الخميس 13 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

أيام فلسطين الأخيرة.. صمتت المدافع فضاعت "أرض الزيتون"

ننفرد بنشر وتحقيق مذكرات البكباشى جلال ندا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إشارة خاطئة تسببت في هزيمة منكرة للقوات المصرية فى فلسطين بعد ضرب القوات لبعضها
إسرائيل حصلت على احتياجاتها من السلاح دون أية مضايقة أما حظر التسلح فكان من نصيب العرب
«المواوي» رفض سحب لواء أسدود لاسترداد موقع تبة الخيش فكانت النتيجة سيطرة إسرائيلية كاملة على قواتنا

فى يوليو حدثت الثورة، وقبلها بنحو أربع سنوات، حدثت مسببات النكبة العربية، فى يوليو أيضا، لا فى مايو كما يعتقد الذين أرخوا لها ببداية الحرب ومفاوضات الهدنة، فيما الأحداث كلها تشير إلى أن يوليو الذى كان شهرا للنكبة والهزيمة فى 1948، تحول بعد تشكيل اللبنة الأولى للضباط الأحرار بعدها، ليكون شهر الثورة التى غيرت مجرى الأحداث فى مصر.. فى هذه السلسلة من الحلقات نتحدث عن الحرب وذكرياتها، من خلال أوراق الراحل البكباشى جلال ندا الذى استودعها أمانة لدى الكاتب، وفيها أيضا الكثير من الوقائع التى ذكرها على لسانه باعتباره شاهدا على مجريات الأحداث، أو على ألسنة قادة الثورة أنفسهم، كاشفا ما غم على كثير ممن أرخوا للحدث العظيم فى تاريخ مصر الحديث، ومع تتابع الحلقات سنتعرف على ندا شخصيا مصحوبا بذكرياته عن الحرب التى شارك فيها، وكيف أنقذ جمال عبدالناصر من الموت، بينما هو قعيد مصاب لا يجد منفذا لعلاجه، وكيف كانت قيادة البطل أحمد عبدالعزيز للفدائيين، وعن الهدنة التى خربت التاريخ المعاصر للعرب، وتسببت فى هزيمتهم بالشكل الذى يؤرخ له المؤرخون باعتبارها النكبة العربية، ودور الإخوان المسلمين فى هذه الهزيمة، وخطة القائد عبدالعزيز لاحتلال القدس، ونتيجة رفض القيادة لها، وبعدها نستمع لشهادته عن بدء تشكيل تنظيم الضباط الأحرار، وكيف تشكلت علاقة محمد حسنين هيكل بعبدالناصر، ثم الحوارات التى أجراها مع بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة، وتحقيقنا لبعض مما ورد فيها، عبر شهادات أخرى لم ترد فى مذكراته، سعيا للبحث عن حقيقة ما حدث فى مصر منذ العام 1948 إلى قيام الثورة لنصل إلى ذهاب السادات إلى القدس، ورأى المعاصرين لعهده فى هذه المبادرة، كل هذا وأشياء أخرى ستمثل مفاجآت نتركها لوقتها.
تكملة لما سبق فى شهادتى عبدالقادر حاتم وعبدالناصر، قالت سطور جلال ندا: «نجحت القوات المصرية قبل الهدنة فى الاستيلاء على مستعمرة نيتساليم يوم ٧ يونيو، كما طردت العدو من تبة الفناطيس واحتلتها فى يوم ٩ يونيو، استجاب اليهود إلى قرار وقف إطلاق النار، وأخذوا يتزودون بالأسلحة والذخائر، وقبل موعد وقف القتال بدأوا يهاجمون القرى العربية الآمنة متحدين بذلك أوامر وقف القتال، فاحتلوا قرية كوكبا ما اضطر القوات المصرية للرد عليهم وإخراجهم بالقوة، وكذلك طردتهم القوات المصرية من قرية بيت طيما، كما استعادت يوم ٩ يوليو قرية بيت عفة، أما بعد انقضاء الهدنة، فلم تنجح فى الاستيلاء على قرية عبديس، يومى ٩ و١٠ يوليو، كما حاولت القوات المصرية الاستيلاء على مستعمرة نجبا فى يوم ١٢ يوليو لكنها لم توفق».
خطأ كارثي
أما الكارثة التى يحكى عنها فهى محاولة القوات المصرية الاستيلاء على مستعمرة «بيرون إسحاق»، وبعد أن نجحت المشاة فى اقتحامها، حدث خطأ كارثي، عندما أعطى المسئول عن إشارة النجاح فى الاقتحام إشارة «النجدة»، فركزت المدفعية المصرية وقتها الضرب على المستعمرة، اعتقادا منها أنها تعطى ساترا للانسحاب، إلا أن الواقع أثبت أنها كانت تحصد القوات المقتحمة عوضا عن العدو، فكانت النتيجة خسارة معركة كانت القوات المصرية منتصرة فيها، بسبب خطأ لم يعرف إن كان بغير قصد أم أنه نتيجة لخيانة!
وكما قال ندا فى مذكراته التى كتبها بخط يده: «كانت هذه المعركة تتميز بظاهرة بطولية هى الأولى من نوعها، حيث تطوع المرحوم الصاغ فؤاد نصر هندي، لتولى قيادة سرية المشاة المهاجمة رغم أنها لم تكن سريته، لأنه كان يتولى سرية المهمات وهو الضابط الوحيد، فى غزة الذى استشهد فى المعركة، وأعتقد أنه الوحيد الذى يستحق لقب بطل لأنه تطوع ليقوم بعمل غير مفروض عليه، وفى يوم ١٧ يوليو احتل العدو قريتى كرانها وحنة، وحاولت القوات المصرية استردادهما فى اليوم التالى لكنها لم تنجح، وفى تمام الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم ١٨ يوليو بدأت الهدنة الثانية فاستجاب لها الطرفان لتعادلهما، ولم يستطع أى طرف أن يحرز نصرا حاسما على الآخر، وعموما فمصر دائما تلتزم بالقرارات الأممية الصادرة، فيما كانت إسرائيل تحصل على السلاح دون أى مضايقة، أما العرب فكان الحظر يوقف أى محاولة منهم للتزود بالأسلحة.
وبعد ثلاثة أشهر طلبت إسرائيل مرور قافلة تموين مكونة من ٤٠ «لورى» لمستعمرات الجنوب، لكن القيادة المصرية رفضت، فصمم الصهاينة على تمريرها بالقوة، وكان موقع «تبة الخيش» وهو المتحكم فى الطريق تدافع عنه الكتيبة التاسعة مشاة، فركز اليهود هجومهم فى الساعات الأولى من صباح يوم ١٦ أكتوبر، ضاربين بقرار وقف إطلاق النار عرض الحائط، ونجحوا فى الاستيلاء على الموقع ومرت القافلة، وهو ما سبب ارتباكا فى قيادة القوات المصرية، فانهارت أعصابهم ولم يحاولوا السيطرة على الموقف، كان لمصر لواء كامل فى منطقة أسدود وجوليوس، وكان المفروض سحب هذا اللواء لاسترداد الموقع الاستراتيجي، لكن قيادة القوات لم تفعلها! حيث كان اللواء المواوى يتلقى الأوامر من القاهرة من القيادة السياسية، ومن ثم أضاع الوقت إلى أن استطاع اليهود السيطرة على الموقع الجديد وحصنوه وسيطروا على الطرق، وقطعوا الاتصال بين الشرق والغرب والجنوب والشمال، ما أدى إلى حصار الفالوجا، كما أدى إلى انسحاب لواء أسدود وقوات المجدل، واستقرت فى غزة، فبدى شبح الهزيمة فى الظهور واضحا على الخريطة العربية.
جلال ندا مصابا
نعود إلى المعركة، حيث تقول السطور التى كتبها ندا بخط يده: «لم ينس اليهود قتلاهم فى حصن عراق سويدان بعد أن فقدوا ٢٥٠ فردا، فلم يمض شهر واحد حتى هاجمونا جوا وأرضا وقطعوا جميع الطرق، وكنا فى بلدة عراق سويدان أسفل الهضبة، نشاهد الطائرات وهى تدك الحصن بقنابلها كما نشطت المدفعية لضربه، وحاصرته المشاة من كل جانب، استبسلت القوة المصرية المحاصرة فى الدفاع عن الحصن، ولم تتلق أى مساعدات خارجية لعدم قدرة باقى القوات على الوصول إلى هذا الموقع، وبعد أن نفذت ذخيرتهم نجح العدو فى اختراق أسواره، بعد أن تمكنت نصف القوة من الهروب واللجوء إلى القوات الموجودة فى بلدة عراق سويدان، إلا أن النصف الباقى كان بين شهيد ومصاب، و كان من بين المصابين الصاغ «الرائد» عادل صادق الذى تم أسره مع زملائه فى الحصن».
باحتلال اليهود للحصن باتوا كما قال جلال ندا مسيطرين، على بلدة عراق سويدان وبيت عفة، وأصبحت القوات المدافعة عنها تحت رحمتهم، لكنه أضاف: «فوجئت بتولى قيادة القوات الموجودة فى بلدة عراق سويدان وبيت عفة، بعد أن استشهد قائدها، فوجدت أنه من العبث البقاء فى هذه المواقع حتى صباح اليوم التالي، فإن ذلك يعنى إتاحة الفرصة للعدو ليبيد باقى القوات دون مقابل، لتحكمه فيها بسبب موقعه الاستراتيجى الجديد، فقمت بالاتصال بالمرحوم السيد طه «ضبع الفالوجا»، وشرحت له الموقف، فوافق على انسحابى إلى هناك بكل القوات، وأحمد الله على تمام عملية الانسحاب على أكمل وجه، قبل بزوغ فجر اليوم التالي، ولم تحدث أى خسائر إلا إصابة واحدة كانت من نصيبي، حيث استقرت شظية فى الكبد بعد أن مزقت الرئة اليمني، ومزقت أخرى الوريد والشريان خلف الركبة اليمني».
أنقذت عبد الناصر
وكما قال ندا: «اضطررت للبقاء سبعين يوما دون علاج»، ولما علم اليهود بإصابة الضابط جلال ندا واستحالة نقله بعيدا عن ميدان المعركة، عرضوا علاجه لكن كأسير حرب، لكنه رفض بإباء وأبلغ الملازم أول وقتها إبراهيم بغدادي، الذى أصبح فيما بعد محافظا للقاهرة، بإشارة إلى القائد اللواء فؤاد باشا صادق قال فيها (من الصاغ جلال ندا إلى اللواء فؤاد باشا صادق.. أرفض الانتقال إلى يافا ولو ضحيت بحياتى.. أطمع فى أبوتكم)، فأراد اللواء فؤاد باشا صادق تكريمى فأرسل دورية من ضابطين هما الصاغ زكريا محيى الدين واليوزباشى «نقيب» صلاح سالم لتوصيل أدوية وآلات جراحية كنت فى حاجة إليها وكانت هى سببا فى أن يمد الله فى عمرى حتى الآن».
واستمر ندا فى حديث الذكريات قائلا: «فى صباح يوم ٢٨ ديسمبر ١٩٤٨، وكنت مستلقيا فى مركز رئاسة لواء الفالوجا، مع الأميرالاى – العقيد - سيد طه الشهير بـ«ضبع الفالوجا» والصاغ زكريا محيى الدين أركان حرب اللواء، وكنت مصابا وقتها.. فيما كانت تدور معركة فى بلدة عراق المنشية، وحوالى الساعة الثانية سمعت صوت الصاغ جمال عبدالناصر أركان حرب الكتيبة السادسة مشاة، يتردد عبر جهاز اللاسلكى ناقلا إلينا التالى: (اليهود اخترقوا قطاع السرية السودانية بجوار المدرسة – اليهود يقتربون من مركز الرئاسة – النجدة النجدة)، تكررت هذه الرسالة أكثر من عشر مرات.. خيم الوجوم علينا جميعا، واحتار ضبع الفالوجا فيما يسمع.. فهو لا يستطيع فعلا أن يقوم بنجدة هذه الكتيبة خاصة أن اللواء كله محاصر، طال السكون ولم يقطعه إلا صوت الملازم أول الملاح، والملازم أول وحيد جودة رمضان، وهما يتقدمان بطلب التطوع لكى يقود كل منهما، حملة كانت مجهزة بمدفع رشاش «فيكرز» ويذهبان لنجدة الكتيبة السادسة».
ويستكمل ندا: «فكر السيد طه قليلا ثم أعطى قراره بالرفض.. ناديته بإشارة من يدى لأننى لم أكن أستطيع رفع صوتي، اقترب الرجل منى فقلت له (وما المانع؟) وهنا تدخل زكريا محيى الدين وقال لى: أسكت أنت، فقال ضبع الفالوجا: (أولا موقف وحيد دقيق بالنسبة لبعض المخالفات العسكرية، ونحن فى انتظار التصرف فيها)، فقلت له: (والله أنا أعتقد أن ذهابه ربما يحقق نتيجة، وفى هذه الحالة يكون ذلك شفيعا له، وإن استشهد يكون قد وضع حدا لمشاكله)، لم يضيع السيد طه وقتا فأبلغهما موافقته، ومن ثم اتجها فى الحال إلى عراق المنشية، وحاصرا القوة المتسللة وقضيا عليها، وفى نفس الوقت رجوت السيد طه أن يرسل سريتي، وكانت فى الاحتياط إلى القطاع الذى تسلل منه اليهود، بجوار المدرسة والدفاع عنه لمنع وصول أى تعزيزات إلى الداخل، فكانت النتيجة أن نجحت المعركة وكتب الله السلامة لجمال عبدالناصر ولم يصب بسوء خلال هذه المعارك».
انتخابات نادي الجيش
انتهت الحرب وعاد جلال ندا للقاهرة، وبعد عودته جرت انتخابات نادى ضباط الجيش، فترشح ضمن قائمة اللواء محمد نجيب وفاز، لكن السرايا اعتبرته بذلك الفوز خصما للملك فاروق، وكان الجزاء إعادته من رحلة العلاج فى لندن، وإحالته للاستيداع وإنهاء خدمته من الجيش، لكن لم تمض سوى أشهر قليلة حتى اختاره الحزب الاشتراكى بقيادة المجاهد أحمد حسين مشرفا على التدريب العسكري، لكتائب الحزب التى شاركت فى العمل الفدائى فى مدن القناة، وعلى لسانه يقول جلال ندا: «فى أوائل يناير ١٩٥٢ قابلت عبدالناصرصدفة بجوار إدارة المشاة.. فقال لى عملت إيه فى معاشك؟ وكان لمعاشى قصة يعلمها جميع الضباط، بل وكل من قرأ عنها لهيكل فى ديسمبر ١٩٥١، وخالد محمد خالد فى ٣١ ديسمبر ٥١ أيضا، فقلت كما هو.. فقال طيب خلينا نشوفك.. ابقى مر علىّ تشرب فنجان قهوة، فشكرته ومشى كل منا فى طريق، بعد أسبوع قابلته مرة أخرى بجوار المستشفى العسكري، فقال يا أخى دى مراتك صاحبة مراتي، ابقى تعالى اشرب فنجان قهوة معانا، ولأنى كنت مشغولا وقتها مع كتائب الفدائيين، التى كونها الحزب الاشتراكى بمنطقة القنال، لم أجد متسعا من الوقت لتلبية دعوته».
وكما يضيف ندا: «كانت مبادرة الحزب الاشتراكي، دافعا لباقى الأحزاب لتشكيل كتائب مماثلة، ما اضطر حكومة الوفد لتشكيل لجنة عليا، أطلقت عليها اسم (لجنة الكفاح المسلح)، سلمت قيادتها إلى اللواء متقاعد عبدالغنى موسي، وكنت عضوا بها، وكان أول إنجاز لها الإعداد لمسيرة ضخمة، شاركت فيها كافة طوائف الأمة، ثم كان الرد عنيفا من الاستعمار الإنجليزي، عندما خطط لحريق القاهرة فى يناير ١٩٥٢، موجها الاتهام إلى زعماء الحركة الوطنية بهدف التخلص منهم، فيما كانت أحكام الإعدام جاهزة، إلا أن الإنقاذ جاء على يد الضباط الأحرار من خلال ثورة يوليو ١٩٥٢».
ثم يعود مرة أخرى لتذكر الأعمال الفدائية ضد الإنجليز فى منطقة القناة بقوله: «فى ٢٣ أكتوبر١٩٥١ توليت قيادة كتائب الفدائيين التابعين للحزب الاشتراكي، وكان يحضر التدريب معى الملازم محمد أحمد رياض، وأحمد حمروش وبعض ضباط الصف، ثم تحركت والمجموعة التى كانت دربتها إلى الزقازيق، حيث اتخذنا مركز قيادتنا هناك، وكان الدكتور محمود زيتون مشرفا من قبل الحزب على هذه العملية، وشاركنا فى عدة عمليات قام بها الفدائيون، فى (القرين والتل الكبير وأبو حماد والأدبية) وهكذا، وكنت على اتصال بوجيه أباظة وحسن إبراهيم فى رئاسة الطيران، لأحصل منهما على البيانات والخرائط والمتفجرات، كذلك كنت على اتصال بعبدالمنعم النجار فى المخابرات الحربية، حيث كان يمدنى بالمعلومات التى نقوم على أساسها بالعمليات الفدائية».
مستمرا فى الكشف عن هذه الأعوام التى ربما لم يسمع بها شباب هذه الأيام، قائلا: «عقب حريق القاهرة وكنت متغيبا عن القاهرة، ذهب ضباط المباحث العامة (أمن الدولة حاليا)، إلى مسكنى القديم فى كوبرى القبة، ولما لم يجدونى فى المنزل، حضر إلىّ ضابط من قسم الوايلى فى مسكنى الجديد بشارع مصر والسودان، وصحبنى بعد منتصف الليل إلى القسم يوم ٨ إبريل ١٩٥٢، بعد أن قام مرافقوه بتفتيش المنزل وصادروا الكثير من الأوراق، وبعد وصولى لقسم الوايلي، حدث اتصال من القسم بمرتضى باشا المراغي، ولسابق معرفته بإصابتى أمرهم بالإفراج عني، وإعادتى للمنزل وطلب منى الرائد محمد الجزار- بالقلم السياسى – بمحافظة القاهرة أن أمر عليه لمجرد الدردشة، فى الوقت الذى يتراءى لي، فحددت له الساعة السادسة مساء وفعلا ذهبت إليه، وبدأ يستعد كما فهمته لاستجواب، ولسابق معرفتى برغبته فى جمع أدلة ضد الأستاذ أحمد حسين فى قضية حرق القاهرة، قلت له قبل أن يتحدث فى الموضوع: (أقسم بشرفى أن الرجل لم يشترك فى حرق القاهرة، ولا يملك أى معلومات عن الحريق، ولا يعرف أحدا ممن اشترك فيه، ومن ناحية أخرى فهو ضد هذا الإجراء العنيف)، وبعد أن أنهيت كلامى فوجئت به يرتبك، وبحالة عصبية قال لى: (طيب متشكر اتفضل انتهت المقابلة).. وفى يوم ١٣ يوليو ٥٢ ذهبت إلى المطار لمقابلة العقيد إسماعيل شيرين والعقيد محمود رياض، عند عودتهما بعد الاجتماع بلجنة الهدنة، فى دمشق، بصفتى المحرر العسكرى لأخبار اليوم، أى بعد مضى ما يقرب من شهر ونصف على عملى الصحفي، ركبت السيارة مع إسماعيل شيرين، وفى الطريق إلى محطة مصر وبعد انتهاء حديثنا الخاص بلجنة الهدنة، قلت له: (إيه مصلحة مولانا فى تشبثه بحسين سرى عامر، ده موضوع من أخطر ما يمكن والجيش كله غضبان عليه، فليه الملك يعاند الضباط؟) فقال لى: (والله يا جلال هو لا يقبل أى حد يكلمه فى هذه المواضيع)، فقلت له: (لكن من مصلحته أن ينتهى هذا الموضوع)، فقال: (على العموم سأحاول)».
أنا وناصر وهيكل
فى يوم ١٨ يوليو ١٥٩٢ طلب الأستاذ مصطفى أمين رئيس تحرير «أخبار اليوم» منى الذهاب ومعى الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير «آخر ساعة» إلى منزل محمد نجيب لمقابلته ومعرفة نتيجة لقائه مع الدكتور محمد هاشم باشا، فذهبنا وكان موجودا وقتها النقيب حسن فهمى حافظ، ودخل علينا المقدمان يوسف منصور صديق، وجمال عبدالناصر ومعهما الرائد عبدالحكيم عامر، كنت يومها أبلغ نجيب بآخر أنباء قضية نادى ضباط الجيش، وهنا تدخل جمال وسألنى عن التكاليف، فقلت له خلاص أنا دفعت كل حاجة، فقال لى إحنا بنجمع فلوس عشان الحاجات دي، فقلت ٦ جنيهات، فأخرج المبلغ من جيبه ودفعه لي. فى هذه اللحظة مال على هيكل وهمس فى أذنى اليسرى.. مين ده؟ فقلت البكباشى جمال عبدالناصر، فقال عرفنى بيه، فقمت بواجب التعريف، والدليل على ذلك هو ما كتبه هيكل نفسه فى مقاله الشهير «بصراحة» يوم ١١ فبراير ١٩٧١ تحت عنوان «علامات على طريق طويل»، الذى قال فيه: «بقيت فى القاهرة على أنقاضها وأنقاض النظام الملكي، الذى كان يتساقط يوما بعد يوم، وكنت وسط الحياة السياسية فوق الأرض وتحتها، حتى التقيت جمال عبدالناصر مفجر الثورة يوم ١٨ يوليو، ولم نفترق ولم ينقطع الحوار بيننا حتى يوم ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠»، وهو ما يتناقض مع كل ما يروج له هيكل، عن معرفته بناصر منذ حرب النكبة فى فلسطين، وهو ما سنفرد له حلقة خاصة فى الأيام المقبلة إن شاء الله.