الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صيحات التجديد الديني ( 45 )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وأعتقد أنه مع ارتفاع موج الإرهاب الاخوانى وإصرار الجماعة الفاشية وحلفائها من المتأخونين القدامى والجدد فإننا لم نزل بحاجه إلى مزيد من الدراسة الجماعية المتأنية والعلمية لهذه الظاهرة . وفى زمن سابق ومع ارتفاع موج التطرف عقد المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية ندوة تحت عنوان "الحركات الدينية المتطرفة" [مايو 1982] وقد شارك فى هذه الندوة علماء إعلام قدموا أبحاثًا أكثر من رائعة ، فهم وجهوا بحوثهم ليس إلى انتقادات سطحية ولا إلى شتائم أو تعارضات لفظية ولكنهم قدموا – كل فى مجاله – أبحاثًا ملهمة وذات عمق دينى وفقهى عقلانى وأيضا أكاديمي .
ولأن الندوة كان عنوانها "التطرف" فقد بدأت الأبحاث بتحديد معنى التطرف ونبدأ بأستاذ أساتذة علم الاجتماع د.سيد عويس إذ يقول "مفهوم التطرف لغويًا يعنى تجاوز حد الاعتدال وهو فى ضوء العلم ليس مطلقًا، وفى المجتمع قد تتطرف الأغلبية مثل جماعات الأغلبية البيضاء فى أمريكا خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وقد يوجد التطرف جماعيًا فى مجموعة الأقلية مثل تتطرف البيض فى جنوب إفريقيا قبل التطورات الأخيرة والتطرف فى المجتمعات أو فى الطبيعة هو نوع من التباين" [بحث بعنوان : العوامل التى أدت إلى ظهور الجامعات الدينية المتطرفة – صـ167] أما العميد سيد السبكى فيقول "التطرف هو اللجوء إلى العنف واستخدامه بصورة تكدر الأمن وتخل به ولا نعتقد أن المقصود بالتطرف هو التشدد فى تطبيق شرع الله أملا فى الجنة ، فهذا ليس تطرفاً بل هو من الأمور الشخصية التى تتعلق بعبادة الفرد لربه"[صـ221] . أما المستشار عدلى حسين فيقول "والتطرف فى الرأي أو العقيدة ليس خطراً فى حد ذاته بل أن التطرف فى بعض الأحيان يكون سبيلاً الى التغيير والتطور إلى الأحسن والأرقى وإنما يكمن الخطر فى اللجوء إلى العنف لتحقيق هذه الأفكار المتطرفة ، ومن اتخذ العنف سبيلا لتحقيق مآربه فلن يعوزه إيجاد المبررات لذلك حتى لو لجأ إلى تلوين المبادئ الدينية . [صـ208] ويمضى المستشار عدلى حسين قائلاً "والتطرف عموماً لا ينشأ فى مجتمع ولا ينتشر إلا فى ظروف غير عادية وغير طبيعية تؤدى إلى حالة من الإضطراب النفسى البالغ الذى يؤدى فى كثير من الأحيان إلى السلوك العدوانى فى أقصى صورة ، ويلجأ الفرد إلى إسباغ المشروعية على هذا السلوك العدوانى بالركون الى أسباب دينية حتى يبرر لنفسه ولغيره خروجه وتمرده إلى المجتمع الذى يعيش فيه" [صـ207] أما الدكتور إبراهيم صقر فيحذرنا مؤكدًا "أن ظاهرة التطرف والعنف دينياً – كان أو غير دينى – ليست ظاهرة جديدة أو حديثة على المجتمعات البشرية فقد وجدت فى كل زمان ومكان [صـ254] وإذ نأتى مع د. يحيى الرخاوى الى ساحة علم النفس فإنه ينقلنا إلى محاولة المقارنة بين كلمة "تطرف" وكلمة "تعصب" ويقول : التعصب هو جمود فى موضوع مات فيه الزمن وانعدمت فيه الحركة . أما التطرف فهو نقطة قصوى فى حركة بندول نشط فهى تحتمل العودة الى التحرك مع استمرار الحركة والفرق خطير وجوهرى" [صـ138] أما الدكتور فرج احمد فرج فينتقل بالحوار الى بُعد نفسى قائلا "يحاول البعض أن يفسر هذا العنف نفسياً بما يسمى البنيان السادومازوخى ، والسادية هى عشق ايذاء الغير، إما المازوخية فهى عشق ايذاء الذات ، فيكون المريض عاشقاً لإيذاء الغير وايهام نفسه بأنه إنما يخوض معركة ويمضى فيها من أجل نصرة الدين او العقيدة او الحق ، ويتخذ من تجريح الآخرين سواء الأفراد أو السلطة وإيذائهم واتهامهم بالكفر أو باستخدام العنف ضدهم وتحمل عنفهم ضده سبيلاً للإشباع المرضى الذى هو بحاجه اليه ، ثم ينتقل د. فرج الى نظرية الفرويدية قائلاً "ذهب فرويد مؤسس حركة التحليل النفسى إلى القول بان العدوان غريزة تقف فى مواجهة نقيضها وهو الحياة وتتمكن فى النهاية من التغلب على النقيض أى الحياة السوية والمسالمة، لقد انتهى فرويد إلى اعتبار غرائز الحياة والجنس والبكاء أكثر ضعفاً من غرائز العدوان والموت وإشاعة العداوات والهدم ، ويقول د. فرج فى تحليل مسلك بعض الجماعات المتطرفة" إن جماعة سياسية تريد السيطرة على الحكم أو السلطة أو فرض هيبتها وهيمنتها على الجمهور بأساليب عدوانية وغير ديمقراطية فتتخذ وعن عمد الدين ستاراً لهذه العدوانية تحت قناع الدين بينما الدين نفسه لا ينطوى بأى حال من الأحوال على إلزام أو توجيه بمثل هذا السلوك" [صـ154] ثم يقول "وتبرز المشكلة أكثر عندما يتحول الفكر إلى ممارسة فعليه وعملية ، أى التحول بالفكرة إلى فعل إيجابى يحاول فرض الفكرة على الآخرين والإلزام المعنوى بها ثم تحول الإلزام المعنوى إلى الإلزام المادى ، ثم قمة هذا التحول إلى العنف الفكرى (التكفير) ثم العنف البدنى (الإرهاب)" [صـ125] .
ويمضى بنا د. فرج إلى النهاية المثيرة وهى "أن هؤلاء المتطرفين إذا يتمردون بعنف على كل أشكال السلطة أى الأسرة – المدرسة – الوظيفة – الدولة – الدستور – القانون – ويرفضون الانصياع لها ويقاومونها بعنف فإنهم يقيمون لأنفسهم سلطة بديلة يدينون لها بالطاعة التامة والخضوع الأعمى هى سلطة الأمير" [صـ158] .
وتنتهى المساحة لكن الأبحاث العميقة والدراسات الجادة حول هذا الموضوع الهام بل والشديد الأهمية لم تزل تحتاج إلى مطالعة .
فإلى مقال آخر .