رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قراءة جديدة في إجابات قديمة (٨)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما هى الأدوار المختلفة للقوى السياسية فى فعاليات الثورة ؟.. هذا السؤال طرحته في 19 فبراير وأنا أحاول تحليل طبيعة اللحظة السياسية، في ذلك الوقت، لكي أتمكن من تحديد المهام المُلحة، وللإجابة عن هذا السؤال طرحت الإجابة التالية: "شاركت كل القوى السياسية فى الثورة بعد أن بادرت مجموعات شباب الفيس بوك بإشعال فتيلها، لكن القوى السياسية - على اختلافها – سرعان ما اندفعت إلى الميدان، والقول بأن هذه القوى حاولت ركوب الثورة هو أمر لا يمكن إنكاره، لكنه أيضًا لا يمكن أن يعتبر اتهامًا، فوظيفة القوى السياسية فى أى مكان فى العالم هى التلاحم مع حركة الجماهير ومحاولة التأثير فيها والتعلم منها فى نفس الوقت، ومن ثم فلا يمكن اعتبار أن الاشتراك أو حتى محاولة قيادة الثورة هو تهمة، بل يمكننا اعتباره شرفًا ووسامًا على صدر كل مَن حاول ذلك، وبالذات ما يتعلق بمحاولة الإسهام فى القيادة لأن ترك الميدان بلا قيادة كان أمرًا ضارًا بكل تأكيد وليس أمرًا إيجابيًا على الإطلاق، والمسئول عنه هو تجريم العمل الجماعى المنظم وشيوع الحلول الفردية إلى الحد الذى أدى إلى انهيار قيم العمل الجماعى وأضعف كل مؤسسات المعارضة من أحزاب وجمعيات.... إلخ.
فى هذا الإطار يمكننا القول أن القوى الأساسية، التى شاركت فى الثورة، بالمعنى السياسى، هى القوى التى كانت موجودة قبل الثورة، بالإضافة إلى بعض المجموعات الشبابية التى حاولت بلورة خطاب سياسى، ومن ثم فقد كان الإخوان هم القوة الأكبر التى شاركت فى الثورة لأنها كانت الأكثر تنظيمًا والأكبر عددًا قبل الثورة، ويلى الإخوان من حيث الوزن القوى الليبرالية التى توزعت على ثلاث مجموعات – بترتيب الثقل الميدانى – الجبهة الديمقراطية والغد والوفد بالإضافة إلى هيمنة المزاج الليبرالى والأفكار الليبرالية على معظم المشاركين فى المجموعات الشبابية، وأخيرًا فإن اليسار شارك بأعداد كبيرة، ولكن بدرجة متواضعة للغاية من التنظيم سواء لمجموعات قائمة أو من خلال محاولات تنظيمية انطلقت من داخل الميدان، ونحن هنا نتحدث عن القوى المنظمة لا عن الجماهير الغفيرة التى شاركت فى الميدان وجعلت وجود الإخوان يكاد يكون غير ملحوظ، لأن وجود مليون مواطن ومواطنة فى الميدان منهم 1% فقط إخوان لا يعنى أن الإخوان قوى ضعيفة لأن هذا الـ 1% المنظم لم يكن يقابله سوى 0.001% منظمين من القوى السياسية الأخرى، والقوى المنظمة، هى القوى التى تستطيع فى اللحظات الحرجة أن تقدم التضحيات وتحسم المعارك.
وعلى ضوء هذا الفهم للأمور، وهذا الميزان للقوى لم يكن صدفة أن يتحمل الإخوان، وفقًا لبعض التقديرات، عبء كبير في بعض المواجهات مع الأمن، وبالإضافة إلى ذلك فإن بعض الثقاة يؤكدون أن نفوذ الإخوان فى بعض المحافظات كان أكبر بكثير من كافة القوى السياسية مجتمعة، ولكل هذه الأسباب نحن نرصد الآن كيف يحاول الإخوان، وهذا حقهم، الحصول على أكبر مكاسب سياسية مقابل ما قدموه من جهد فى نجاح هذه الثورة، ولأن كل من يعنيه الأمر قد قرأ المشهد بدقة مُثمنًا قوة هذا الـ 1% المنظم، فلم يكن صدفة أن يضع المجلس العسكري (بقيادة طنطاوي وعضوية السيسي وصبحي والعصار وحجازي في ذلك الوقت) على رأس لجنة التعديلات الدستورية المستشار طارق البشرى الذى ينتمى إلى الإسلام السياسى ولا يختلف كثيرًا عن الإخوان وبالذات فى لحظات الثورة والانتصار، ولم يكن صدفة (أيضًا) أن يكون العضو الوحيد باللجنة (التي تضم أربعة أعضاء فقط منهم رئيس اللجنة) الذى ينتمى إلى خلفية فكرية وسياسية هو صبحى صالح المحامى عضو الإخوان.. هل هذه مناورة تكتيكية (من الجيش) للاحتواء والسيطرة على الشارع من خلال التحالف مع – أو تحييد – القوى الرئيسية (والمنظمة أيضًا) فى الشارع ؟! أم أننا إزاء تحالف تكتيكى (بين الجيش والإخوان) قد يستمر لبضع سنوات؟ أم أن الأمور تخفى احتمالات تحالف استراتيجى قد يغير وجه مصر؟ سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات لاحقًا، لكن دعونا فقط نرصد اليوم 2011/2/19، أن الاحتفال بالميدان يوم الجمعة 18/2 قد وجه الدعوة ليوسف القرضاوى لإلقاء خطاب، ودعونا نرصد أن أحد كُتاب الإخوان كتب فى الأهرام مبتدئًا بإدانة الفنانين الذين وقفوا ضد الثورة لكى ينتهى – كذبًا - إلى أن الشباب كان يهتف "لا سيما ولا روك إحنا شباب الفيس بوك" وفضلًا عن أن هذا الشعار من تأليفه ولم نسمعه على الإطلاق فى الميدان فإنه لم يأت على ذكر أي من الفنانين – على كثرتهم – الذين وقفوا مع الثورة وكانوا متواجدين بأنفسهم داخل الميدان، (هل يمكن أن ننسى خالد أبو النجا وعمرو واكد وخالد الصاوي وخالد صالح) هل يمكن بالكذب أن يتم تلطيخ وجه الثورة الثقافى وهو فى تقديرنا الوجه الأكثر تميزًا وإشراقًا؟ هل يمكن أن نسمح بذلك؟.
أخيرًا لا ينبغى أن ننسى هنا أن هناك مجموعة محددة حسنة التنظيم والتسليح قامت بالهجوم على سجون محددة (لاحظ أننا نذكر بدقة: سجون محددة) ونجحت فى تهريب 7 أعضاء محبوسين من مكتب إرشاد الإخوان المسلمين بالإضافة إلى عدد من كوادر كتائب عز الدين القسام (حماس) وأعضاء لحزب الله والمئات من أعضاء الجماعة الإسلامية الذين رفضوا المراجعات وآخرين من الجهاد (أو القاعدة)، وهذه المجموعات المسلحة – التى كانت فى حالة استعداد لتنفيذ خطط محددة فى حالات محددة – نجحت لا فى تهريب المساجين خارج السجون فحسب، بل نجحت فى تهريبهم إلى خارج البلاد، فى بضع ساعات، الأمر الذى يؤكد قدرتهم على تأمين الطرق وإعداد أوراق مزورة تسمح بوصول بعضهم إلى لبنان... إلخ، وعلى ضوء كل ما تقدم هناك ضرورة لفتح حوار واسع وشفاف عن مدى مسئولية الإخوان عن ذلك وهل هناك جناح عسكرى للإخوان؟ وهل يمكن قبول الإخوان فى الحياة السياسية مع وجود جناح عسكرى لهم؟ لقد كان اليسار بصفة عامة، وكذا الليبراليون، واليسار الديمقراطى الاجتماعى على نحو خاص على رأس المطالبين بحق الإخوان فى الوجود السياسى (على اعتبار أنهم فصيل سياسي غير مسلح ولم يستخدم العنف لسنوات طويلة) ولكن هذا يقتضى من الإخوان تفسيرًا واضحًا لوقائع تهريب المساجين، ولا نود هنا أن نعلق المشانق لأحد وقد تكتفى الحياة السياسية المصرية من الإخوان فى هذه اللحظة باعتذار معلن وواضح عن أى ممارسات عنف أو عن وجود جناح عسكرى، ومن ثم يصبح من الجائز والممكن أن نفتح صفحة جديدة ونتجاوز عن ما حدث.
كان هذا ما كتبته في فبراير 2011 بالحرف الواحد لم أضف إليه إلا ما ورد بين أقواس للتذكير أو لشرح ما نتصور أنه قد يكون غير واضح الآن.. كتبت هذا الكلام والمجلس العسكري يعين لجنة من أربعة، منهم اثنان من الإخوان، للتعديلات الدستورية، بل ويصطف المجلس أيضًا مع الإخوان في التعديلات الدستورية المقترحة والتي قضت بالبدء بالانتخابات البرلمانية، ويمكننا القول إن البدء بهذه الانتخابات كان الخطوة الأولى في اتجاه تمكين الإخوان، وإثارة أطماعهم في الحصول على ما هو أكثر بكثير من أي "مكاسب سياسية" مشروعة أو منطقية، أو بصياغة أخرى على ما هو أكثر بكثير من وزنهم وقوتهم في المجتمع وعبر تكتيكات وأساليب إقصائية، وفيما كانت كل القوى، بما فيهم المجلس العسكري، تحاول أن تخطب ود الإخوان على اعتبار أنهم الأكثر تنظيمًا وقوة، قمت أنا بتسليط الضوء على أن هناك أدلة واضحة تشي بأن الإخوان لديهم جناح عسكري وأنهم قاموا باستخدام العنف، واللافت أن معظم من قرأ هذه الورقة، قبل نشرها في ذلك الوقت، اعتبروا أن الإشارة لهذا الموضوع نوع من "الجليطة"، ولكنني تمسكت بضرورة نشر الأمر الذي تم التعتيم عليه من الإعلام والقضاء والسلطات، وظلت الكلمات التي كتبتها تقابل باستهجان حتى "وقع" الإخوان فكان أن "كترت سكاكينهم"!!