الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا أراكم الله مكروهًا في حظر نشر لديكم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما الذى يجعل جهات التحقيق تصدر قرارًا بحظر النشر فى قضية معينة؟
ستقول إن هذه القضايا حتما تتعلق بأمور تمس الأمن القومى المصرى، ولابد أن بها أسرارًا عليا من الخطر أن تنشر على الرأى العام، فليس كل ما يعرف يقال، وليس كل ما يسجل ينشر، ثم ما الذى يستفيده الرأى العام عندما يقرأ التحقيقات فى قضايا بعينها، أو يتابع سير التحقيقات مع شخصيات بعينها، لاتزال قيد الاتهام ولم يصدر ضدها حكم قضائى نهائى وبات، خاصة أن الصحافة عندما تحصل على ما يدور فى كواليس التحقيقات، تقوم باغتيال علنى للشخصيات المتهمة، وتقيم القنوات الفضائية حفل شواء لها على الهواء مباشرة؟
فى كلامك بعض من المنطق، ويمكن أن أقبله فى حدود معينة، لكنى لن أسلم به على إطلاقه، لأن هناك قضايا لا تمس الأمن القومى المصرى ويتم حظر النشر فيها بأعصاب باردة، قد يكون هناك مبرر لحظر النشر فى قضية مقتل السياح المكسيكيين، لكن ما هو مبرر الحظر فى قضية فساد وزارة الزراعة الكبرى، ما الذى يربط مجموعة من الفاسدين الذين استحلوا المال العام، وحصلوا على رشاوى لتسهيل الاستيلاء عليه بالأمن القومى المصرى؟
حظر النشر - الآن - فى كل القضايا التى حصلت على حصانته لا يحمى الأمن القومى المصرى، بقدر ما يعزز أزمة الثقة التى تزيد كل يوم بين الرأى العام والأجهزة التى تحكم وتتصرف فى إدارة البلاد، يقول الناس: «عندما تسمع عبارة حظر النشر، فإن هناك من يريدون حمايته، وما يرغبون فى دفنه»، ولمن يقول هذا له كل الحق، لا تستطيع أن تلومه، أو تعامله بسوء ظن، لأن هناك من زرع سوء الظن ورعاه.
قد تقول: «إن المسألة ببساطة تتعلق بالإعلام، وتصور الأجهزة المسئولة عنه، فهى لا تثق فيه هى الأخرى، تراه غير رشيد، يمكن أن يؤثر بما يقوله وينشره على سير التحقيقات، ولذلك من الأفضل أن تتم التحقيقات فى سرية تامة، وبعد أن تنتهى يمكن اطلاع الرأى العام عليها»، وهذه أزمة أخرى، لأن هذا هو الإعلام نفسه الذى عاتبه الرئيس علنا، وتهاجمه الأجهزة المختلفة، لأنه لا يقوم بواجبه على الوجه الأمثل، وهنا لا بد أن نتوقف، وليسألنى أحدهم، كيف تطلبون من الإعلام أن يقوم بواجبه وعمله على الوجه الأمثل وأنتم تحولون بينه وبين المعلومات التى هى المادة الخام لعمله وتغطياته؟ لماذا توثقون يديه وقدميه، وتقطعون لسانه، ثم تطلبون منه أن يعمل بكفاءة عالية، أليس فيما تفعلون نوعًا من العبث الكامل؟
سأستسلم لكل ما يقوله رعاة فلسفة حظر النشر فى قضايا لا تستحق ذلك على الإطلاق، وسأحترم رغبتهم فى حماية الأمن القومى المصرى، وهى رغبة موجودة لدى الصحفيين أيضًا، هذا لا يمنعنى من السؤال: لماذا لا تبحثون عن طريقة أخرى تضعون بها الرأى العام وأداته الإعلامية فى الصورة معكم، طريقة تبدد الشكوك، وتجعلنا نحترم ما تقولونه عن أن التحقيقات تجرى فى القضايا المحظورة بشفافية عالية؟ أليس الإعلان أولًا بأول عن نتيجة التحقيقات هو الملمح الأساسى من ملامح الشفافية؟ أم أن لديكم معنى آخر للشفافية لا نعرفه؟
ستسأل عن الطريقة التى يمكن أن تكون مريحة لجميع الأطراف، سأقول لك إن النيابة العامة التى تباشر التحقيقات يمكن أن تصدر بيانا كل ٤٨ ساعة، تقول فيه بالتفصيل ما يدور فى الغرف المغلقة، وهو البيان الذى ليس مهما أن يكون مفصلًا، لكن المهم أن يكون موجودًا.
لو صدر هذا البيان الذى ستلتزم به الصحف والقنوات، لبدد شكوكًا كثيرة تنمو وتترعرع فى قلوب وعقول الناس، سيكون المعنى واضحًا، وهو أنه لا أحد يحمى أحدًا، ولا أحد يخفى شيئًا.
إننا لا نريد وطنًا يعيش فى الظلام، ففى الظلام لا ينمو إلا الخوف والشك والفساد والعفن، نريد وطنًا مستقلاً ومستقرًا وآمنًا وواضحًا ونظيفًا.. ولا طريق لذلك كله إلا أن نعرف ماذا يدور فيه، لا تجعلوا مصر وطنًا للكهنة الذين يحمون معبدهم، لأن معابد الكهنة لا يدوم عمارها ولا يستمر من يخدعون الناس باسمها.. فهذا الشعب الطيب إلى درجة السذاجة أحيانًا وفى لحظة فارقة يحطم معابد من يخدعونه، ولكم فيما حدث وتعرفونه جيدًا عظة وعبرة.