعلق بدعوتهم إلى الإيمان"
النوع الثالث:- النصوص الآمرة بالقتال
آية السيف وهى الآية الخامسة من سورة براءة "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم "
وهذة الآية نزلت في السنة التاسعة من الهجرة لتعالج ظرف محلى خاص بالجماعة المسلمة والتي كانت في حالة حرب مع بعض القبائل المناوئة وهناك اتفاقات محددة الأجل مع بعضها واتفاقات غير محددة الأجل.
والمعنى الواضح كما يقول عبد الجواد يس" أن الآية تتعامل مع مسألة محددة وهى العهود المبرمة مع القبائل العربية في إطار العنوان العام لحالة الحرب القائمة منذ سنوات،أي تواجه موقفًا ظرفيًا محليًا خاصًا تشير مفرداته إلى مدد محددة
( أربعة أشهر تبدأ من الإبلاغ يوم الحج الأكبر،أو خمسين يومًا تنتهى بالمحرم آخر الأشهر الحرم المعروفة )
وإلى قبائل معينة مثل(خزاعة وبنى مدلج،الذين وفوا بعهدهم واستثنتهم الآيات من الأجل المضروب ).؟
وإلى أماكن خاصة (عند المسجد الحرام وعرفة ) ولم تكن تواجه موقفًا تشريعيًا عامًا أو مجردًا "
الدين والتدين ص114
غير أن الفقه نحى بهذة الآية منحىً مغايرًا وأخرجها عن سياقها ودلالاتها وانظر إلى ابن العربى وهو يقول هذة الآية تقتضى " نسخ كل عفو وصفح وإعراض وترك حيث ورد في القرآن "
الناسخ والمنسوخ ص190
ونقل ابن الجوزى في نواسخ القرآن ص173 أن البعض قا ل" أن هذة الآية ناسخة لمائة وأربع وعشرين آية من القرآن "
وانظر لابن خزيمة ويعدد في الناسخ والمنسوخ مانسخته آية السيف فيقول نسخت:-
قوله تعالى " وقولوا للناس حسنا" البقرة 98
وقوله ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين "البقرة 190
وقوله "لا إكراه في الدين " البقرة 256
وقوله "وما على الرسول إلا البلاغ " المائدة 99
وقوله "وما أنت عليهم بوكيل "الأنعام 107
وقوله "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " الأنعام 108
وقوله "وجادلهم بالتي هي أحسن "
وقوله "وإذاخاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا"الفرقان 63
وقوله "لكم دينكم ولى دين "الكافرون 6
وقوله "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" الممتحنة 8
والمعنى الذي يقتضيه قول هؤلاء الفقهاء أنه بعد هذة الآية لاتسامح ولا صفح وسلام وإنما حالة حرب مع العالم حتى يدخل في دين الله أفواجًا.
هذا الفهم الخاطئ لنصوص القرآن ووإخراجها عن سياقها وإفراغها من مضمونها ودلالاتها أدى إلى نتائج خطيرة
أولها:- أن الدعوة إلى الله لهداية الخلائق بكل ماتحمله الدعوة من معان عظيمة وقيم كلية نبيلة إنما هو مرتبط بمرحلة استضعاف المسلمين حين يواجهون خصمًا قويًا أو يعانوا من قلة عدد.
أما حال القوة وتغير الموازين في صالح المسلمين فلا مجال للدعوة فالطريق لهداية الخلائق هو الجهاد.
ثانيها:- تقسيم العالم إلى قسمين دار إسلام ودار حرب.فلا يوجد نص تكلم في هذة المسألة الجديدة التي ما انزل الله بها من سلطان
ثالثها:- إلغاء الدعوة الإسلامية.........
يقول ابن العربى في تعليقه على آية السيف "واقعدوالهم كل مرصد" قال علماؤنا يقصد المالكية في هذا دليل على جواز إغتيالهم من قبل الدعوة "
أي قبل أن تدعو إلى الإسلام من ليس على الإسلام يجوز لك قتله وهذا معنى جد خطير أن تمنع نفسك من الدعوة إلى الله وتكتم الدعوة وتقتل من لم تبلغه تلك الدعوة أو بلغته غير صحيحة فهذا منع للرحمة وأى مسلم هذا؟؟؟؟؟؟؟؟
أنه لايحمل بين طياته شفقة ولارحمه للناس ومايؤمن به ليس هداية للعالمين وإنما يحمل بين جوانحه نفس مجرمه فهو قاتل في زى مسلم.......لايحمل هداية للناس
يقول محمد قطب شقيق سيد قطب في كتابه الصحوة الإسلامية ص154
"إن الإسلام يستخدم السيف –بأمر من الله سبحانه وتعالى – ولكن لا ليفرض العقيدة على الناس، بل لزيل الأنظمة
الجاهلية التي تحجب –بوجودها- الحق عن الناس فإذا أزيلت الأنظمة الجاهلية بقى الناس أحرارًا لا تفرض عليهم
العقيدة الإسلامية "
فهذا أمر متناقض النص المكى صريح في النهى عن ِإكراه الاناس للدخول في الإسلام انطلاقًا من الطبيعة الاختيارية
للإيمان وجاء النص المدنى " لا اكراه في ا لدين "
خاتمة
هذا الفهم الخاطئ الذي ترسخ عبر قرون طويلة هو ما تمارسه داعش وأخواتها ليس نتاج فكرهم وإنما نتاج قراءة خاطئة ترسخت عبر هذة القرون
وعليه لاتكفى المواجهة الأمنية فقط وإنما يجب أن تسبقها وأن تكون معها وبعدها تصحيح لتلك المفاهيم التي ترسخت عبر قرون.