الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

نظام العصابة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

صحيح أن غالبية من انتفضوا في 25 يناير 2011، كانوا ثائرين على أوضاع فقدوا الأمل في العثور على سبيل لتجاوزها، وأنهم إنما أرادوا إسقاط أركان العفن في النظام ولم يقصدوا بأي حال هدم أركان الدولة.
بيد أن أياد خفية ملعونة لم يكن ليكفيها إسقاط جماعة الحكم وعناصرها الفاسدة، فهدفها الأساسي كان ولم يزل هدم دعائم الدولة التي تشكل معناها وملامحها في وجدان المصريين منذ فجر التاريخ، ولم تكن الدولة الحديثة التي أسسها محمد علي إلا حلقة من حلقات تلك الدولة المصرية القديمة.
الإخوان المسلمون كانوا أصحاب تلك الأيادي الملعونة، فليس بمقدور تنظيم سري لا يختلف بناؤه الداخلي كثيرًا عن بناء هياكل العصابات، احترف ممارسة حياته بكل تفاصيلها في جحور الفئران أن يحيا في نور الدولة لذك استهدفت الجماعة أو قل “,”العصابة“,” في أول ظهورها مع حلول منتصف ليلة التاسع والعشرين من يناير 2011 أقسام الشرطة والسجون ومقار الحزب الوطني بسلسلة عمليات إجرامية منظمة، وللأسف صفق غالبيتنا لتلك الهجمات دون أن يعي أنها كانت بمثابة أول طرقات معول هدم الدولة المصرية ولا أحتاج لدلائل تؤكد هذه الحقيقة فمعظم من خرج فارًا من تلك السجون الإسلاميون أنفسهم والمتورطون في جرائم إرهاب ولا يخفى على أحد أن الرئيس مرسي كان في مقدمة المستفيدين.
تلك العمليات التي تصدت فيها قوات الشرطة للبلطجة والميليشيات الخاصة وصف ضحاياها من الشرطة المصرية بالقتلة والمجرمين ووصف قتلاها من العابثين بالشهداء ومع ذلك صفقنا جميعًا للعابثين واتهمنا الشرطة لكن القضاء ولأنه إحدى دعائم هذه الدولة العريقة قد برّأ ساحة جميع ضباط الشرطة الذين ماتوا مدافعين عن أقسامهم وهو في ذلك قد انتصر لمعنى من معاني الدولة.
والشيء بالشيء يذكر.. فعندما أصبحت الشرطة في خدمة مرسي وجماعته صار الاعتداء عليها هدمًا للدولة وإرهابًا وإجرامًا يبرر إطلاق الرصاص الحي على البلطجية الذين كانوا بالأمس ثوارًا وشهداء.
وما أن وضعت غضبة الثائرين أوزارها حتى عمت المظاهرات الفئوية، وأذكر أن أولى تلك المظاهرات كانت لموظفي الحكومة والقطاع العام والذين طالبوا حينها بتعيين أبنائهم كورثة شرعيين في وظائفهم الحكومية ولم تعترض الجماعة المحظورة على تلك المظاهرات بل أنها شجعتها في بعض الأحيان، فهي على أي حال مسامير إضافية في نعش الدولة.
وانتشرت الفوضى لينعدم الأمن وكان ذلك هو المناخ المناسب لتنشط فيه عصابة الإخوان وربما كان أبرز مشاهدها اقتحام مقر مباحث أمن الدولة بمدينة نصر والذي كان أهم أبطاله عناصر وفلول الجماعات الإسلامية والسلفيين والجهاديين والإخوان ولم يكن المعني الأبرز لاقتحام مقار مباحث أمن الدولة هو السطو على ملفات الصندوق الأسود للنظام السابق لاسيما وأن شيئًا ذات معنى لم ينكشف أو ينفضح نتيجة تلك العمليات وإنما كان مشهدًا جديدًا لسقوط معنى آخر من معاني الدولة.
ولم تكن تلك المشاهد فقط ما صفقنا جميعًا لها فها هم الإخوان يخرجون في مليونيات حاشدة تطالب بسقوط حكم العسكر زاعمين رفض وضع مميز للمؤسسة العسكرية في وثيقة علي السلمي وهو الوضع الذي كرسوه - وزيادة - في دستورهم.
لكن معولهم أعلن بدء الطرق في أحد أهم مؤسسات الدولة المصرية، ألا وهو الجيش وبسذاجة منقطعة النظير أكملت القوى الثورية الليبرالية واليسارية ما بدأته عصابة الإسلاميين واضعى عنوان نضالهم الرئيسي شعار “,”يسقط حكم العسكر“,”.
المهم في ذلك كله أن المحصلة الرئيسية كانت سقوط معنى الدولة في نفوس غالبية المصريين وهو ما نلحظه بدءًا من عدم احترام إشارة المرور انتهاءً بالانفلات الأمني المريع.
وفي ذلك كله روج الإخوان ومن بعدهم السُذّج من الليبراليين واليساريين لمصطلح الدولة العميقة ولم يدرك هؤلاء الثوريون أن مقصد الإخوان لم يكن رموز الفساد وأصابعه الكبيرة والصغيرة في مؤسسات الدولة وإنما ما يمكن أن نسميه “,”عظم الدولة“,” هو مقصدهم.
نظام العصابة يحاول فرض منطقه وآلياته وطريقته التي اعتاد عليها وعندما تلمس بعض الثوريين خطورة ما آلت إليه الأوضاع وأننا أضحينا بصدد “,”اللا دولة“,” راحوا يطالبون بعودة الجيش الى المشهد مرة أخرى، وكأن الأخير ليس إلا دُمية تتلقفها أيادي مراهقي السياسة وأطفال عابثون.
نظام العصابة لا يلجأ لأجهزة الدولة ومؤسساتها لحماية الحكم، وإنما يلجأ لميليشيات غير النظامية لتقتل وتعتقل وتضرب وتنتزع الاعترافات، هؤلاء من أسماهم عصام العريان في أحداث قصر الاتحادية الأولى بحماة الشرعية وهم أنفسهم من فضحهم أحد الشباب المنشقين عن الجماعة المحظورة مؤخرًا عندما اعترف أمام وكيل النائب العام بأن شبان الجماعة كانوا يساعدون قوات الأمن المركزي في القبض على الثوار ويشاركونهم حفلات التعذيب، مؤكدًا أن محمد الجندي قد مات على أيدي معذبيه من عناصر عصابة الإخوان.
ولا أحد يدري كيف سيتعامل النائب العام المستشار طلعت عبدالله مع مثل هذه الاعترافات.. وهل سيباشر التحقيق في مدى صدقها أم إنه سيتجاهل الأمر ليدفن الحقيقة وننسى نحن بدورنا مصير تلك الاعترافات كما نسينا مصير حارس الشاطر ولأي نتيجة آلت قضيته.
عشرات ومئات الوقائع المماثلة تحدث يوميًا دون أن نتوقف عندها.
الأدهى من ذلك أن أداء العصابات الذي يغلب على طابع النظام سار أيضًا سمة هذه التي تسمي نفسها جبهة الإنقاذ الوطني فمرة أخرى تصفق لقاذفي المولوتوف على قصر الرئاسة دون أن نعي أو حتى نتساءل عن الطرف المستفيد من إلقاء الحجارة وتسلق الأسوار، فالرئيس السابق لم يرحل بالعنف وإنما بالتظاهرات السلمية في قلب ميدان التحرير.
الاقتصاد ينهار وقيادات الجبهة لاتزال تتبادل مع نظام العصابة الاتهامات بإسالة دماء المصريين.
وظني أن الشيء المضيء الوحيد الذي خرج عن جبهة الإنقاذ هو مبادرة عمرو موسى الأخيرة والتي دعا فيها جميع الأطراف لتنحية الخلافات السياسية التي تصغر مهما كبرت أمام فاجعة سقوط الدولة وهي مبادرة لا تخرج إلا من رجل مدرك بحق معنى الدولة، ولكنها في الغالب ستذهب أدراج الرياح شأنها في ذلك شأن كل المبادرات الجادة فهذه الجماعة المحظورة غير مؤهلة إلا لتصنع نظام العصابة.