رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

قراءة جديدة في إجابات قديمة (5)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من الذى ثار؟ ولماذا؟
الإجابة التي قدمتها قوى الثورة المضادة على السؤال الفرعي الوارد في عنوان هذا المقال، هو أن الذي قام بالثورة هم "الشباب النقي" البرئ من الانتماء إلى أي حزب أو تيار، الشباب الخالي الذهن من أي أفكار أو تصورات، الشباب الذي يمكن أن يغرر به أي "مندس" أو "مشكك"، ومن ثم فإن هؤلاء الشباب في حاجة لمن يحميهم ويمنع عنهم الاختلاط بمن يمكن أن يغرر بهم، واللافت أن الإعلام كان يردد هذه الأكاذيب بينما كان الميدان يزدحم بالمشاركين من كل الأعمار والفئات الاجتماعية، وفي هذه اللحظات بالتحديد، وفي إطار مناقشة أبعاد اللحظة السياسية الراهنة والمهمات الملحة، حاولت طرح موقف متكامل لأبعاد هذه اللحظة في صورة مجموعة من الأسئلة والإجابات، وكان من بينها السؤال حول "من الذي ثار؟ ولماذا؟"، وقدمت الإجابة التالية على هذا السؤال:
"لفت نظر كل المراقبين والمشاركين فى ثورة التحرير هذا التنوع المذهل للمشاركين فى الثورة، حيث اصطف الأغنياء إلى جوار الفقراء والسافرات إلى جوار المنقبات، والشيوخ إلى جوار الأطفال، والمسلمون إلى جوار المسيحيين، وعرف ميدان التحرير تنوعا اجتماعيا وعُمريا وثقافيا ربما لم تعرفه أى ثورة سابقة وأعلن كل هؤلاء بصوت هادر وعلى مدى ثمانية عشر يوماً، أن الشعب يريد إسقاط النظام، وكان المعنى الكامن خلف هذا المشهد بسيطا، فلقد تجمع كل هؤلاء المختلفين اجتماعياً وثقافياً وعُمرياً ضد القهر ومن أجل استعادة كرامتهم المهدرة. نعم كانت ثورة 2011 ضد القهر ومن أجل الكرامة بمفهوم واسع وشامل ومتعدد للغاية، ومن ثم كان الشعار هو الآخر عامًا جداً ويهدف إلى إسقاط النظام، وهو المفهوم الشعبي لإسقاط الفرعون، أو شخص رئيس الجمهورية أو الحاكم الظالم، الذي يجسد سبب القهر عند المجموعات الاجتماعية والثقافية والعُمرية التى شاركت فى الثورة، ولكن ما المقصود بالقهر وإهدار الكرامة؟
القهر قد يكون عند بعض المشاركين من الفقراء، اقتصاديا، ويتعلق بإفقارهم وإذلالهم تحت وطأة الفقر والفاقة والعوز، وقد يكون عند مشاركين آخرين شديدي الثراء هو عدم حصولهم على فرص متكافئة فى سوق حر مفتوح بعد أن أدى القهر إلى إرساء دعائم فساد لا يفاضل– حتى بين الأغنياء العاملين فى السوق– على أساس من جودة ما ينتجونه أو ما يقدمونه من خدمات، وإنما أصبحت معايير المفاضلة بين عطاء وعطاء هى مدى ما يتمتع به هذا الطرف أو ذاك من علاقة حسنة بالسلطة السياسية ورءوسها الفاسدة حتى النخاع، والقهر عند نساء غير منتقبات وغير محجبات قد يكون فيما يفرضه عليهم المجتمع من حصار وتضييق يحد من حريتهم فى ارتداء ما يرونه مناسباً من ملابس، والقهر قد يكون عند ملايين المصريين من كافة الفئات يتجسد فى إحساسهم بالضعف والهوان جراء اطلاعهم على ما يدور حولنا من تطوير وتحديث فيما يزداد تخلفنا، ونحن لا نتحدث هنا عن مقارنة أوضاعنا بـ أوروبا المتقدمة فحسب، بل نتحدث أيضاً عما كان يعقده ملايين المصريين من مقارنة بين أوضاع المرور عندنا – مثلاً – وبين أوضاع المرور فى دول عربية محيطة بنا لم تكن على الخريطة قبل عدة عقود، ويقيناً فإن إحساس الناس بالمرارة والقهر إزاء مثل هذه المقارنات كان قد وصل إلى ذروته بالذات وأن الأمر فى هذه البلدان لم يكن يخلو من إذلال متعمد للمصريين يذكرهم على الدوام بما أصبحوا عليه، ومن ثم فقد أصبحت الأسئلة المكتومة داخل الصدور الملتهبة هو : لماذا لا تصبح مصر بلدا متقدما نظيفا ومنظما؟ ولماذا لا تتم فى مصر انتخابات نزيهة مثل بلدان العالم؟ ولماذا لا يشعر المواطن بكرامته عندما يتعامل مع الأجهزة الحكومية وبالذات جهاز الشرطة؟ ولماذا لا يكون المصريون جميعاً متساوين أمام القانون مثل بقية بلدان العالم؟ ولماذا لا يكون هناك تكافؤ فرص فى الحصول على وظيفة أو عملية مقاولات أو صفقة استيراد وتصدير؟".
اغلب المصريين شاركوا إذن، ورغم ان دوافعهم و أهدافهم كانت مختلفة ، الا ان شعارات الثورة الرئيسية التي رددتها معا ، ونعني بذلك "إسقاط النظام" و"عيش .. حرية .. كرامة إنسانية" كانتا تعكسا الى حد كبير ما كان يمكن اعتباره نقاطا موحدة ومشتركة يمكن البناء عليها.
والآن، ونحن نقترب من مرور أربعة أعوام على اندلاع ثورة يناير، إذا حاولنا ان نعيد قراءة ما حدث، من زاوية اخرى ، يمكننا ان نضيف الى القراءة، أو الإجابة السابقة، إن اتساع حجم المشاركين في الثورة، وكذا تنوعهم أيضا، كان من الممكن أن يكون الأساس القوي والمتين الذي يمكن أن تبني عليه قوى الثورة المستقبل الواعد الذي كانت تصبو إليه وفقا للشعارات التي رفعتها: "عيش .. حرية .. كرامة إنسانية"، ولكن، بكل أسف، شاءت الأقدار والظروف، وربما شاءت قوى الثورة المضادة أيضا، أن يكون هذا التنوع والاتساع، أحد الأسباب المهمة التي أدت إلى عجز القوى المشاركة في الثورة عن بلورة مطالب واضحة ، و خطة محددة ، و الاهم قيادة موحدة ، جنبا الى جنب ، بالطبع ، مع الأخطاء المتفرقة، والمتنوعة، التي ارتكبتها بعضا من المجموعات والشخصيات التي شاركت في الثورة وتفاوت آداؤها، بكل أسف، بين التركيز على مطالبها الخاصة وبين رفع سقف المطالب إلى عنان السماء، وهكذا تفتت الميدان طوليا وعرضيا فيما كانت قوى الثورة المضادة تعيد تنظيم صفوفها وتوحد قواها.