الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أزمة الحياة الحزبية في مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دفعنا لتناول هذا الموضوع تدخل السيد رئيس الجمهورية من أجل تهدئة، وتسوية الأزمة الحادة التى تفجرت داخل حزب الوفد، وما زالت تداعياتها مستمرة، وكلا الطرفين احتكما للسيد الرئيس، وهذا التدخل بغرض لم الشمل، وحتى لا يؤدى إلى تفجير أحد الأحزاب الرئيسية فى مصر.
وأعقب ذلك لقاؤه بقادة الأحزاب بقصر الاتحادية من أجل مناقشة الترتيبات لإجراء الانتخابات البرلمانية القادمة، وهذا التحرك إن دل على شىء إنما يدل على إيمان السيد الرئيس الراسخ بالحياة الحزبية كإحدى الركائز الأساسية لمجتمع ديمقراطى يقوم على التعددية، وتداول السلطة،
وأن السيد الرئيس على مسافة واحدة من كل الأحزاب، والقوى السياسية، ولا يمكن أن نحسبه على تيار سياسى بعينه.
وصدقه فى تأسيس حزب سياسى له على غرار الرؤساء السابقين خاصة المخلوع أو المعزول، وتأكيداته على إجراء الانتخابات البرلمانية فى نهاية هذا العام.
وأن وقفها لم يكن له يد فيه، ومطالبتهم بالاتفاق على قائمة موحدة نظرا للمخاطر التى يتعرض لها الوطن، فنحن نعيش حالة حرب حقيقية فرضت علينا فرضا من قبل الإرهاب، والإرهابيين المتسترين بالدين، والدين منهم برىء والمدعومين من قوى خارجية.
وأزمة حزب الوفد، وما تعرضت له أحزاب أخرى من أزمات شبيهة، وما يستجد يدلل على أننا أمام أزمة حادة فى الحياة الحزبية فى بلدنا،
وإذا عدنا للوراء سنجد أن الحياة الحزبية قديمة، حيث بدأت منفذ عام 1907، وارتبطت ارتباطا وثيقا بالنضال الوطنى المطالب بالاستقلال، ولم يكن بغريب أن يؤرخ لبدايتها بإنشاء الحزب الوطنى بقيادة مصطفى كامل فى عام 1907 رغم أنه كان الحزب الثالث فى النشأة بعد حزبى الأمة وحزب الإصلاح الوطنى على المبادئ الدستورية حيث أيقن مصطفى كامل أن أحد أسباب فشل الثورة العرابية عدم وجود التفاف شعبى حولها من خلال حزب لها.
وفى الفترة من 1907 حتى الحرب العالمية الأولى تشكلت الأحزاب، وعكست كافة الآراء ما بين أحزاب مثل حزب الإصلاح، وحزب الأحرار، وحزب النبلاء، والحزب المصرى، وأحزاب تمثل الوسط مثل حزب الأمة، والحزب الوطنى، وأحزاب اليسار، والأحزاب الراديكالية وكان حزب الأمة والحزب الوطنى هما الحزبان الكبار وفى المرحلة الثالثة من 1919 حتى 1953 أصبح تأسيس الأحزاب حقا كفله الدستور، خاصة دستور 1923 والذى لعب دورا أساسيا فى إنعاش الحياة الحزبية، وأهم الأحزاب التى ظهرت فى هذه الفترة هو حزب الوفد الذى استمد تسميته من الوفد المصرى الذى تشكل عام 1918 عن طريق الوكالة الشعبية للمطالبة باستقلال مصر، والأحزاب التى انشقت منه مثل الأحرار الدستوريين، والحزب السعدى، وحزب الكتلة الوفدية، والعديد من الأحزاب الاشتراكية.
وفى الفترة من 1953 حتى 1976 تم وقف وإلغاء الأحزاب، والأخذ بنظام الحزب الواحد، وكانت البداية إنشاء هيئة التحرير فى يناير 1953 ثم إلغاءها، وتأسيس الاتحاد القومى فى عام ١٩٥٦، ثم الاتحاد الاشتراكى فى عام 1964.
وأعيدت الحياة الحزبية مرة أخرى فى عام 1977، وكانت البداية قرار السادات فى مارس 1976 بقيام ثلاثة منابر فى إطار الاتحاد الاشتراكى العربى، وفى نوفمبر صدر قرار بتحويلها إلى ثلاثة أحزاب، وأعقبها صدور قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977، والذى أدخل عليه عدة تعديلات ما بين تخفيف شروط تأسيس الأحزاب، ما بين شروط تشدد من إجراءات تأسيس الأحزاب.
وعلينا أن نعترف بأن هذه التعددية شكلية بحيث أصبح حزب السلطة هو الحزب الوحيد الذى يتمتع بحرية الحركة، بينما الأحزاب الأخرى مكبلة بالعديد من القيود، والإجراءات.
وجاءت ثورة 25 يناير 2011، وتم تأسيس العديد من الأحزاب، إلا أن أغلبيتها أحزاب دينية، وأحزاب رجال الأعمال، والأحزاب الممولة من الاتحاد الأوروبى لأنها هى التى تملك الأموال، بينما القوى الحقيقية والثورية خاصة أنصار ثورة 25 الحقيقية، وثورة 30 يونيو عاجزون عن تشكيل وإنشاء أحزابهم بسبب ضعف الإمكانيات المادية، والقيود التى ما زالت قائمة ومظاهر أزمة الحياة الحزبية متعددة، وأهمها عدم إيمان القائمين على قيادة هذه الأحزاب بالديمقراطية الداخلية، وقضايا الوحدة والصراع حول قضايا الخلاف فى الرأى، وخلق الآليات لإدارة الصراع حول تلك القضايا للوصول للوفاق.
يضاف لذلك عدم إيمان قادة هذه الأحزاب بالآخر داخل الحزب واتباع سياسة القبضة الحديدية، والسيطرة على كافة مقاليد الأمور داخل أحزابهم.
واتباع سياسة الإقصاء، والعزل والتصفية إن لزم الأمر، وهذا يدفع الطرف الآخر إلى اتباع سياسة الانشاق، والانقلاب، وتفجير الحزب من الداخل إن لزم الأمر، وهذا راجع للطبيعة الخاصة لقادة الأحزاب، حيث إنها تقوم على المحسوبية، والشللية، والمنافع الذاتية، والتخلى عن المبادئ، وليست على الكفاءة الحزبية أو التفانى والإخلاص للجماهير.
وكان من الطبيعى أن نجد غالبية العناصر النشطة التى تتحرك فى الشارع السياسى خارج إطار هذه الأحزاب، بينما هم قابعون خلف محراب مقراتهم.
وأغلبية العناصر التى تتحرك، ونشطة تم طردها من هذه الأحزاب وهذا يدفعهم إلى العقوبة، ورفع الشعارات المتطرفة كإثبات للذات، وكرد فعل، والمزايدة فى بعض الأحيان، يضاف لذلك بروز ما يطلقون على أنفسهم النشطاء السابقين أصحاب بوتيكات التمويل الأجنبى.
ويزعمون كذبا أنهم يمثلون المجتمع المدنى بالرغم من أننا لم ننجح فى خلقه حتى الآن.
وإذا رجعنا لماضى هؤلاء نجد أنهم بدأوا حياتهم متعاطفين مع القوى، والأحزاب السياسية، ولكنهم أصابهم الإحباط واليأس من القمع، والقبض، والاعتقال الذى كان يتم إبان فترة الرئيس الراحل السادات، والرئيس المخلوع، فلم يجدوا أمامهم سوى تأسيس منظمات التمويل الأجنبى.
وللأسف الشديد شجعتهم الأجهزة القائمة خلال هذه الفترة على ذلك من أجل تحقيق:
أولا: الإفساد السياسى للقوى والأحزاب السياسية، وهناك من الأحزاب التى كنا نحترمها تم تخريبها من خلال عناصر التمويل الأجنبي.
ثانيا: التشويه السياسى، حيث أصبحت أغلبية المعارضة فى نظر الشعب مجرد حفنة من العملاء، ومتلقى التمويل الأجنبى.
ثالثا: شيوع الفهلوة السياسية، والتخلى عن المبادئ وتراخى الحركة الوطنية المصرية.
يضاف لهذا التوجه من قبل نظامى السادات ومبارك بروز فكرة الاستقواء بالخارج، وعدم الإيمان بالنضال القومى والثقة بالجماهير من أجل التعبير، فكان طبيعيا أن تسطو جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية على السلطة عقب ثورة 25 يناير، ورغم قيامنا بثورة 30 يونيو وتصحيح المسار إلا أن المخاطر ما زالت قائمة، وخير دليل على ذلك المحاولات الأخيرة لإحدى المنظمات التركية «المنظمة الأكاديمية الليبرالية»، ومحاولاتها استقطاب بعض شباب الأحزاب، والمنظمات المشبوهة من أجل التدريب أراضى التشيك كتمويه من أجل إسقاط النظام الوطنى القائم ومؤازرة جماعة الإخوان المسلمين.
وهذا يدعونا إلى مناقشة هادئة وجريئة لأزمة الحياة الحزبية فى مصر لأنها قضية هامة.
ولتكن البداية تفعيل دستورنا، ويصبح إنشاء الحزب بالإخطار وإزالة كافة القيود، والعراقيل التى تحد من إنشاء الأحزاب الحقيقية وغربلة الأحزاب القائمة بإزالة الأحزاب الدينية، والورقية وإزالة كافة الإجراءات التى تحد من انطلاق الأحزاب القائمة، وهذا كفيل بدرء المخاطر التى يتعرض له وطننا.